بعد أكثر من 15 عاماً على أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، يعود الحديث مجدداً حول مخاطر المنتجات المالية المعقدة وغير الشفافة، مع ازدهار سوق الديون الخاصة أو القروض غير المصرفية. هذا النوع من التمويل، الذي سجل نمواً متسارعاً، يثير مخاوف بشأن تأثيره في الاستقرار المالي.
في المقابل، تتمتع هذه السوق بقدرة نظرية على تحقيق استقرار نسبي في النظام المالي، وإن كانت حداثة الظاهرة تجعل من الصعب التنبؤ بفعاليته في أوقات الأزمات.
وفي ديسمبر الماضي، أعلنت شركة «بلاك روك» العملاقة لإدارة الأصول شراء صندوق متخصص في الديون الخاصة «HPS» مقابل 12 مليار دولار.
يُتوقع أن يعزز هذا الاستحواذ اهتمام المستثمرين والمقترضين بهذا البديل للتمويل المصرفي والإصدارات السندات.
ومن المتوقع أن يصل إجمالي القروض الخاصة إلى 2000 مليار دولار عالمياً هذا العام، مقارنة بـ1500 مليار دولار في عام 2023، مع توقعات «بلاك روك» باستمرار هذه الوتيرة لتصل إلى 4500 مليار دولار بحلول عام 2030.
ورغم هذه الأرقام الضخمة، فإنها لا تزال بعيدة عن سوق سندات الشركات البالغ 34 ألف مليار دولار بنهاية 2023، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
لطالما وُجدت القروض غير المصرفية في الولايات المتحدة، التي لا تزال تشكل أكثر من نصف السوق العالمية، إذ تُسْتَخْدَم كثيراً لتوفير التمويل للشركات المتوسطة التي لا تتمتع بإمكانية الوصول إلى سوق السندات. تقبل هذه الشركات عادة دفع معدلات فائدة أعلى مقابل مرونة أكبر في شروط السداد.
وفي العقد الماضي، اجتذبت هذه السوق عائدات مرتفعة جذبت مستثمرين مؤسسيين، مثل صناديق التقاعد وشركات التأمين ومجموعات الاستثمار. واستفاد هؤلاء من الفرص التي أهملتها البنوك التقليدية نتيجة تشديد القوانين المالية لحماية ميزانياتها من الأصول عالية المخاطر.
ووفقاً لتقديرات «جي بي مورغان»، حقق الدين الخاص عائدات سنوية بلغت 8.8% بين عامي 2014 و2023، على الرغم من أن تفاصيل العديد من الصفقات تبقى سرية.
خلال مؤتمر في أمستردام، أشار جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، إلى النمو السريع لهذه الأدوات في العقد الماضي، مشيراً إلى مخاوف بشأن استقرار الأسواق المالية.
وتساءل: «هل هي فقاعة أم لا؟». رغم ذلك، أكد باول أن هذه السوق، بسبب طبيعتها طويلة الأجل، تفتقر إلى مخاطر الذعر المصرفي الذي قد تواجهه البنوك في أوقات الأزمات.
من جهة أخرى، حذر صندوق النقد الدولي في تقرير الاستقرار المالي لعام 2024 من أن النمو الكبير في هذه السوق، تحت إشراف تنظيمي محدود، قد يجعل هشاشته نظامية. ولم يسبق لهذا القطاع أن واجه ركوداً اقتصادياً حاداً، ما يثير مخاوف من خسائر محتملة وتأثيرات عدوى قد تطال صناديق التقاعد وشركات التأمين.
شهدت الديون الخاصة توسعاً غير مسبوق في السنوات الأخيرة. لم تعد القروض مقتصرة على صفقات صغيرة، بل أصبحت تشمل شركات متعددة الجنسيات بصفقات تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات.
يمثل هذا النوع من التمويل الآن نحو 7% من ديون الشركات غير المالية في الولايات المتحدة، وفقاً لصندوق النقد الدولي، ما يجعله مكافئاً لأسواق السندات مرتفعة العائد والقروض المشتركة.
يتوقع أن تثير الابتكارات الجديدة في القطاع تحديات إضافية، مثل إنشاء منتجات استثمارية أكثر سيولة لجذب المستثمرين الأفراد، ما قد يزيد من التقلبات. كما أن الاعتماد الكبير على الرافعة المالية قد ينشر المخاطر بطرق غير شفافة. بالإضافة إلى ذلك، فإن شراكة البنوك التقليدية مع صناديق الاستثمار قد تؤدي إلى تعريضها لمخاطر جديدة.
رغم كل هذه التحديات، قد لا تكون الديون الخاصة السبب الرئيسي للأزمة المالية القادمة. بل يمكن أن تؤدي دوراً في تخفيف بعض الصدمات، كما أظهرت أزمة البنوك الإقليمية الأميركية.
ومع ذلك، فإن الطبيعة الغامضة للمخاطر تجعلها سلاحاً ذا حدين يحمل فرصاً كبيرة، ولكنه قد يؤدي إلى أزمات غير متوقعة.