حروب أوروبا تنعش الاقتصاد الأميركي

وول ستريت
وول ستريترويترز
عادةً ما يتذرع أنصار دعم أوكرانيا، بالمصالح الإستراتيجية الأميركية أو الالتزامات الأخلاقية، ولكن في الآونة الأخيرة، أصبحوا يقدمون حجة أكثر دقة: الحرب مفيدة للاقتصاد.

وخلال العامين الماضيين، ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا بالتحديد، شهدت صناعة الدفاع الأميركية طفرة في طلبات الأسلحة والذخائر، وكانت أغلبها من الحلفاء الأوروبيين، الذين يحاولون تعزيز قدراتهم العسكرية، وكذلك من البنتاغون، الذي يشتري معدات جديدة لتجديد المخزون العسكري، الذي استنزفته عمليات التسليم إلى أوكرانيا.

وشهد الإنتاج الصناعي في قطاع الدفاع والفضاء الأميركي، ارتفاعاً بنسبة 17.5% منذ أن شنت روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا قبل عامين، وفقاً لبيانات الاحتياطي الفيدرالي.

ويقول مسؤولو إدارة بايدن، إنه من أصل 60.7 مليار دولار مخصصة لأوكرانيا، من أصل حزمة إضافية بقيمة 95 مليار دولار، فإن 64% منها سيعود فعلياً إلى القاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية.

وفي هذا الشأن تقول لايل برينارد، مديرة المجلس الاقتصادي الوطني بالبيت الأبيض، في مقابلة يوم الأربعاء: "هذه أحد الأمور التي يساء فهمها… مدى أهمية التمويل للتوظيف والإنتاج في جميع أنحاء البلاد".

وفي حين أن الحرب غالباً ما تكون لها نتائج اقتصادية، إلا أنها تحدث دون أن تقوم الولايات المتحدة فعليًا، بأي من أعمال القتال.

ويوضح مايلز والتون، محلل الصناعة العسكرية في شركة وولف للأبحاث قائلاً: "إن الإنفاق الأخير من قبل الحكومات الأوروبية، على المقاتلات النفاثة الأميركية وغيرها من المعدات العسكرية، يمثل استثماراً للأجيال، إن السنوات القليلة الماضية تعادل الأعوام العشرين السابقة."

وفي حين أقر مجلس الشيوخ حزمة المساعدات البالغة قيمتها 95 مليار دولار، والتي تشمل أيضاً أموالاً لإسرائيل وتايوان، في 13 فبراير/شباط، فإن مصيرها غير مؤكد في مجلس النواب، حيث يعارضها الحلفاء الجمهوريون للرئيس السابق دونالد ترامب، المرشح الأوفر حظاً في انتخابات الرئاسة الأميركية.

ومن بين اعتراضاتهم أن الولايات المتحدة، لا تستطيع تحمل تكاليف دعم كييف مع تزايد العجز الفيدرالي، وأن روسيا سوف تكون لها الغلبة على أي حال، وتحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين حدودها بشكل أفضل، قبل تقديم المزيد من المساعدات في الخارج.

ومن الممكن أن يضخ التمويل الأخير، إضافة إلى الالتزامات السابقة، أموالا تبلغ قيمتها نحو 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي، لعام واحد في قاعدة الدفاع الصناعي الأميركية، على مدى عدة سنوات. 

ومؤخراً ذكرت وزارة الخارجية أن الولايات المتحدة أبرمت أكثر من 80 مليار دولار من صفقات الأسلحة الكبرى خلال العام حتى سبتمبر، ذهب منها حوالي 50 مليار دولار إلى الحلفاء الأوروبيين، أي أكثر من خمسة أضعاف المعيار التاريخي وفق والتون.

وقالت الوزارة إن بولندا، طلبت شراء طائرات هليكوبتر من طراز أباتشي، وأنظمة صواريخ مدفعية عالية الحركة، أو هيمارس ودبابات إم1إيه1 أبرامز، وغيرها من المعدات بقيمة نحو 30 مليار دولار. وأنفقت ألمانيا 8.5 مليار دولار على طائرات الهليكوبتر من طراز شينوك والمعدات ذات الصلة، في حين اشترت جمهورية التشيك طائرات وذخائر، من طراز إف-35 بقيمة 5.6 مليار دولار.

إن تعزيز صناعة الدفاع الأميركية، ما هو إلا إحدى الطرق التي يؤدي بها تجزئة الاقتصاد العالمي، على طول خطوط جيوسياسية، إلى تشديد العلاقات الأمريكية الأوروبية، وغالباً لصالح الولايات المتحدة.

وأدى قطع إمدادات الغاز الروسي، إلى ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم بشكل حاد في أوروبا، في حين عزز الطلب الأوروبي على الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة.

وأصبحت الولايات المتحدة أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم العام الماضي، ومن المتوقع أن تتضاعف صادراتها من الغاز الطبيعي المسال تقريباً بحلول عام 2030، في المشاريع التي تمت الموافقة عليها بالفعل، ويذهب حوالي ثلثي هذه الصادرات إلى أوروبا.

وقال أليكس مونتون، مدير أبحاث الغاز والغاز الطبيعي المسال العالمية في مجموعة رابيدان للطاقة، إنه يجري إنشاء خمسة مشاريع جديدة للغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة، باستثمارات تبلغ حوالي 100 مليار دولار. وقال إن معظم هذه المشاريع لم يبدأ البناء إلا بعد بدء الحرب الأوكرانية، حيث أثبت انقطاع إمدادات الغاز في أوروبا، قيمة الغاز الطبيعي المسال للداعمين المحتملين، وساعد في دفع المشاريع المخطط لها إلى الأمام، وأضاف : "إن الاقتصاد الأميركي يستفيد بشكل كبير من هذه الاستثمارات الضخمة".

وزاد الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الولايات المتحدة بنسبة 50% تقريباً، بين الأشهر الـ 12 حتى يونيو/حزيران 2021، والفترة نفسها من عام 2023، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومقرها باريس. ويجذب الشركات الأوروبية على وجه الخصوص، مصادر الطاقة الرخيصة والوفيرة.

وفي المقابل لا تعتبر المساعدات العسكرية في حد ذاتها علاجاً اقتصادياً، فبينما تضيف شركات الدفاع وظائف جديدة، فإن تلك المرتبطة بأوكرانيا تمثل حصة صغيرة نسبيا من العمالة والدخل الوطني. وقال مارك غولدوين، كبير مديري السياسات في لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة: "لا أعتقد أنه يمكن الجزم بأن الاقتصاد الأميركي أصبح أكبر نتيجة للحرب، لكن قطاعات معينة من الاقتصاد توسعت بالتأكيد".

إضافة لما سبق فإن المال أيضاً يستغرق وقتا للتدفق، حيث يتعين على الكونغرس أن يعطي الموافقة، لتمويل تجديد مخزون البنتاغون، وبعد ذلك يتعين على البنتاغون أن يوقع عقودًا لشراء معدات جديدة، وقد تستغرق المبيعات الأجنبية للأسلحة الرئيسية سنوات، وقد تتراجع في بعض الأحيان.

يقول ويليام هارتونغ، زميل بارز في معهد كوينسي للحكم المسؤول، إن الميزانية العسكرية السنوية لبولندا، تبلغ حوالي 16 مليار دولار، لذلك ليس من الواضح كيف يمكن للبلاد أن تدفع مقابل 30 مليار دولار من طلبات الأسلحة الجديدة في أي وقت قريب.

وأضاف: "نحن نعلم أن هناك عشرات المليارات من العقود المحتملة المطروحة على الطاولة للشركات الأميركية، بناءً على الآثار المباشرة وغير المباشرة للحرب في أوكرانيا، لكن من غير الواضح متى ستحصل الشركات على تلك الأموال".

وفي حين تدفع الحكومات الأوروبية ثمن طلباتها، فإن قسماً كبيراً من الإنفاق يتم تمويله من قبل دافعي الضرائب الأميركيين، أو عن طريق الاقتراض، مما يزيد من العجز الفيدرالي.

وقال جيسون فورمان، الخبير الاقتصادي في جامعة هارفارد: "إن الإنفاق العسكري كان يزاحم الإنفاق الآخر". وأشار إلى أن الإنفاق على حرب فيتنام في الستينيات، ساهم في ارتفاع درجة حرارة الاقتصاد الأميركي وارتفاع التضخم.

وترى إدارة بايدن رغم ذلك فوائد، لكن يشعر الخبراء العسكريون بالقلق، من أن عقوداً من تراجع التصنيع وتقليص حجم القوات العسكرية، قد تركت القاعدة الصناعية الدفاعية غير قادرة، على توفير الأسلحة والذخائر اللازمة لعالم أكثر خطورة، والعديد من طلبات أنظمة الأسلحة متراكمة لسنوات.

وقالت سينثيا كوك، خبيرة الصناعة الدفاعية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، إن حرب أوكرانيا كانت بمثابة تحذير لاستراتيجيي الدفاع الأميركيين: "ما أشارت إليه حرب روسيا بسرعة نسبية، هو القيود المفروضة على القاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية، خاصة فيما يتعلق بخدمة الإنتاج بسرعة، والخبر السار هو أن هذا الدرس قد تعلمناه عندما لا تكون الولايات المتحدة في حالة حرب مباشرة.

وتخطط شركة الدفاع البريطانية BAE Systems لتوفير 500 فرصة عمل جديدة من خلال توسيع المرافق في ولاية مينيسوتا، في حين ستقوم شركة General Dynamics بتوفير حوالي 120 وظيفة في مصنع جديد في تكساس، وفقًا لكوك.

ويقول مسؤولو إدارة بايدن إن التمويل المخصص لأوكرانيا يهدف إلى إعادة هيكلة القاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية، وإطلاق خطوط إنتاج الأسلحة والذخيرة وتوسيعها، ودعم الوظائف في 40 ولاية.

وتأمل الإدارة أيضاً في تحقيق فوائد سياسية، من خلال التأثير على أصحاب العمل في الولايات المتأرجحة انتخابياً، مثل بنسلفانيا وأريزونا، والتي ستحصل كل منها على أكثر من ملياري دولار، وفقًا لوزارة الدفاع.

الأكثر قراءة

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com