أحد الأمثلة على ذلك شركة (American Lidar)، المسجلة حديثاً في ميشيغان، والتي تتمتع بموقع استراتيجي قريب من شركات صناعة السيارات الكبرى في الولايات المتحدة. وفي حين أنه لم يتم الكشف عن الشركة التي تقف وراء تسجيلها، إلا أن (American Lidar) تعود إلى مجموعة "هيساي غروب" (Hesai Group)، وهي شركة مصنعة لتقنية استشعار الضوء بالليزر ومقرها الصين، والتي تعتبرها الولايات المتحدة بمثابة خطر أمني.
يؤكد صناع السياسات وخبراء الأمن القومي هذا التحول، مشيرين إلى انتشار الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، والتي أنشأتها الشركات الصينية مع قيام إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بتوسيع قوائم الكيانات الحكومية، التي تقيد التعاملات التجارية للشركات الصينية في الولايات المتحدة، في خطوة تحد من عمليات الشركات الصينية في السوق الأميركية.
وفي الوقت نفسه، أتاحت هذه القوائم السوداء فرصاً لرواد الأعمال الأميركيين، الذين يسعون إلى التعاون مع العلامات التجارية الصينية الشهيرة، التي يفضلها المستهلك الأميركي.
يقول ديريك سيسورس، المفوض السابق في لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة والصين، إن: "الشركات الصينية تلقت ضربة قوية ولكنها بعد ذلك عدلت استراتيجية العمل وأصبحت قادرة على التحرك الاستمرار".
وأمضت منصة التواصل الاجتماعي "تيك توك" سنوات وهي تحاول أن تنأى بنفسها عن شركتها الأم "بايت دانس" ومقرها الصين، من خلال إنشاء مقر رئيسي في الولايات المتحدة واستكشاف طرق لتغيير العلامة التجارية في السوق الأميركية. وعلى الرغم من هذه الخطوات، تواجه المنصة حظراً محتملاً بموجب قانون جديد. ورفعت "تيك توك" دعوى قضائية ضد الحكومة الأميركية، متهمة إياها بانتهاك حقوق الدستور الأولى.
ووفقاً لما يقوله محامون، فإن جهود الشركات الصينية لتحويل مواقع الإنتاج، وإعادة تسويق العلامات التجارية باسم أميركي، أو إنشاء شركات فرعية بأسماء جديدة، تعتبر قانونية. ومع ذلك، فإن مثل هذه التحركات تثير غضب الجهات التنظيمية التي لا تستطيع إنفاذ القوانين، عندما لا يكون من الواضح من يقف وراء الشركة.
يقول أحد مساعدي مجلس النواب الذي يجري أبحاثاً عن الشركات الصينية في الولايات المتحدة: "بينما تلجأ الحكومة الأميركية إلى القوائم السوداء كوسيلة لتحديد الشركات الصينية المثيرة للمشاكل وكوسيلة لفرض القيود، فمن المتوقع أن يزداد التوجه نحو التخفي."
وتكثر الأمثلة، وأحدثها إحدى الشركات التابعة لمجموعة "بي جي آي" (BGI) الصينية في مجال التكنولوجيا الحيوية ومقرها ماساتشوستس التي أخفت هوياتها الأصلية، وقامت بإعادة تسمية علامتها التجارية مؤخراً.
كما أبرمت (SZ DJI Technology)، أكبر شركة لتصنيع الطائرات المسيرة في العالم، صفقة مع شركة أميركية ناشئة لبيع الطائرات المسيرة في الولايات المتحدة لاختراق السوق الأميركية، حيث تتوقع حظراً محتملاً لمنتجاتها. وقبل سنوات، أنشأت شركة الاتصالات الصينية "هواوي تكنولوجيز" شركة أميركية تابعة لها باسم (Futurewei) "فيوتشر وي"، وذلك قبل فرض العقوبات الأميركية عليها.
ووجدت "هيساي" المصنعة لتقنية استشعار الضوء بالليزر، نفسها متورطة في الحرب التجارية التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين بعد مزاعم بأن أجهزة استشعار الليزر الخاصة بها، وهي مكونات أساسية لكل من صناعة السيارات الأميركية وآليات الجيش، يمكن استغلالها لجمع بيانات أميركية حساسة. وتلعب تقنية استشعار الضوء بالليزر دوراً محورياً في تمكين المركبات من إدراك البيئة المحيطة بها، وتسهيل ميزات مثل الحفاظ على المسار والفرملة التلقائية.
وبعد شهر واحد من إنشاء شركة (American Lidar) كمنشأة تصنيعية لها في قلب الولايات المتحدة، تم إدراج مجموعة "هيساي" على قائمة وزارة الدفاع على قائمتها السوداء، التي تصنف الشركات على أنها كيانات عسكرية صينية تعمل داخل حدود الولايات المتحدة. وقد أدت هذه الخطوة إلى انخفاض حاد بنسبة 30% في قيمة أسهمها خلال يوم واحد من نشر القائمة، وهو انخفاض لم تتعاف منه بالكامل بعد. ومن الجدير بالذكر أن ما يقرب من خمس إيرادات "هيساي" يأتي من الولايات المتحدة.
يمنع تصنيف البنتاغون الجيش الأميركي فعلياً من شراء منتجات "هيساي"، على الرغم من أن شركات تصنيع السيارات والكيانات الخاصة الأخرى ليست ملزمة بهذه القيود. وتؤكد "هيساي"، من جانبها، أن أنظمة استشعار الضوء بالليزر الخاصة بها لا تشكل تهديداً أمنياً، مؤكدة أنها تفتقر إلى القدرة على تخزين الصور أو نقلها لاسلكياً.
وأوضح متحدث باسم "هيساي" أن تسمية (American Lidar) كانت مؤقتة، ما يؤكد التزام الشركة بتصنيع وبيع المنتجات داخل الولايات المتحدة. ومع ذلك، في ضوء تداعيات تصنيفها على أنها كيان عسكري صيني، قامت "هيساي" منذ ذلك الحين بتعليق خططها الخاصة بمنشأة (American Lidar).
وفي إجراء استباقي، بدأت "هيساي" إجراءات قانونية ضد وزارة الدفاع هذا الشهر، مؤكدة موقفها بضرورة حذفها من القائمة على أساس عدم ارتباطها بأي كيان عسكري واستقلالها عن سيطرة الحكومة الصينية.
وبالمثل، وجدت شركة "بي جي آي جينوميكس"، التابعة لمجموعة "بي جي آي" الصينية، نفسها مدرجة في قائمة البنتاغون السوداء للشركات العسكرية الصينية في عام 2022. وسبق أن خضعت إحدى الشركات التابعة لها، والموجودة في ماساتشوستس، لتغيير في الاسم من (BGI Americas) إلى (Innomics) منذ عام تقريباً.
وفي بيان رسمي صدر في أبريل، وصفت لجنة مختارة من الكونغرس تغيير الاسم بأنه محاولة للتحايل على التدقيق التنظيمي، وحثت البنتاغون على إدراج (Innomics) في قائمة الكيانات العسكرية الصينية. ونفت كل من مجموعة (BGI) و(Innomics) بشدة أي تورط لها مع الجيش الصيني، أكدت الأولى إنها لا تعمل لصالح الجيش الصيني وأن الشركات التابعة لها في الولايات المتحدة لا يمكنها الوصول إلى البيانات الشخصية للأمريكيين، بينما سلطت الأخيرة الضوء على عدم انتمائها إلى قائمة البنتاغون، لأنها لا علاقة لها بالجيش الصيني ولا توجد لها عمليات في الصين.
ويحذر خبراء الأمن القومي والمحللون القانونيون من الاستهداف الفردي للشركات الصينية، مشيرين إلى أن مثل هذه التدابير قد تحفز عن غير قصد جهود إعادة صياغة العلامة التجارية ومحاولات التخفي.
وقال سيسورس، المفوض السابق والزميل البارز في معهد المشاريع الأميركية، وهو من المدافعين عن السياسات الحازمة في التعامل مع الصين: "لا ينبغي فرض عقوبات على الشركات الفردية؛ بل يجب أن تفرض عقوبات على قطاعات التكنولوجيا".
في خطوة يمكن أن تعيد تشكيل مشهد صناعة الطائرات المسيرة، قدم الكونغرس مقترحاً جديداً يستهدف الشركة الصينية المصنعة للطائرات المسيرة "دي جي آي"، ومن شأن هذا التشريع، إذا تم سنه، أن يفرض حظراً شاملاً على استخدام طائرات "دي جي آي" المسيرة من قبل المستهلكين والحكومات على حدٍ سواء. ويأتي الحظر المقترح وسط مخاوف متزايدة عبر عنها المسؤولون الأميركيون بشأن احتمال نقل البيانات من طائرات "دي جي آي" المسيرة إلى بكين، إلى جانب مزاعم بأن هذه الطائرات متواطئة في انتهاكات حقوق الإنسان في الصين. وقد دحضت شركة "دي جي آي" هذه الاتهامات بشدة.
بالنسبة لراندال وارناس، وهو رجل أعمال متمرس في قطاع الطائرات المسيرة، فإن التشريع المقترح لا يمثل تحدياً فحسب، بل فرصة أيضاً. في العام الماضي استفادت شركته من الوضع من خلال إبرام صفقة مع شركة "دي جي آي" لترخيص تقنيتها لطرازين على الأقل من الطائرات المسيرة، ومن خلال شركته الناشئة (Anzu Robotics)، سعى وارناس إلى جلب هذه الطائرات إلى السوق الأميركية.
بصفته مواطناً أميركياً ومقيماً في ولاية يوتا، يتمتع وارناس بجذور عميقة في الصناعة، حيث عمل سابقاً لدى كل من "دي جي آي" و"أوتيل روبوتيكس"، وهي شركة صينية بارزة أخرى لتصنيع الطائرات المسيرة. وقد حصل على المخططات اللازمة من شركة "دي جي آي" مقابل رسوم الترخيص وقام بالاستعانة بمصادر خارجية لعملية التصنيع في منشأة في ماليزيا.
وتستفيد طائرات (Anzu Robotics) المسيرة من برنامج "دي جي آي"، بينما يؤكد وارناس أن شركته الناشئة تجيب على المخاوف بشأن تبادل البيانات مع بكين عن طريق تخزين البيانات التي تجمعها حصرياً داخل الولايات المتحدة. وقال: "النية برمتها كانت الامتثال لطلب الولايات المتحدة بعدم تشغيل طائرات صينية مسيرة في الولايات المتحدة".
ومع ذلك، لا تزال هناك شكوك بين بعض صناع القرار في واشنطن، الذين يشعرون بالقلق من أن شركة "دي جي آي" ربما تستغل مثل هذا التعاون للالتفاف على العقوبات. ووصفت النائبة إليز ستيفانيك (جمهورية من نيويورك)، وهي من المؤيدين الرئيسيين لمشروع قانون حظر طائرات "دي جي آي" المسيرة، هذه الخطوة بأنها "محاولة يائسة" وتعهدت باتخاذ إجراءات إنفاذ قوية. وقالت: "ستتم محاسبة شركة [دي جي آي] وجميع شركاتها الوهمية".
ورداً على ذلك، تؤكد "دي جي آي" أن اتفاقيات التعاون والترخيص هي ممارسات روتينية، تهدف إلى تعزيز الابتكار وتلبية طلب المستخدم على نطاق واسع.