خاص
خاصحاملة بضائع- منصة إكس

البحر الأحمر يُشعل فتيل أزمة عالمية جديدة

تُنذر التوترات المتصاعدة في البحر الأحمر بمزيدٍ من المخاطر على الاقتصاد العالمي، وذلك بعد ازدياد الهجمات على السفن التجارية، واتّخاذ العديد من الشركات مسارات بديلة حول أفريقيا، مما يُفاقم أزمة سلاسل التوريد العالمية.

ومنذ منتصف نوفمبر الماضي، تُواجه منطقة جنوب البحر الأحمر هجماتٍ مُتكرّرة على السفن، ممّا أدّى إلى ارتفاعٍ ملحوظٍ في تكلفة شحن البضائع، وارتفاع أسعار الشحن 80%، وارتفاع أسعار النفط 5% منذ بداية العام الحالي.

وتُخيّم المخاوف من عودة التضخم على الدول الأوروبية، خاصة مع استمرار الأزمة الراهنة، وفي ظلّ اتّخاذ العديد من السفن طريق رأس الرجاء الصالح بديلًا عن مضيق باب المندب والبحر الأحمر، ممّا يُؤدّي إلى زيادةٍ في فاتورة الشحن على الاقتصاد العالمي.

ويُعاني الاقتصاد العالمي ارتفاعًا في تكاليف الشحن وتأخرًا في تسليم البضائع، ممّا يُعيد شبح التضخم إلى الواجهة من جديد، وتُعدّ هذه التطورات بمثابة تحدٍّ كبيرٍ للدول الأوروبية، التي تُحاول جاهدةً احتواء التضخم وضمان استقرار اقتصاداتها.

شبح التضخم العالمي

ويقول الأستاذ الباحث في الاقتصاد السياسي، حسان القبي، إن "أكثر من 30% من واردات الدول الأوروبية تمر عبر البحر الأحمر، الذي يُعاني الآن اختناقًا خطيرًا، بسبب تكدس شاحنات سلاسل الإمداد".

ويُنذر هذا الاختناق بعودة شبح التضخم العالمي للدول الأوروبية من جديد، إذا لم تتخذ خطواتٍ حاسمة لحلّ الأزمة، ويُطالب الخبير بتدخلٍ سياسيٍّ عاجلٍ من الدول الأوروبية والعربية لإيجاد حلٍّ يُرضي جميع الأطراف.

واعتبر، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، أن "اضطرابات البحر الأحمر قد تؤدي إلى ارتفاع تكاليف شحن الحاويات من شرق آسيا إلى أوروبا بشكل كبير"، وأوضح أن "مؤشر فريتوس، الذي يقيس أسعار الشحن البحري، يُظهر أن تكلفة شحن الحاوية الواحدة من شرق آسيا إلى أوروبا ارتفعت من 1000 دولار إلى أكثر من 4700 دولار".

وأضاف أن "تكلفة شحن الحاوية التي تتعدى 40 قدمًا، ارتفعت بعد الأزمة إلى 4 آلاف دولار"، وأوضح الخبير أن "هذا الارتفاع في التكاليف ناتج عن إحجام العديد من شركات الشحن العالمية عن العمل في البحر الأحمر بسبب المخاطر الأمنية".

وأشار إلى أن "بعض شركات الشحن الفرنسية أوقفت بالفعل عملها في البحر الأحمر، بينما لجأت شركات أخرى إلى استخدام طريق بديل حول إفريقيا، وهو ما يُكبدها تكاليف طائلة".

وحذّر أستاذ الاقتصاد السياسي من موجة تضخمية كبرى تُهدد الاقتصاد الأوروبي، مُؤكّدًا ظهور معالمها خلال الأسابيع المُقبلة، وأشار إلى أنّ "العديد من الدول الأوروبية لم تتمكن من تجاوز أزمة التضخم، إذ ارتفعت معدلاته إلى أعلى المستويات منذ 4 سنوات".

وأضاف أنّ "اضطرابات البحر الأحمر، وارتفاع أسعار الشحن، أسهما بشكل كبير في تفاقم الأزمة، ممّا دفع العديد من الشركات، كشركة أديداس، إلى الإغلاق"، مشيراً إلى أنّ "أسعار الشحن ارتفعت بنسبة 124% في البحر الأحمر، و118% في البحر الأبيض المتوسط، ممّا أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج بشكل كبير".

تباطؤ الاقتصاد البريطاني

ومن جانبه، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة بورتسموث بلندن، أحمد عبود، إن "الصناعات في المملكة المتحدة بدأت تتأثر بالأحداث التي يشهدها البحر الأحمر، والتي سجلت انكماشًا بشكل كبير بسبب التأخير في تسليم الشحنات"، وأشار إلى أن "هذا التأخير يُفاقم التباطؤ الاقتصادي البريطاني، في ظلّ ارتفاع معدلات التضخم".

وكشفت وكالة الإحصاءات "يورستات" التابعة للاتحاد الأوروبي، عن ارتفاع معدلات التضخم إلى 3.3% خلال شهر يناير الماضي، رغم توقعات كانت تُشير إلى انخفاضها بشكل ملحوظ.

وأرجع الخبير الاقتصادي، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، هذا الارتفاع إلى الأحداث في البحر الأحمر، التي أدّت إلى اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف النقل، ونتيجةً لذلك، يتوقّع أن تستمرّ الصناعات في المملكة المتحدة في المعاناة من التأثيرات السلبية.

وتوقع أن تُلقي التوترات المتصاعدة في البحر الأحمر بظلالها السلبية على أسواق الطاقة، مما يُثير مخاوف من اتساع الصراع الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.

وجاء ذلك عقب الضربات التي وجهتها المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية على الحوثيين في مطلع الشهر الماضي، التي تسببت في ارتفاع أسعار النفط، إذ ارتفع خام برنت بنسبة 4%.

وأشار الخبير إلى أن "هذه الأحداث تُهدد اقتصاد بريطانيا بشكل كبير، إذ تُؤدّي إلى تأخير شركات الشحن عن تسليم الشحنات للمصانع في الوقت المتفق عليه، بسبب خوفها من تعرضها للهجوم أثناء إبحارها من البحر الأحمر".

ويُوفر طريق البحر الأحمر نحو 70% من زمن الرحلة، فمع استمرار هذه الأزمة والتأخير في وصول الإمدادات، ستتأثر القطاعات الإنتاجية والصناعية بشكل كبير، وسترتفع معدلات التضخم، مترافقة مع ارتفاع لأسعار السلع الغذائية، وفق تقدير أحمد عبود.

وحذّر الخبير الاقتصادي، عمر غربية، من ظهور شبح اقتصادي جديد يُهدد الاقتصاد العالمي وحركة التجارة العالمية، يتمثل في اضطرابات سلاسل الإمداد، وأوضح أن "هذه الاضطرابات -التي تأثرت بها ثلث سلاسل الإمداد العالمية خلال الأسابيع الماضية- تُلقي بظلالها على قضيتين رئيستين".

القضية الأولى، وفق غربية، هي التضخم، إذ يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن الذي سينعكس على أسعار السلع والخدمات، أما القضية الأخرى، فهي قضية تباطؤ النمو الاقتصادي، مع تأخر تسليم البضائع لشركات عالمية مثل أمازون، وتأخر وصول الغاز الطبيعي من قطر إلى أوروبا، وارتفاع تكاليفه بنسبة 13%.

وأشار غربية، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، إلى أن "بعض الدول الأوروبية شهدت زيادة في معدلات التضخم خلال الشهر الماضي، وارتفع التضخم في أمريكا خلال الشهر الماضي إلى 3.4%، بعدما اقترب من الانخفاض إلى 3.1% قبل الأزمة".

واعتبر الخبير أن "حلّ الأزمة في غزة قد يُسهم في عودة الأمور إلى طبيعتها، مما قد يُؤدّي إلى انخفاض معدلات التضخم مرة أخرى".

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com