خاص
خاص

الاقتصاد العالمي في 2024.. مستقبل غامض ومخاوف من الركود

يعاني الاقتصاد العالمي حالة من عدم اليقين، ما يجعل من الصعب التنبؤ بمستقبله في عام 2024، وقد أسهمت القرارات الأخيرة التي اتخذتها البنوك المركزية حول العالم، بتثبيت أسعار الفائدة، في زيادة هذا التعقيد.

وتهدف هذه القرارات إلى السيطرة على التضخم، لكنها قد تؤدي أيضًا إلى إبطاء النمو الاقتصادي، والنتيجة هي أن الاقتصاد العالمي يُواجه مستقبلًا ضبابياً، مع احتمالات متزايدة للركود.

ركود تضخمي
الخبير الاقتصادي المصري، الدكتور ماجد عبد العظيم، يقول إن "حالة الركود التضخمي التي تصيب دولًا عدة، سوف تترك آثارًا كبيرة على الأوضاع الاقتصادية في العالم، خاصة أن الأزمات التي يشهدها العالم في المرحلة الراهنة، تتسم بتراكميتها، نتيجة امتدادها منذ أعوام سابقة".

وتسببت أزمة كورونا في تعطيل سلاسل التوريد العالمية، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية ونقصها في بعض الأحيان، ثم جاءت أزمة أوكرانيا لتفاقم الأمور، بعد ارتفاع أسعار النفط والغاز والحبوب، الذي أدّى إلى زيادة الضغط على سلاسل التوريد العالمية.

أما التطورات في غزة، فقد أسهمت بصورة كبيرة في مزيد من التراجع، إذ أدّت الحرب إلى تعطيل حركة السفن في البحر الأحمر، وارتفاع أسعار الشحن.

وفي تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، يرى "عبد العظيم" أن "ارتفاع معدلات التضخم، الذي وصل إلى مستويات قياسية في العالم، قد يدفع البنوك المركزية إلى اتخاذ قرارات جديدة لرفع أسعار الفائدة، وهو إجراء طبيعي لاحتواء الزيادة المتوقعة في الأسعار".

ولكن هذا الإجراء قد يتزامن مع حالة من الركود في الأسواق، حيث يؤدي رفع أسعار الفائدة إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض، وانخفاض الطلب على السلع والخدمات، وبالتالي انخفاض معدلات النمو الاقتصادي.

ويتوقع أن يكون قطاع الطاقة الأكثر تضررًا من الأوضاع الراهنة في عام 2024، خاصة مع زيادة الطلب على الغاز في بداية العام الجديد من الدول ذات الطقس البارد، وفق "عبد العظيم".

وأوضح أنه "رغم توجه العديد من الدول نحو استخدام الطاقة المتجددة، نتيجة ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، فإن هذا القطاع سيظل الأكثر تضررًا".

ارتفاع معدلات التضخم قد يدفع البنوك المركزية إلى اتخاذ قرارات جديدة لرفع أسعار الفائدة
ماجد عبدالعظيم - خبير اقتصادي
قلق دولي

من الصعب التنبؤ بالتوجهات التي ستتخذها البنوك المركزية في العام المقبل، حيث يعتمد ذلك على العديد من العوامل، بما في ذلك تطورات الأزمات الجيوسياسية في العالم، وفق تقدير الباحث الاقتصادي المصري، الدكتور كريم العمدة.

وأوضح، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، أن "التفاؤل يسود في العالم بعد قرار الفيدرالي الأميركي الأخير بتثبيت سعر الفائدة، إلا أن هذا التفاؤل قد ينقلب إلى حالة من القلق، إذا استمرت الأزمات الجيوسياسية في التصاعد".

وخلص إلى أن "البنوك المركزية ستكون أمام تحدٍ كبير في العام المقبل، لمحاولة التوازن بين مكافحة التضخم ودعم النمو الاقتصادي، في ظل استمرار الأزمة الجيوسياسية".

وقد أدّت سياسات التشدد النقدي بالولايات المتحدة دورًا رئيسًا في السنوات الماضية في زيادة معدلات التضخم، حيث أدّى ارتفاع أسعار الفائدة إلى انخفاض قيمة الدولار أمام العملات الأخرى، وفق تقدير "العمدة".

ولفت إلى أن "استمرار الأزمة الأوكرانية يُمثّل تحديًا كبيرًا في الوقت الحالي، خاصة مع بداية العام الجديد، حيث ستؤدي حالة البرودة الشديدة في أوروبا إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط والغاز".

ويتوقع "العمدة" أن يُسهم هذا الارتفاع في موجة جديدة من التضخم العالمي، حيث سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات التي تعتمد على النفط والغاز في إنتاجها، وقد يدفع بقوة نحو توجه البنوك المركزية للعودة مجددًا إلى سياسة رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم.

التفاؤل العالمي بشأن تثبيت الفيدرالي لأسعار الفائدة قد ينقلب إلى حالة من القلق
الدكتور كريم العمدة - باحث اقتصادي
رفع أسعار الفائدة حل غير فعّال

ومن ناحية أخرى يرى الباحث الاقتصادي، الدكتور هيثم فتحي، أن "سياسة رفع أسعار الفائدة ليست فعّالة في احتواء التضخم العالمي في الوقت الحالي".

ويوضح أن "الهدف من رفع أسعار الفائدة هو سحب السيولة النقدية من الأسواق، ما يؤدي إلى تراجع الطلب على السلع والخدمات، وبالتالي انخفاض الأسعار".

ولكن فتحي يرى أن "الأزمة الحالية ليست أزمة سيولة، وإنما هي أزمة ارتفاع أسعار السلع الأساسية، مثل النفط والغاز والغذاء".

ووفق تقديره، لن يكون رفع أسعار الفائدة فعالًا في مواجهة هذه الأزمة، لأنه لن يؤدي إلى تراجع الطلب على هذه السلع الأساسية، إنما سيؤدي فقط إلى زيادة تكلفة الاقتراض للشركات والأفراد.

وأضاف، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، أن "الأزمة الحالية هي نتيجة لأوضاع عالمية معقدة ومتراكمة، بسبب الأزمات المتواترة التي ضربت العديد من القطاعات الحيوية".

وتابع: "تعكس هذه الأزمة الحاجة إلى احتواء تلك الأزمات وإعادة الحياة إلى طبيعتها، بعد سنوات استثنائية أثرت في سلاسل الإمداد والممرات الملاحية، وتفاقم الحروب في العديد من المناطق، ما ضرب قطاعات بعينها، على رأسها الاستثمارات المباشرة".

ويوضح أن "الاستثمار يُعدُّ أحد أهم ركائز التنمية الاقتصادية، إلا أنه يُمثّل أزمة كبيرة خاصة مع الدول النامية، حيث يبقى انتقال رؤوس الأموال الساخنة إلى السوق الأميركية لتحقيق المكاسب، تحديًا كبيرا للأسواق الصغيرة الناشئة".

ويرجع ذلك إلى أن "الأسواق الصغيرة الناشئة لم تعد جاذبة للمستثمرين، بسبب ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض أسعار السلع والخدمات، ما يؤدي إلى انخفاض أرباح الشركات المستثمرة في هذه الأسواق".

سياسة رفع أسعار الفائدة ليست فعّالة في احتواء التضخم العالمي
الدكتور هيثم فتحي - باحث اقتصادي
مخاطر تهديدات الملاحة الدولية

قال أستاذ العلوم السياسية والخبير في قضايا أمن الممرات الملاحية والأمن الإقليمي الدكتور رأفت محمود، أن التجارة العالمية هي من المحددات الرئيسية لتوجهات السياسات الاقتصادية في العالم.

وأوضح، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، أن "تهديدات الملاحة الدولية الحالية أعادت مثلث الغذاء والطاقة والأمن إلى واجهة المخاطر العالمية، حيث يرتبط تأمين هذا المثلث ومواجهة حالة النمو الاقتصادي المتعثرة حاليًّا، ارتباطًا وثيقًا باستقرار سلاسل التوريد الدولية".

وأشار إلى أن "الممرات الملاحية، خاصة الاستراتيجية منها، تؤدي دورًا مهمًا في استقرار سلاسل التوريد الدولية، وأي اختلال في أمن هذه الممرات، قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات العالمية، كأزمات الغذاء والطاقة".

ويوضح أن "إغلاق أو تعطيل الممرات المائية، خاصة المضائق، ولو مؤقتًا، يؤدي إلى زيادة كبيرة في إجمالي تكاليف الطاقة وأسعارها العالمية، التي ستؤثر في أسعار المنتجات المختلفة، سواء كانت تكاليف النقل أو الإنتاج".

وحال تعثر الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وزيادة تكاليف الشحن، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة تكاليف الغذاء على مستوى العالم، وتأخر سلاسل التوريد في الوفاء بتوقيت توفير الغذاء والطاقة، وفق تقدير الدكتور رأفت محمود.

ويشير إلى أن "هذه الزيادة في التكاليف والتأخيرات قد ينتج عنها ارتفاع في أسعار الغذاء والطاقة، ما يدفع البنوك المركزية إلى اتخاذ إجراءات جديدة لضبط الأسواق وحماية المستهلكين".

أي خلل في الممرات الملاحية سيفاقم الأزمة العالمية
الدكتور رأفت محمود - أستاذ العلوم السياسية والخبير في قضايا أمن الممرات الملاحية والأمن الإقليمي

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com