لماذا يتظاهر الفرنسيون ضد نظام التقاعد؟

متظاهون فرنسيون
متظاهون فرنسيون

يعتبر الفرنسيون الذي يعارضون إصلاح نظام التقاعد في فرنسا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتبنى موقفا شبيها بموقف "مالك شركة" وهو موقف لا يتفق مع توقعات الشعب الفرنسي الذي لا يزال يتظاهر ضد الحكومة.

ففي 28 مارس الماضي تظاهرا ما بين 740 ألفاً ومليوني شخص بمناسبة اليوم العاشر من التمرد على إصلاح نظام التقاعد.

وعلى الرغم من تراجع هذه الأرقام مقارنة بتعبئة المظاهرة السابقة، ما زال الاتحاد النقابي يؤكد أنه لا يزال مصمما بعد شهرين من التعبئة المثالية على موقفه، ودعا للقيام بالتحرك مجددا غدا الخميس.

وهناك من يعتقد بأن التعديلات التقنية لمعايير نظام المعاشات التقاعدية ليست هي المشكلة الأساسية.

فهناك جزء كبير من الشعب الفرنسي، سواء كانوا من المتظاهرين أم لا، لا يفهمون النظام التقاعدي الجديد بتفاصيله ولا التعديلات الدائمة الضرورية لتوازنه ماليا. وهناك أسباب أخرى تدعو لهذه التظاهرات ومنها أولا أن المواطن الفرنسي يرى أن العمل سنتان إضافيتان خبر سيئ ، باستثناء آخرين يرغبون في مواصلة العمل بعد السن التقاعدي القانوني.

شكوك حول المستقبل

واعتبر الخبير الديموغرافي هيرفي لوبراس في مقابلة أجريت معه مؤخرا مع صحيفة لوموند أن تعديل معايير نظام المعاشات أولا بأول ليكون متوازنا بعد عشرين عاما، مهمة مستحيلة علميا.

وأضاف "هناك الكثير من الشكوك حول المستقبل". ويعتبر البعض أن ماكرون يتصرف كرئيس دولة يريد مصلحتها، كما يرى آخرون أنه يتصرف كرئيس شركة وليس كرئيس لجميع الفرنسيين.

وفي الواقع، لا يمكن التغاضي عن أن الدولة الفرنسية مثقلة بالديون (وهي أكثر من 110 % من الناتج المحلي الإجمالي)، وأن الميزانية تعاني من عجز دائم، وأن ميزان المدفوعات سلبي باستمرار بسبب نقص الصادرات الكافية.

فبصفته رئيس الدولة، قد يرغب ماكرون في أن يعمل الفرنسيون لفترة أطول، ويؤكد أنه يفرض هذا التمديد لساعات العمل القانونية للصالح العام، ولضمان استمرارية الدولة السخية.

ولا يمكن لرئيس نظام الجمهورية الخامسة أن يكون رئيس شركة، فمن المفترض أن يحمي الفرنسيين من تجاوزات الرأسمالية.

ويرى البعض أنه حتى من خلال تقديم نفسه كرئيس اجتماعي، فإنه يدخل حتما في معارضة مباشرة مع المنظمات النقابية، حيث يتكون أعضاؤها أساسا من موظفي الخدمات والمؤسسات العامة.

رفض مسبق

وتتمثل الأخلاق الفرنسية التقليدية والمرتبطة بلا شك بالتقاليد، برفضها مسبقا كل حجة مبنية على الاقتصاد أو المال.

وحتى اليوم، هناك الكثير من الفرنسيين مقتنعون بأن الرؤى الاقتصادية للعالم هي مصدر كل الشرور.

فوفقا لغالبية الشعب الفرنسي، يجب على الرئيس أن يكون من أجل الشعب، غير مبال بمسائل المال وأن يتجنب التفكير والمنطق الاقتصادي. لكن هذا غير كاف. فعليه أيضا أن يكون شخصا ثائرا يحتج ويتظاهر ضد الأقوياء وأن يرى أن دعم المؤسسات وقادتها هو بالأحرى علامة على الخضوع والضعف.

وفي الوقت الحالي، لم يعد سن التقاعد القانوني هو السؤال الرئيسي حاليا، ولكن ما هو على المحك، قدرة الرئيس على ضمان رفاهية شعبه ووعدهم بأن الأمر سيكون كذلك على الدوام. ويتم التعبير عن هذا المفهوم التقليدي للأخلاق من خلال المظاهرات والبهجة الشعبية والفوضى.

حل للتوفيق

وقد يكون هناك حل للتوفيق بين المنطق الاقتصادي والأخلاق الاجتماعية الفرنسية التقليدية: بدل من تحديد سن قانوني للتقاعد، على العكس من ذلك يجب إلغاء السن القانونية رسميا. ويرى البعض أن هذا الافتراض يمكن تطبيقه.

وهذا ما اقترحه، على سبيل المثال، الاقتصادي الأميركي بيتر أدايموند عام 2006 في مقال تم نشره في مجلة فرنسية اقتصادية حيث قال: هناك عمال يرغبون في مواصلة نشاطهم إلى ما أبعد من السن القانوني للتقاعد فيما غيرهم لا يحبون ذلك وهم ينتظرون بفارغ الصبر الوقت الذي يمكن أن يحصلوا على تقاعد مريح.

وهكذا يرى هذا الأكاديمي الأميركي، أن نظام التقاعد الجيد يجب ألا يشجع المجموعة الأولى على مغادرة سوق العمل في نفس عمر المجموعة الثانية.

ويشارك العديد من الاقتصاديين هذا الرأي، إن لم يكن جميعهم، ولكن يبق على صناديق المعاشات التقاعدية أن تقدم معلومات دقيقة وموثوقة كل عام عن مبلغ المعاش التقاعدي الذي يمكن للجميع المطالبة به، في حال غادروا في السن ال60 عاما أو ال 65 عاما أو حتى ال 70 عاما.

الأكثر قراءة

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com