تايلاند تمنح مواطنيها 14 مليار دولار.. هل يحفز النمو؟

تايلاند تمنح مواطنيها 14 مليار دولار.. هل يحفز النمو؟
14 مليار دولار ستوزعها الحكومة في تايلاند على 50 مليون مواطن بهدف تحفيز الاقتصاد عبر زيادة الاستهلاك، وهي حيلة لجأت لها الحكومة في ظل تباطؤ نمو الاقتصاد، لكنها قوبلت باعتراضات وتحذيرات من خبراء اقتصاد أكدوا أن ضررها أكثر من نفعها.

وعلى الرغم من تحذيرات بعض الاقتصاديين ومحافظي البنوك المركزية السابقين من أن الإنفاق قد يؤدي إلى زيادة التضخم وتوسيع العجز المالي، إلا أن السلطات أعلنت عن منحة نقدية بقيمة 14 مليار دولار أميركي بغرض تحفيز اقتصادها، تعرف باسم "المحفظة الرقمية".

وقال رئيس الوزراء التايلاندي، سريتا تافيسين، أن برنامج "المحفظة الرقمية" سيغطي 50 مليون شخص، وسيحصل كل منهم على 10 آلاف بات تايلاندي (280 دولارًا أميركيا) قد تكون جاهزة للصرف بحلول شهر مايو 2024، وفقا لمجلة "تايم" الأميركية.

ويعد العدد المتضمن في البرنامج أقل من المقترح الأصلي للمنحة، والذي كان من المفترض أن يشمل 56 مليون شخص يبلغون من العمر 16 عامًا أو أكبر.

ووفقا للمجلة الأميركية، لكي يكون الشخص مؤهلاً للحصول على المنحة النقدية، يجب أن يكون دخله أقل من 70 ألف بات شهريًا (1977 دولارا) وأن يحتفظ بأقل من 500 ألف بات (14 ألفا و128 دولارا) في حسابات التوفير.

وقال سريتا إن الإعانة النقدية ستكلف الحكومة 500 مليار بات (14 مليارا و128 مليون دولار أميركي) وسيتم دفعها للأشخاص مرة واحدة. وأوضح أن أولئك غير المؤهلين للحصول على المنحة النقدية يمكنهم المطالبة بخصم ضريبة الدخل الشخصي على إنفاق ما يصل إلى 50 ألف بات في عام 2024.

وقال سريتا، إن المنحة النقدية "ستكون حافزا لتنشيط الاقتصاد"، الذي توسع بمعدل أقل من 2% في العقد الماضي، وهو أقل بكثير من جيرانه في جنوب شرق آسيا مثل الهند وإندونيسيا وفيتنام. ولفت إلى أن الحكومة تخطط لسداد الأموال المقترضة لتمويل المحفظة الرقمية خلال أربع سنوات.

وأضاف: "يمثل هذا بداية التحول الاقتصادي في تايلاند"، وتابع أن "برنامج المحفظة الرقمية هذا ليس سوى سياسة تحفيز اقتصادي أولية، وأكرر أن هذه ليست سياسة شعبوية من شأنها أن تلحق الضرر بالاقتصاد ورفاهية الناس". وتعد مقترحات سريتا جزءًا من خطة لتحفيز النمو الاقتصادي إلى حوالي 5% سنويًا على مدى السنوات الأربع المقبلة.

ضرر أكثر من النفع

في المقابل، وقع العشرات من الاقتصاديين والمحللين التايلانديين، بما في ذلك محافظو البنك المركزي السابقين، عريضة قالت إن ضرر البرنامج سيكون أكثر من نفعه. كما أن البرنامج يتعارض مع موقف محافظ بنك تايلاند، سيتابوت سوتيوارت نارويبوت، الذي يدعو إلى إعطاء الأولوية للاستثمار على تحفيز الاستهلاك.

لكن سريتا دافع عن إجراءات التحفيز، قائلا إنها تهدف إلى تعزيز الاقتصاد على المدى القصير ولن تكون تضخمية. وقال إن تمويل نظام المحفظة الرقمية سيلتزم بالانضباط المالي ويساعد في تقليل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.

من جانبه، انتقد حزب المعارضة الرئيسُ "موف فوروارد" الخطة، قائلًا إنها ستنتهك العديد من القوانين الحالية، وتعرض الانضباط المالي للبلاد للخطر، وتثقل كاهلها بالفوائد وأعباء الديون لسنوات قادمة.

فيما رأت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في تقرير لها أن رئيس الوزراء التايلاندي يعرف ما يريد رجال الأعمال سماعه باعتباره رئيسًا لشركة عقارية. وتابعت أن سريتا يقدم نفسه للمستثمرين كقائد واثق من نفسه يدعي أنه وجد حلاً للأزمة الاقتصادية التي طال أمدها في وطنه.

ولفتت الصحيفة البريطانية إلى أن تحفيز النمو هو الأولوية القصوى لحكومته، التي تتولى السلطة منذ بداية سبتمبر الماضي. وأضافت أنه بينما يريد سريتا من خلال المنحة إنهاء الجمود الاقتصادي في ثاني أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، إلا أن خبراء الاقتصاد ثاروا ضد هذه الخطة.

وأوضحت أن الخبراء يحذرون من العبء الثقيل الذي تتحمله الموارد المالية الحكومية، وانتكاسة في مكافحة التضخم.

استهلاك يهدف للتحفيز

وفي حديث لـ"إرم الاقتصادية"، قال الخبير الاقتصادي المصري، سمير رؤوف، إن "الأسواق الاستهلاكية عندما تبدأ في التباطؤ، تبدأ المصانع في تخفيف الإنتاج وبالتالي تقليل قوة التشغيل، وهنا يدخل الاقتصاد في مرحلة تعطل ويحدث كساد أو ركود".

وأوضح أن "الكساد هو حالة اقتصادية تتعطل فيها كل قطاعات الدولة تقريبا وتصل مدتها لسنوات، لكن الركود يحدث بعد تعطل قطاع واحد أو أكثر، ويحدث لمدة شهور وليس سنوات".

وأوضح رؤوف أن "برنامج القسائم التايلاندي يهدف لتنشيط الأسواق، إذ أن طبيعة المستهلك في هذه الأسواق تميل إلى ادخار من 20-40% في المتوسط من دخله". وتابع: "بالتالي البرنامج يغير النمط الاستهلاكي للمواطن ويدفعه لزيادة الاستهلاك".

وأردف: "الانضباط المالي هنا يحدث فيه تغيير؛ فعند منح مواطن 280 دولارا لمرة واحدة، يميل إلى استهلاكها، وبالتالي يفرغ الأسواق من السلع، فيزداد الإنتاج ويتغير النمط من مدخر لمستهلك".

وأضاف رؤوف: "بعدها يبدأ الطلب على مواد الخام للتصنيع من جديد، ثم تحدث عملية توظيف، وهي عملية التنشيط المطلوبة". لكنه لفت إلى أن "المشكلة في الاستهلاك تأتي بعد إفراغ الأسواق، وينتج عن ذلك تضخم، وبالتالي تتغير الأسعار من حالات الاستقرار إلى حالات التضخم، وهو ما يؤثر على الحياة الاقتصادية".

اقتصاد تايلاند في أرقام

يشهد الاقتصاد التايلندي تعثرا في معدلات النمو، حيث أعلن المجلس الوطني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في تايلاند، أن الناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة 1.5% في الربع الثالث من 2023، مقارنة بالعام السابق، وهو انخفاض عن نمو بنسبة 2.4% توقعه اقتصاديون، وفقا لوكالة رويترز.

وقالت هيئة التخطيط التايلاندية إن النمو الفصلي كان الأبطأ في الأرباع الثلاثة الماضية، بعد أن ارتفع 1.8% على أساس سنوي في الربع الثاني و2.6% في الربع الأول، لكن الهيئة توقعت نموا أقوى العام المقبل.

الأكثر من ذلك، توقع لمجلس الوطني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، انكماشا بنسبة 2% في الصادرات خلال العام الجاري، وهي المحرك الرئيسُ للنمو التايلاندي، بعد أن توقع في وقت سابق انخفاضا بنسبة 1.8% فقط. وبالنسبة لعام 2024، توقع المجلس أن ترتفع الصادرات بنسبة 3.8%.

وانخفض نمو صادرات السلع والخدمات إلى 0.2% في الربع الثالث، مسجلاً أسوأ قراءة منذ الربع الرابع من عام 2022، وبلغت قراءة الربع الثاني 0.6% على أساس سنوي، بالإضافة إلى ذلك، تقلصت واردات السلع والخدمات بمعدل حاد بلغ 10.2% في الربع الثالث على أساس سنوي.

من جانبها، حافظت هيئة التخطيط على توقعاتها لوصول السائحين الأجانب إلى 28 مليون سائح هذا العام، مع توقعت بوصول 35 مليون زائر في عام 2024، فيما شهد عام 2019 قبل وباء كورونا رقما قياسيا بلغ نحو 40 مليون سائح.

وتحسن إنفاق الأسر إلى 8.1% على أساس سنوي في الربع الثالث، وهو ما يمثل أفضل قراءة منذ الربع الثالث من عام 2022، إذ بلغت قراءة الربع الثاني 7.8% على أساس سنوي، وفقا لموقع "فوكاس إيكونوميكس" الاقتصادي.

وانخفض الاستهلاك العام بمعدل حاد بلغ 4.9% في الربع الثالث، من 4.3% على أساس سنوي في الربع الثاني. وفي الوقت نفسه، تسارع نمو الاستثمار الثابت إلى 1.5% في الربع الثالث، مقارنة بـ0.4% في الربع السابق.

الأكثر قراءة

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com