خاص
خاص

استثمارات وتوطين.. دول عربية تسارع الخطى في صناعة السيارات

تسابق دول عربية الخطى في صناعة السيارات، سواء عبر الاستثمار أو الشراكات أو التوطين ضمن استراتيجيتها لتنويع مسار اقتصادها بعيدًا عن النفط، أو للمساهمة في تكثيف منتجاتها المحلية بهدف جذب استثمارات أجنبية أكبر.

وبدأ المغرب رحلته مع هذه الصناعة قبل عدة سنوات مستعينا في ذلك بخبرة فرنسية، كما حققت مصر قفزة نوعية في هذا المجال، بل وبدأت في تنفيذ بعض العقود لصناعة السيارات الكهربائية.

ومؤخرا، برزت جهود كبيرة للمملكة العربية السعودية تسعى من خلالها إلى بناء منظومة متكاملة لصناعة السيارات، بعد إنشائها 3 مصانع.

وأنشأ صندوق الاستثمارات العامة 3 مصانع هي "سير" و"لوسيد" و"هيونداي"، وبالتالي انتهت المرحلة الأولى من المشروع الضخم المتعلق بجلب تصنيع السيارات إلى البلاد.

وفيما وصل الناتج المحلي في المغرب بين 64 و70%، تستعد دولة الإمارات العربية المتحدة لاستضافة أول مصنع لإنتاج السيارات بمكونات قابلة لإعادة التدوير.

وشهدت مدينة دبي الصناعية إطلاق أول سيارة كهربائية تحت اسم "الداماني"، تحمل شعار "صنع في الإمارات"، من صناعة شركة "أم جلوري" الإماراتية.

كما تستعد الإمارات لاستضافة أول مصنع لإنتاج السيارات بمكونات قابلة لإعادة التدوير، حيث وقعت "منصة صناعة"، وهي المنصة الموحدة في الدولة الخليجية، لدعم الصناعات والمنتجات الوطنية، اتفاقية لإنشاء المصنع الفريد من نوعه، من مواد بلاستيكية مركبة وقابلة لإعادة التدوير، والذي من المقرر أن يكون مقرّه في العاصمة أبوظبي.

ومؤخرًا، دخلت لبنان على خط صناعة السيارات الكهربائية أيضًا، وبالفعل بدأت إحدى الشركات في إنتاج السيارة "ليرة" والتي تعمل بالطاقة الشمسية.

وفي سبتمبر 2022، أعلنت قطر نيتها تدشين أول مصنع في المنطقة على أراضيها لإنتاج السيارات الكهربائية بتكلفة تصل الى نحو 9 مليارات دولار ضمن رؤية قطر الوطنية 2023 والتي أوصت بالحفاظ على البيئة والتوجه نحو الطاقة البديلة باستخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة التي تساعد على ذلك.

منفذ جديد

ويرى وليد فرنسيس، الخبير اللبناني بصناعة السيارات، أن الاهتمام العربي بهذه الصناعة، يعود في جزء كبير منه إلى الارتفاعات غير المسبوقة في أسعار السيارات المستوردة، مستشهدًا بما شهدته لبنان مؤخرًا بشأن رفع الرسوم الجمركية على السيارات التي تأتي من الخارج.

وأوضح أن الضرائب على هذا القطاع تُشكل ثاني مداخيل الخزينة العامة اللبنانية بعد المشتقات النفطية، ومن ثمّ كان اللجوء إلى صناعة السيارات محليًا أحد الأطر التي تحاول من خلالها الحكومة والقطاع الخاص البحث عن حلول لتيسير عمليات البيع على المواطنين المنهكين اقتصاديًا، بصناعة سيارات "بأسعار معقولة"، بالإضافة لدخول مجال جديد يساهم في دفع الاقتصاد اللبناني إلى الأمام عبر ضخ استثمارات أجنبية.

واعتبر أن السيارة الجديدة "ليرة" تُشكل منفذًا لعدد كبير من اللبنانيين الذين يرزحون تحت تأثير أزمة اقتصادية مستمرة منذ عدة سنوات.

وكشف عن أن السيارة الجديدة تباع بالدولار الأميركي - نظرًا للظروف الصعبة التي تواجهها العملة المحلية وتراجعها أمام الدولار - بسعر بين 3500 و15000 ألف دولار، مشددًا على أنه "عند تحسن الوضع الاقتصادي ستباع بالليرة اللبنانية".

 الإمارات والسعودية

من جانبه، قال الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، إن الدولة العربية الرائدة حاليا في صناعة السيارات هي المغرب، وسابقا مصر التي كانت صاحبة الريادة في هذا المجال، لكن للأسف اقتصر الأمر على صناعات محدودة جدًا أغلبها تتبع شيفروليه الأميركية.

وحول اتجاه لبنان إلى صناعة السيارات، استبعد الدمرداش لـ"إرم الاقتصاية" أن يستطيع هذا البلد العربي - المنهك اقتصاديًا - أن يتابع في هذا المجال، نظرًا لكم التحديات التي تواجهه اقتصاديًا على شتى المستويات.

إلا أنه أشاد بالدور الإماراتي بدخول مجال السيارات الكهربائية، كما أشاد بالتوجه السعودي الأخير نحو الصناعة بعيدًا عن النفط.

وأوضح أن السوق السعودية ضخمة قياسًا بنظرائها العرب، فقد وصل إلى 800 ألف سيارة سنويًا، وبالتالي هذا الطلب الضخم يبرر وجود صناعة سيارات في المملكة، مشددًا على أن موقع المملكة الإقليمي يساعدها على التصدير، كما أن اتفاقيات التجارة الحرة مع جميع دول العالم يساعد على ذلك أيضًا.

دعائم جديدة للاقتصاد

ويرى الدكتور السيد خضر الخبير الاقتصادي، أن عملية توطين آفاق صناعة السيارات في المنطقة العربية تعد المحور الأساسي في الاستراتيجية الصناعية باعتبارها من دعائم عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وأشار إلى أن القطاع الصناعي، وخاصة صناعة السيارات في المنطقة العربية تحتاج لمزيد من التكاتف لدعم تلك الصناعة في مختلف الدول حتى تخلق عنصرًا هامًا يستطيع أن يغزو العالم.

واعتبر في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أن السيارات باتت من أهم الركائز الأساسية في تحقيق النمو الاقتصادي في جميع دول العالم وخاصة الدول النامية، وذلك من خلال السعي إلى توطين الصناعة بشكل عام.

وأوضح أن دولة بحجم مصر، تتمتع بالعديد من العوامل التي تؤهلها لأن تصبح قوة صناعية بمنطقة الشرق الأوسط، وخصوصًا في إطار صناعة السيارات.

ومن تلك العوامل الجاذبة للاستثمار - وفق الخبير الاقتصادي - الموقع المتميز الرابط بين قارات العالم وطرق التجارة الرئيسية، والقوى والموارد البشرية الهائلة التي تعتبر المحرك الاستراتيجى لهذا القطاع الهام.

وشدد على ضرورة استغلال كل ذلك، لخلق صناعة قوية، تستطيع أن تنافس إقليميًا، ثم التطور لاحقًا إلى المنافسة العالمية، وذلك من خلال تهيئة البنية التحتية اللازمة، والسعي إلى إنشاء المناطق الصناعية المتخصصة، بما يحقق ميزة تنافسية لجذب الاستثمارات الأجنبية.

ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن المواطن العربي عمومًا، والمصري واللبناني على وجه الخصوص، بحاجة إلى سيارة بسعر منخفض فى ظل الارتفاع المستمر للسيارات في المنطقة، ومن ثمّ فإن ضبط سوق السيارات يسهم في توفير البضاعة بشكلٍ كامل، وكذلك بقدر ما تحتاجه السوق، لأن قلة المعروض من السيارات يؤدي إلى ارتفاع الطلب الأمر الذي يسهم في ارتفاع الأسعار، فضلا عن أن الاهتمام بهذه الصناعة لاشك سيجلب المزيد من الاستثمارات الخارجية التي تحتاجها مثل هذه البلدان في هذا التوقيت الصعب.

صناعة عتيقة

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور علي عبد الرؤوف الإدريسي أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، أن صناعة السيارات في العالم العربي ليست جديدة، إذ تعود لستينيات القرن الماضي، وهناك تجارب عظيمة أبرزها شركة النصر في مصر.

وأضاف: "مع التطور التكنولوجي الكبير أصبح التصنيع في حد ذاته غاية في الصعوبة، لكن هناك محاولات تحدث الغرض منها ليس الصناعة بنسبة 100% كآلية، ولكن بغرض التجميع أو الاستفادة من إحدى العلامات التجارية التي لها فروع في المنطقة بغرض زيادة المكون المحلي، وهذا جزء مهم، إذ أنه حينما يتم تجميع 65% من السيارة بمكونات محلية فهو مشاركة بقوة في هذه الصناعة"، حسب وصفه.

وأشار إلى أن هناك تجارب رائدة في العالم العربي في صناعة السيارات، معتبرًا أن المغرب تعد من أفضل التجارب العربية في هذا المجال كدولة تضع هدفا لتخطي حاجز المليون سيارة كتصنيع، فضلا عن وجود تطور في نسبة المكوّن المحلي، إذ أنهم بدأوا بـ20% للمكون المحلي ووصلوا لحد 65% الآن.

ولفت إلى أنه من خلال الاستفادة من إحدى العلامات التجارية الفرنسية الهامة وهي "رينو"، نجحت المغرب في أن تحقق نجاحًا كبيرًا جدًا في هذا المجال.

وأوضح، أن دولة جنوب أفريقيا أيضًا حققت نجاحات كبيرة في هذه التجربة، من خلال التواصل مع علامات تجارية هامة مثل "تويوتا ومرسيدس".

وبيّن الخبير الاقتصادي، أن مصر أيضًا بدأت بشكل ما في تجميع العديد من السيارات الكورية وبعض العلامات الألمانية، وهو ما يُعد أمرًا جيدًا، إذ أنه بدلا من استيراد السيارة بالكامل، تتم المساهمة في نسبة ليست بالقليلة بالمكون المحلي، وهو ما يساهم بشكل كبير في تقليل فاتورة الاستيراد، وتعظيم الناتج المحلي الإجمالي، وضخ  فرص جديدة للتصدير، ويقلل من أسعار السيارات في السوق المحلي، فضلا عن توفير فرص عمل لآلاف الشباب.

وأشار إلى أنه خلال الفترة المقبلة متوقع أن تقدم مصر حوافز كبيرة جدًا لصناعة السيارات الكهربائية ، لافتًا إلى أن هناك تجارب جيدة تتحرك عليها الدولة للتصنيع بالاعتماد على خبرات من الصين، ومن ثمّ فهي "بداية هامة تنتظر النجاح".

وختم الإدريسي تصريحاته لـ "إرم الاقتصادية"، بالتشديد على أهمية تبادل الخبرات العربية في هذه الصناعة الهامة، للوصول إلى سيارة تحمل مشاركة من أكثر من دولة، وعرضها في السوق العالمي.

وضرب مثالا، عن إمكانية مشاركة المغرب ومصر والإمارات، للخروج بسيارة بإنتاج مشترك تحمل مواصفات عالية من الجودة وأسعار تنافسية، على أن يعفى هذا المنتج من الرسوم الجمركية كمحاولة جادة للتعاون العربي المشترك في تقديم منتج تنافسي يستطيع المنافسة عالميًا، ويقلل فاتورة استيراد السيارات من الخارج لدعم الاقتصاد المحلي.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com