تحليل إخباري
تحليل إخباريالتجارة مع الصين - shutterstock

الصين وأوروبا.. الانفصال الاقتصادي المستحيل

بلغ العجز التجاري للاتحاد الآوروبي مع الصين 400 مليار يورو عام 2022، وهو رقم مذهل ظل الأوروبيون قلقين منه عدة أشهر، ويظهر استحالة الانفصال الاقتصادي بين العملاقين الاقتصاديين. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في 16 نوفمبر، خلال خطاب ألقته في برلين: "إن هذا الرقم هو الأعلى في التاريخ".

وأوضح سيباستيان جان، المتخصص في هذا الموضوع، في المعهد الفرنسي للفنون والحرف: " في عام 2019، كان العجز 180 مليار يورو فقط وارتفاعه السريع مثير للقلق".

والجدير بالذكر أن هذا العجز يسلط الضوء على مفارقة، ففي الوقت الذي يسعى فيه الأوروبيون إلى تقليل اعتمادهم على الصين، يظهر أن ارتباطهم في ذروته وفقاً لصحيفة "لي زيكو" الفرنسية.

وكان هذا الموضوع أحد المواضيع المطروحة على قائمة القمة الأوروبية الصينية، التي عقدت يومي 7 و8 ديسمبر الجاري في بكين، وذلك على خلفية التوترات المتزايدة بين الطرفين والشكوك الجيوسياسية.

وفي الأشهر الأخيرة، قام زعماء القارة القديمة بزيارات عديدة إلى بكين، وأدلوا بتصريحات قوية. وقال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، في 13 أكتوبر الماضي: "لقد تم تقويض الثقة المتبادلة".

وأكد مفوض السوق الداخلية، تييري بريتون في 10 نوفمبر الفائت، أنه يجب على الاتحاد الأوروبي والصين ألا يخشيا المناقشات الصعبة.

ويلخص لوران مالفيزين، المؤسس المشارك لمجموعة سينوبول، وهي مجموعة دراسة حول الاقتصاد الصيني: "من الآن فصاعدا، من الواضح أن أوروبا أصبحت أكثر عدوانية".

وفي 13 سبتمبر، أطلقت المفوضية تحقيقاً في الدعم الذي تقدمه الصين لسياراتها الكهربائية.

الموّرد الرئيسي للسلع

وبالنسبة للعجز البالغ 400 مليار يورو، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في 16 نوفمبر: "إنه نتيجة مقصودة للسياسة الصينية"، في إشارة إلى الإعانات الضخمة، التي تقدمها الصين لقطاعات صناعية معينة، وإلى القدرة الصناعية الفائضة في الصين.

ويوضح فرانسوا تشيميتس، الباحث في معهد ميركاتور للدراسات الصينية: "على الرغم من الخطابات حول إعادة التوازن بشأن الاستهلاك، إلا أن النموذج الاقتصادي الصيني، لا يزال يركز إلى حد كبير على الإنتاج المدعوم ". والنتيجة: تصدر الصين اختلالاتها ــ وبالتالي منتجاتها المدعومة منخفضة التكلفة ــ إلى بقية العالم. وهذا على حساب صناعات شركائها.

وبالفعل في أوائل عام 2010، تعرضت صناعة الألواح الشمسية الأوروبية للكساد، بسبب استيراد الألواح الصينية الرخيصة. ويضيف إلفير فابري، من معهد جاك ديلور: "اليوم، تعتمد أوروبا أيضاً على الصين للحصول على المعادن النادرة، والمعادن الضرورية للتحول الأخضر". وتظل بكين، إلى حد بعيد، المورد الرئيسي للسلع لدينا". ومع ذلك فإن هذا الاعتماد يختلف باختلاف الدولة.

وتقول أجاثا ديمارايس، من المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية، وهو مركز أبحاث مستقل: "إنها أولاً وقبل كل شيء قصة ألمانية". والواقع أن صادرات ألمانيا إلى الصين تمثل ما يعادل 3% من ناتجها المحلي الإجمالي ـ أي ضعف صادرات فرنسا ـ و20% من عائدات عمالقة الصناعة هناك، وخاصة السيارات.

وفي 30 نوفمبر، أعلنت شركتا تصنيع السيارات الألمانيتان مرسيدس بنز و بي إم دبليو، عن إنشاء مشروع مشترك لبناء شبكة شحن كهربائية مشتركة في البلاد، وهو السوق الأول لهما، على أمل الحفاظ على سيطرة هذا السوق.

وأشار سيباستيان جان إلى أن العلاقات التجارية قوية أيضاً  بين الصين وأوروبا الوسطى، ولكنها أقل بكثير مما هي عليه مع جنوب أوروبا.

الدفاع عن التجارة

وإدراكاً منها لهذه التبعيات، تفضل المفوضية الأوروبية اليوم مبدأ إزالة المخاطر، أو تخفيف المخاطر، وليس الانفصال التكنولوجي الذي بدأته الولايات المتحدة مع منافستها الكبرى. وفي يونيو، قدمت المفوضية استراتيجية الأمن الاقتصادي، التي تهدف إلى زيادة السيطرة على الاستثمار الأجنبي وصادرات التكنولوجيات الحيوية.

وهذا يكفي بالنسبة لأوروبا، لتعزيز مجموعة أدوات الدفاع التجاري، التي تم وضعها منذ عام 2019، عندما اعترف الاتحاد الأوروبي بالصين باعتبارها منافساً نظامياً.

ويقول فرانسوا شيميتس: حققت أوروبا نقلة نوعية حقيقية، فقد انفصلت عن الليبرالية التنظيمية الصارمة.

وفي هذا السياق، فإن الشركات الموجودة في الصين تشعر بالقلق، إزاء عدم القدرة على التنبؤ التي أظهرتها القوة الشيوعية منذ جائحة كوفيد - 19، كما يلخص جان فرانسوا دي ميجليو، رئيس مركز الأبحاث المستقل مركز آسيا.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com