كيف تسيطر الصين على الصحافة الاقتصادية؟

صحف صينية
صحف صينيةإرم بزنس
بعد أن بدأ النمو الوطني الصيني يفقد قوته، أصبحت السلطات تضغط على الصحافة الاقتصادية وعلى الخبراء الاقتصاديين وتطالبهم بمراقبة تعليقاتهم، وهذه المراقبة الذاتية تتوسع في البلاد.

وغالباً ما يأتي عناصر من أجهزة الأمن الصينية مباشرة إلى ردهة برج من أبراج مكاتب المؤسسات المالية. وفي أغلب الأحيان يقومون باتصالاتهم عبر الهاتف، لمراقبة أي إقتصادي ينتمي إلى مؤسسة مالية معترف بها دولياً، وفقا لما نقلت صحيفة "لوموند" الفرنسية.

وبعد أي مقابلة تلفزيونية أو تصريحات للصحافة او تحليل غير متفائل بما فيه الكفاية بشأن وضع الاقتصاد الوطني، يرن الهاتف مباشرة أو في اليوم التالي، ولكنه يرن حتماً. ومن المستحيل تجاهل أجهزة الأمن هؤلاء عندما يأتون إلى البرج، وهم على أية حال على اتصال بقسم العلاقات العامة لمجموعتهم.

وقال خبير اقتصادي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية: "في بعض الحالات، تعرب عناصر الأجهزة العامة عن رغبتها في الذهاب لتناول القهوة. وفي معظم الأحيان، فهم يتناولون نفس المواضيع، وهذه المواضيع لا ترتبط بتفاصيل  فنية، بل بتبادل  بعض الأسئلة، التالية: "هل رأيت أحدث وثيقة حكومية؟ أتعرف أن الاقتصاد الوطني يواجه بعض التحديّات، ولكنه لا يزال في حالة جيدة نسبيا؟".

وأوضح الخبير الاقتصادي أن "الرسالة الضمنية (من أجهزة الأمن) هي أننا نتابع عن كثب". وقد حضر بالفعل هذا الخبير الاقتصادي مؤتمرات عبر الإنترنت ليست عامة ولكنها مفتوحة للمستثمرين، وفجأة كانت هذه الفعاليات تتوقف عندما كان أحد المشاركين  يعرب عن وجهة نظر غير متفائلة كلياً بشأن المسار الإقتصادي.

وبالفعل، فإن وتيرة النشاط الاقتصادي تتباطأ والمواطنون يتساءلون هل سيكون الغد أفضل من الأمس، كما وعدتهم الحكومة؟ ولكن السلطات لا تريد أن يدخل أي شك بخصوص هذا الموضوع بين الناس علناً.

 فممارسة الرقابة، التي كانت منتشرة على نطاق واسع واستمر تعزيزها في السنوات الأخيرة بشأن القضايا السياسية والاجتماعية، امتدت بشكل كبير إلى المجال الاقتصادي.

هامش من المناورة

وكان القطاع الاقتصادي قد استفاد في السابق من هامش معين من المناورة، وبالتأكيد ليس لانتقاد اختيارات المديرين علناً، بل لمناقشة الوضع، وتقديم معلومات عن صحة الشركات أو التوقعات بالنسبة لأسواق الأوراق المالية.

وكان يُنظر إلى هذه الحرية النسبية على أنها ضرورية للعمل الاقتصادي، لأن الشركات وسوق الأوراق المالية والمستثمرين بحاجة  إلى المعلومات، وكانت الصين هي محفز النمو العالمي، وكانت الأخبار مشجعة بنحو عام.

فالصحافة الاقتصادية، وعلى سبيل المثال صحيفة "كايجينغ"  ثم صحيفة "كايكسن" اللتين تأسستا على يد رئيسة التحرير هوو شولي، تمتعها بحرية محدودة، إذ كانت السلطات تقوم بسحب بعض المقالات أحيانا أو تعرضهما للضغوط.

وعلى كل حال، تمتعت هاتان الصحيفتان بقدر أكبر من الحرية مقارنة بالصحف العامة، التي رأت  قائمة المواضيع التي لا ينبغي تغطيتها تزداد يوماً بعد يوم. وأصبحت الآن الصحافة المختصة، وتعليقات كبار الاقتصاديين، وكذلك الملاحظات التحليلية من البنوك وشركات الوساطة تحت مرمى السلطات، والرقابة الذاتية تستمر في النمو.

وخلال السنوات الإحدى عشر التي قضاها الرئيس شي جين بينغ في السلطة، كان تشديد الرقابة واضحاً في جميع طبقات المجتمع، ولكن بالنسبة للاقتصاديين، كانت جائحة كوفيد 19 تمثّل نقطة التحوّل. والفخر الناتج عن تجنب عدد الوفيات الذي لوحظ في أوروبا والولايات المتحدة والبرازيل والهند في البداية بفضل سياسة الصفر من كوفيد، قد أفسح المجال لتساؤلات حول العزلة الصينية والعواقب عندما يجري إغلاق مدن ديناميكية مثل شنغهاي بالكامل.

 حسابات محظورة

 "شنغهاي: صفر حركة، صفر الناتج المحلي الإجمالي"، هذا ما أعلنه في تغريدة في 31 مارس 2022 مدير الأبحاث في الفرع الدولي لبنك الاتصالات، إحدى المؤسسات المالية الصينية العامة.

ولم يتردد مدير الأبحاث، هذا النجم الصاعد في التحليل المالي في التعبير عن شكوكه بشأن صحة سوق الأوراق المالية وثقل سياسة مكافحة كوفيد على اقتصاد البلاد. وأشار إلى مخاطر هروب رؤوس الأموال ومخاطر رؤية المؤشر المركب لبورصة شنغهاي يهبط إلى ما دون الحاجز الرمزي البالغ 3000 نقطة.

 وبعد ذلك في أبريل 2022، حذرت جمعية صناعة الوساطة الصينية، التي ترفع تقاريرها إلى هيئة تنظيم سوق الأوراق المالية، في تعميم: "إن كلمات وأفعال المحللين، مثل شخصيات عامة، تجتذب الكثير من الاهتمام. يمكن أن تؤدي التعليقات والإجراءات غير الملائمة التي يقوم بها محلل واحد إلى أزمة سمعة مؤسسته، أو حتى الصناعة بأكملها".

الأكثر قراءة

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com