إذ تراجعت أحجام تجارة روسيا مع الشركاء الرئيسيين مثل تركيا والصين، في الربع الأول من هذا العام، بعد أن استهدفت الولايات المتحدة البنوك الدولية التي تساعد روسيا في الحصول على منتجات مهمة لدعم مجهودها الحربي، وفقاً لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
وقال مسؤولون غربيون وثلاثة من كبار الممولين الروس، لم تكشف الصحيفة البريطانية عن هويتهم، إن الأمر التنفيذي الأميركي، الذي تم تنفيذه في أواخر العام الماضي، دفع المقرضين إلى التخلي عن نظرائهم الروس وتجنب المعاملات في مجموعة من العملات.
وقالت آنا موريس، نائبة مساعد وزير الخارجية للشؤون العالمية في وزارة الخزانة الأميركية: "لقد أصبح من الصعب على روسيا الوصول إلى الخدمات المالية التي تحتاجها للحصول على هذه السلع".
وأضافت أنه "بالتأكيد الهدف هو جعل تدفق هذه الأموال أكثر صعوبة، وزيادة التكلفة على الروس"، مؤكدة أن الاضطراب نتيجة مهمة.
ووفق المسؤولين والممولين، فإن الالتفاف على القيود يتطلب الآن شبكة متنامية من الوسطاء لتجنب التدقيق التنظيمي حتى لو كانت المعاملات لا علاقة لها بآلة الحرب الروسية، مع زيادة تكاليف تحويل العملة والعمولات.
وقال أحد المستثمرين الروس رفيعي المستوى: "الأمر يزداد صعوبة كل شهر. وفي غضون ستة أشهر لن تكون قادرًا على فعل أي شيء"، مضيفاً أن "نقطة النهاية المنطقية لهذا هي تحويل روسيا إلى إيران"، في إشارة إلى العقوبات المالية الصارمة المفروضة على طهران، وفقا لفايننشال تايمز.
ويهدف الأمر التنفيذي الأميركي إلى استهداف البنوك في الدول التي سجلت ارتفاعات حادة في التجارة مع روسيا بعد أن فرض الغرب عقوبات في أعقاب حرب أوكرانيا قبل أكثر من عامين.
على سبيل المثال، كانت صادرات تركيا من السلع "ذات الأولوية القصوى" ــ وهي مواد مخصصة للاستخدام المدني في الأساس ولكنها تعتبر بالغة الأهمية للمجهود الحربي، مثل الرقائق الدقيقة ــ قد ارتفعت إلى روسيا وخمس دول سوفياتية سابقة بعد الحرب.
وكشفت بيانات شركة "تريد داتا مونيتور"، وهي شركة مراقبة بيانات التجارة، عن أن حجم التجارة بين تركيا وروسيا وصل إلى 586 مليون دولار في عام 2023، أي بزيادة خمسة أضعاف عن أحجام ما قبل الحرب.
لكن انخفضت قيمة صادرات تركيا المعلنة من السلع ذات الأولوية العالية إلى روسيا والدول المجاورة لها بنسبة 40% إلى 93 مليون دولار في الربع الأول، من عام 2024، مقارنة بالربع السابق، مما يظهر تأثير الأمر التنفيذي.
وقال مسؤولون وخبراء أميركيون إن الانخفاض الحاد في الصادرات المرتبطة بالحرب يعزى إلى خوف البنوك من تداعيات الولايات المتحدة، التي يمكن أن تتعقب أي معاملة بالدولار وتشل المقرضين من خلال استبعادهم من النظام المالي القائم على الدولار.
ويمكن لوزارة الخزانة فرض عقوبات ثانوية على المقرضين إذا اشتبهت في أنهم يتعاملون مع شركات محظورة بسبب صلاتها بالمجمع الصناعي العسكري الروسي.
وقالت إيلينا ريباكوفا، وهي باحثة غير مقيمة في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إن "الولايات المتحدة تتمتع بالفعل بنفوذ على القطاع المالي، حيث يمكنها معرفة ما إذا كنت ترتكب خطأً ما، حتى لو كان أصغر بنك، إذا كنت مرتبطًا بالدولار بطريقة أو بأخرى. لذلك هذا يخيف الناس".
ووفقا للصحيفة البريطانية، كان للقيود المفروضة على المدفوعات تأثير كبير يتجاوز بكثير تجارة الظل في مكونات تمويل الحرب الروسية، حيث قامت البنوك بقطع فئات كاملة من المعاملات مع موسكو بدلاً من الوقوع تحت طائلة العقوبات الأميركية.
وتحول التجار الروس إلى البنوك الأصغر والعملات البديلة مع ابتعاد البنوك الكبرى في دول مثل تركيا والصين.
وقالت جين شفيتس، خبيرة العقوبات في شركة المحاماة الأميركية Debevoise & Plimpton، إن التجار الذين يبيعون البضائع إلى روسيا، بما في ذلك السلع المحظورة، أقل عرضة للردع من البنوك.
وأضافت: "لقد أدى انسحاب المؤسسات المالية الأكبر حجماً إلى تعطيل التجارة، ولكن السؤال هو ما إذا كانت ستنتعش مرة أخرى مع انتشار هذه البدائل الأكثر غموضاً لنقل الأموال".
وفي غضون ذلك، يقوم المستوردون والمصدرون الروس أيضًا بتسوية المزيد من الصفقات بالروبل بسبب صعوبات مبادلة العملة بالدولار واليورو، وفقًا للممولين المعنيين.
وقال مصرفي روسي كبير ومسؤول تنفيذي سابق في قطاع النفط الروسي، لم تسمه الصحيفة البريطانية، إن التجار الذين يشترون النفط الروسي في الهند يجرون الآن معاملاتهم بالروبل.
وأضاف المصرفي الروسي: "هذه ثغرة في العقوبات"، مضيفاً أنه يُسمح للأجانب بشراء الروبل في بورصة موسكو لاستخدامه في تسويات الدفع مع الأطراف المقابلة الروسية.
وأشار إلى أنه "تتم معالجة هذه المدفوعات بسهولة لأن (البنوك الأجنبية) يمكنها فتح حسابات مراسلة بالروبل في الفروع الروسية للبنوك الأجنبية".
ويعتقد المصرفي رفيع المستوى أن الروبل سيصبح "العملة الرئيسية في روسيا، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة للتأكد من أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية لا يراها".