ولعل الأكثر تضرراً بسبب النقص هي العلاجات اليومية الرخيصة بدون براءات اختراع، وتلك التي تولد هوامش ضئيلة لمنتجيها، على الرغم من أنها غالباً ما تكون أدوية منقذة للحياة. فالأموكسيسيلين والسيفالوسبورين وغيرها من المضادات الحيوية المستخدمة على نطاق واسع، فضلاً عن الأدوية الأساسية مثل علاجات الحمى، والعلاجات المضادة للصرع، وأدوية تخفيف الألم والمهدئات تعاني من نقص في أوروبا والولايات المتحدة، والوضع يمكن أن يزداد سوءاً مع ارتفاع فواتير الطاقة، التي تجعل من إنتاج بعض الأدوية غير مربح.
عادة ما تنتج المكونات الصيدلانية قبل أشهر من تصنيع الدواء. وقد أدى هذا، إلى جانب عقود الطاقة طويلة الأجل، إلى حماية العديد من الشركات من ارتفاع التكاليف، وفقًا لمتحدثة باسم شركة تيفا للصناعات الدوائية المحدودة، التي نشرت مؤخرًا تقريرًا عن حالة الأدوية الأساسية في أوروبا.
تفتقر سلسلة التوريد للعديد من الأدوية الأساسية إلى المرونة، لأن الشركات المصنعة لا تعتبر هذه الأدوية في كثير من الأحيان أولوية قصوى، وفقًا لإيرين فوكس، كبيرة مديري الصيدلة في جامعة يوتا هيلث. وقالت فوكس إن الطبيعة المنخفضة التكلفة والهامش المنخفض للعديد من هذه الأدوية تعني أنه "لا يوجد حافز اقتصادي للشركات لديها خطة احتياطية للإنتاج".
وإذا استمرت الهوامش على المكونات الصيدلانية في الانكماش، فقد لا تتمكن الشركات من مواجهة نفقات مثل إصلاح الآلات، وقد يتبع ذلك إغلاق المصانع، وفقًا لجيلداس باريير، نائب رئيس المجموعة الأوروبية للكيماويات الدقيقة.
وقلص البعض بالفعل الإنتاج مع ارتفاع تكاليف الطاقة في أوروبا في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية.
وقالت شركة سنتريك الهولندية، وهي شركة منتجة للمواد الأولية، إن الزيادة بمقدار ثمانية أضعاف في تكاليف الطاقة في مصنعها في دلفت، أجبرتها على تقليل إنتاج مكون رئيسي يستخدم في صنع المضادات الحيوية السيفالوسبورين، وهذا له تداعيات على العملاء، بمن فيهم أولئك الموجودون في الولايات المتحدة.
تبلغ إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA حالياً عن نقص في أنواع مختلفة من السيفالوسبورين، مثل كبسولات الفم سيفكسيم وحقن سيفوتاكسيم الصوديوم، والتي تستخدم بانتظام لمنع الإنتان أثناء وبعد الجراحة. وأشارت الوكالة إلى التأخير بسبب مشاكل التصنيع.
وعلى الرغم من أن الشركة تهدف إلى زيادة الشحنات عبر المحيط الأطلسي وزيادة الأحجام، إلا أن 2023 ستظل متقلبة ومن غير المرجح أن يستقر الوضع في الأشهر الـ 12 المقبلة.
وصرحت شركة كوردن فارما، الشركة المصنعة للمكونات الصيدلانية ومقرها ألمانيا، بإنها تضررت بشدة لأن معظم إنتاجها موجود في أوروبا.
هذه الشركات قالت بدورها إن الزيادات في الأسعار قد تدفعها إلى مراجعة الأدوية التي تحتفظ بها في محفظتها. ما سيؤثر بشكل خاص على إنتاج منتجات أقدم وأقل ابتكاراً، وفقًا لما ذكره الرئيس التنفيذي للعمليات لي نيوتن.
وقال الرئيس التنفيذي باولو توبيرتيني إن تكاليف الطاقة - التي هي الأعلى في مصنعها الإيطالي - كانت في الآونة الأخيرة خمسة أضعاف المستوى الذي كانت عليه في عام 2019 قبل أن تتراجع، بعد أن ارتفعت بمقدار عشرة أضعاف منذ بداية الحرب في أوكرانيا. وتصنع الشركة المكونات المستخدمة في إنتاج علاجات السرطان، ومشاكل القلب، واضطرابات المعدة والأمعاء وغيرها.
ويخشى توبيرتيني أن بعض هذه الشركات في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، قد تقرر بدورها التوقف عن إنتاج بعض الأدوية لأن مصادر المكونات أصبحت مكلفة للغاية.
في بعض الأحيان، لا يكون تمرير الزيادات في التكاليف إلى العملاء خيارًا، حيث يتم تحديد أسعار الأدوية الموصوفة من قبل أنظمة الرعاية الصحية الحكومية في العديد من البلدان.
وهذه هي المعضلة التي تواجهها شركة ميدي تشام التي تبيع مكونات الأدوية إلى حوالي 600 شركة أدوية على مستوى العالم. ونادرا ما تكون قادرة على نقل التكاليف إلى العملاء، وفقا للرئيس التنفيذي إليزابيث ستامبا. تضاعفت فواتير الطاقة للشركة منذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا، مما دفعها إلى قرار التوقف عن تصنيع اثنين من المكونات الصيدلانية واثنين من الأدوية، على الرغم من أنها تنتظر حتى يجد عملاؤها مزودين جددا قبل وقف الإنتاج.
يمكن أن يكون لقرارات العمل مثل وقف الإنتاج عواقب وخيمة على المرضى. حيث ناشد اتحاد من جمعيات أوروبية لحماية المرضى والمستهلكين، مؤخراً، الوكالة الأوروبية للأدوية أن تعتبر النقص حدثاً رئيسياً وأن تضع قائمة بالأدوية الحرجة لتجنب المزيد من النقص.
تأتي هذه التحديات وسط موسم أنفلونزا أصاب أكثر وانتشر بشكل أسرع من الموجات التي حدثت في العامين الماضيين، ومع ارتفاع الطلب على الأدوية التي يعتمد عليها الأطباء والعائلات لعلاج حالات تتراوح بين التهابات الأذن والالتهاب الرئوي. يصف العديد من الأطباء المضادات الحيوية للأشخاص المصابين بالإنفلونزا أو الفيروس المخلوي التنفسي، على الرغم من أن الأدوية لا تعالج الالتهابات الفيروسية، بسبب خطر الإصابة بعدوى بكتيرية متزامنة أو لاحقة.
وقال الدكتور سمير باتيل، طبيب الأمراض المعدية لدى الأطفال، الذي يقود أيضًا برنامجًا لمقاومة مضادات الميكروبات في مستشفى لوري للأطفال في شيكاغو، إن مستشفاه شهد زيادة في حالات الإصابة بالالتهاب الرئوي الجرثومي، والذي كان مسؤولًا عن الاستخدام غير المتناسب للمضادات الحيوية.
وقال إنه على الرغم من أن المستشفى تمكن من تأمين إمدادات كافية للمرضى المقبولين، إلا أن المشاكل تبدأ عندما يتم إرسال الأطفال إلى منازلهم، ويحتاج الآباء إلى ملء وصفة طبية في الصيدلية، حيث قد لا تكون الأدوية متاحة.