خاص
خاصالليرة اللبنانية

أزمة العملات في الدول العربية ترفع المعيشة وترهق المواطنين

تشهد معظم الدول العربية أزمة ممتدة في أسعار العملات المحلية، أمام الدولار الأميركي، وهو ما يترك تداعيات كبيرة على حياة المواطنين.

ويعود سبب هذه الأزمة إلى عدة عوامل، أهمها الزيادة الكبيرة في معدلات التضخم على المستوى العالمي، نتيجة العديد من الأزمات الدولية، وعلى رأسها الأزمة الأوكرانية، والأوضاع في غزة.

إضافة إلى ذلك تعتمد العديد من دول المنطقة على استيراد السلع الأساسية من الخارج، ما يزيد من تكلفة المعيشة، أما ضعف البنية التحتية الاقتصادية في بعض الدول يجعلها عرضة أكثر من غيرها للتأثر بالأزمات الخارجية.

أزمة متفاوتة

من وجهة نظر رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، الدكتور خالد الشافعي، تبدو أزمة العملة في الدول العربية متفاوتة في تأثيراتها، ففي لبنان، وصلت الأزمة إلى حد هائل، حيث وصل سعر صرف الدولار إلى مستويات غير مسبوقة، ما وضع الدولة على شفير الإفلاس.

وأوضح الخبير، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، أن "هذه الأزمة تركت تأثيرات كبيرة على الاقتصاد اللبناني، حيث أدّت إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وزيادة معدلات الفقر والبطالة".

وأشار إلى أن الأمور قد تستعيد توازنها في لبنان، من خلال المساعدات المقدمة من الدول الأخرى، سواء كانت من الدول العربية أو النطاق الدولي.

ولفت إلى أن "أزمة العملة في العراق تبدو أقل حدةً من أزمة العملة في لبنان، على اعتبار أن العراق من الدول المنتجة للنفط، ما يوفر لهذا البلد مصدرًا قويًا للدخل".

ورغم أزمة العملة في مصر، يرى الشافعي أن "الحكومة اتخذت مجموعة من الإجراءات لضبط سوق العملة، ومنع التلاعب في سعر الصرف، ما ساعد على الحد من حدة الأزمة".

وأضاف الخبير أن "هناك بعض التحديات التي تواجه مصر في أزمة العملة، منها: نقص في العملة الأجنبية، بسبب ارتفاع الطلب على السلع والخدمات المستوردة، وخروج بعض الاستثمارات الأجنبية من البلاد".

بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم، ما يقلل من القدرة الشرائية للمواطنين، وما يعقد الأمور وجود كيانات ومؤسسات تسعى إلى التلاعب في سعر الصرف، لإثارة البلبلة في الداخل.

وتُواجه مصر تحديات عالمية ومحلية، فالتحديات العالمية تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم وأسعار السلع والخدمات على المستوى العالمي، بسبب الأزمة الأوكرانية، وارتفاع أسعار الطاقة، علاوة على التحديات الإقليمية وهي تداعيات حرب غزة الاقتصادية التي شكّلت ضغطًا كبيرًا على القاهرة.

أزمة العملة تركت تأثيرات كبيرة على الاقتصاد اللبناني حيث أدّت إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين وزيادة معدلات الفقر والبطالة
خالد الشافعي - رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية

وبشأن الأوضاع في السودان، فإن البلاد تُواجه تحديات داخلية وخارجية، فالتحديات الداخلية تتمثل في الزيادة الكبيرة في أعداد النازحين القادمين من جنوب السودان، الذين يشكّلون ضغطًا على العديد من القطاعات، وعلى رأسها العقارات والسلع الغذائية، بالإضافة إلى الأزمة السياسية والأمنية التي أدّت إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية، وزيادة التضخم.

وبشأن الحلول، يرى الخبير الاقتصادي أن "إعادة ضبط الأسواق الحل الأمثل لأزمة العملة والأسعار في المنطقة العربية، فرغبة التجار في تحقيق هامش ربح كبير، ولجوئهم إلى احتكار السلع، يُسهمان في ارتباك أسعار الصرف، وزيادة التضخم، وارتفاع الأسعار".

وأشار إلى أنه ينبغي على الحكومات في المنطقة العربية أن تتخذ إجراءات من شأنها إعادة التوازن للأسواق، من خلال تنظيم الأسواق، ومراقبة الأسعار، ومنع التلاعب في سعر الصرف، وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية، وجذب العملة الأجنبية، ودعم الإنتاج المحلي، وتقليص الاعتماد على الاستيراد.

إعادة ضبط الأسواق الحل الأمثل لأزمة العملة والأسعار في المنطقة العربية
خالد الشافعي - رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية
أزمة عالمية

في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي، الدكتور كريم العمدة، أن "أزمة العملة في المنطقة العربية ليست أزمة إقليمية، وإنما هي مرتبطة بالأوضاع الاقتصادية في الدول، التي تعاني مشكلات جرّاء الأوضاع العالمية".

وأوضح الخبير، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية" أن "السبب الرئيس لمشكلة العملة في مصر يتجسد في وجود أزمة ديون، مع انخفاض العوائد الدولارية، وعلى رأسها انخفاض تحويلات المصريين من الخارج، بنسبة 25%، ما يعادل نحو 9 مليارات دولار، خسارة هذه النسبة تُعد أكبر مصدر للدولار".

وأضاف الخبير أن الارتفاعات في المصادر الأخرى، على غرار قناة السويس أو السياحة، لا يمكنها تعويض هذا النقص، لذلك هذه العوامل أدت إلى ارتفاع الطلب على الدولار، وانخفاض قيمة العملة المحلية.

والأمر نفسه ينطبق على الأردن، بحسب "العمدة"، حيث أكد أن "الأوضاع في غزة أسهمت بصورة كبيرة في تراجع قطاع السياحة الذي يُمثّل أحد أهم المصادر الاقتصادية، ما انعكس نشاطاً ملموساً في السوق الموازية".

ويرى الخبير أن "العراق من أكثر النماذج اللافتة بين الدول العربية، بسبب إيراداته الدولارية الجيدة، حيث تبلغ صادراته نحو 240 مليار دولار، أغلبها من النفط".

ولكن، تبقى المشكلة الرئيسة في تهريب العملة الأميركية إلى دول الجوار التي تعاني حظرًا دوليًّا، على غرار سوريا وإيران، وفق "العمدة".

وتبدو أسباب أزمة العملة في الدول العربية متفاوتة، بسبب الظروف الاقتصادية المرتبطة بكل دولة على حدة، ولكن هناك حلولاً طويلة المدى مرتبطة بتعزيز القطاعات الاقتصادية، مثل الزراعة والصناعة، مع العمل على إعادة هيكلة الديون وتمديد أقساطها فالحاجة مُلحة حالياً لحل أزمة سعر الصرف ، خاصة أن إطالة أمد الأزمة سيؤدي إلى المزيد من التداعيات، وفق تقدير "العمدة".

واعتبر أن "التعاون بين الدول العربية والعمل على تعزيز التبادل بين الدول بالعملة المحلية، من شأنه المساهمة بصورة كبيرة في تجاوز أزمة العملة".

السبب الرئيس لمشكلة العملة في مصر يتجسد في وجود أزمة ديون مع انخفاض العوائد الدولارية
كريم العمدة - خبير اقتصادي
حلول طويلة المدى

الأكاديمي العراقي والخبير الاقتصادي، محمود داغر، يرى أن "المعروض من البنك المركزي لا يلبي الطلب على الدولار، رغم قدراته الكبيرة في توفير العملة"، وأوضح أن جزءًا من الطلب على الدولار بعيد عن المصارف، ما يؤدي إلى الضغط على السوق الموازية.

وعن دور الحكومة العراقية، يقول داغر، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، إنها تمكنت من السيطرة على أسعار بعض السلع الرئيسة التي تدخل في الاستهلاك اليومي للمواطن من خلال الدعم الحكومي، وتوزيع سلع غذائية على المواطنين.

وأضاف الخبير أن "معدل التضخم مقبول وهو في حدود 3.7%، ولكن أزمة الدولار انعكست على بعض السلع الصناعية، وبعض المواد الصحية، وغيرها من المستلزمات".

وعن الحل، يرى "داغر" أن معالجة أزمة العملة في العراق تتطلب حلولًا قصيرة وطويلة المدى، وتتمثل الحلول قصيرة المدى في ضبط المنافذ الحدودية وتفعيل أداء الجدار الجمركي حسب القوانين، وعدم السماح بمرور بضائع خارج إطار منافذ المراقبة من الحكومة دون ترتيبات جمركية.

أما الحلول طويلة المدى فتتمثل في إعادة الحياة للنشاط الصناعي والزراعي والخدماتي بالبلاد، من خلال اتخاذ إجراءات لتعزيز الإنتاج المحلي، وتقليص الاعتماد على الاستيراد.

أما الخبير الاقتصادي، الدكتور محمد مصطفى، فيرى أن "أسباب أزمات العملة في الدول العربية، تتمثل معظمها في التضخم والديون العامة العالية وتراجع النمو الاقتصادي".

ويُسهم تراكم هذه العوامل في تفاقم الأزمات المرتبطة بارتباك سعر الصرف، وفق "مصطفى" الذي يشير إلى أن الأسباب تتفاوت من دولة لأخرى، منها العجز في الميزان التجاري، والاستقرار السياسي، أو النزاعات الإقليمية، التي تؤدي في الغالب إلى هروب المستثمرين، ما يخلق أزمة عملة عميقة.

وأضاف، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، أن "معالجة أزمات العملة تتطلب تحقيق إصلاحات اقتصادية شاملة، تشمل إصلاحات هيكلية وسياسية،  فالإصلاحات الهيكلية ترتكز على  إجراءات صارمة لتعزيز النمو الاقتصادي وتحسين الإنتاجية، وتقليص الاعتماد على الاستيراد".

واعتبر الخبير أن "انضمام مصر إلى مجموعة بريكس سيُسهم بصورة كبيرة في تعزيز الأوضاع الاقتصادية، من خلال فتح أسواق جديدة أمام الصادرات المصرية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول الأعضاء في التكتل".

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com