خاص
خاصمواطن تونسي يمسك زجاجة مياه وآخر يمسك الخبز- رويترز

الاقتصاد التونسي.. التحويلات والسياحة ملاذ أخير للنجاة

مع أن الاقتصاد التونسي دخل في الأشهر الأخيرة في نفق مظلم، إذ لا يكاد يخرج من أزمة حتى يدخل في غيرها، إلا أن مؤشرات إيجابية بدأت تلوح في الأفق، خاصة ما أعلنه المعهد الوطني للإحصاء الحكومي، حول تراجع معدل التضخم خلال أكتوبر الماضي ليصل إلى 8.6%، بعدما سجل 9% خلال الشهر السابق له.

ولفت المعهد إلى أن شهري أكتوبر وسبتمبر الماضيين شهدا تراجعا في معدل زيادة الأسعار مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، حيث شهدت أسعار المواد الغذائية تراجعا بنسبة 13.9% بدلا من 13.1%.

وعانى اقتصاد تونس في العامين الأخيرين من تداعيات الأزمات العالمية المتتالية، ومنها جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وأخيرا الحرب في غزة، الأمر الذي زاد من فاتورة استيراد الطاقة والسلع الأساسية مثل القمح وغيره، ما ترتب عليه أزمة ديون حادة، إضافة إلى نقص واسع في السلع الأساسية.

وفي ضوء تلك التداعيات، أصدر البنك الدولي تقريرا في أكتوبر الماضي خفض خلاله توقعاته لنمو الاقتصاد التونسي ليصل إلى 1.2% خلال العام الجاري، انخفاضا من توقعات سابقة بلغت 2.3% في يونيو الماضي.

وأرجع البنك هذا الخفض إلى عدة عوامل، منها ظروف بيئية مثل موجة الجفاف التي تضرب شمال أفريقيا، إضافة إلى الشكوك الخاصة بتمويل أعباء الدين، وبطء تنفيذ ما وعدت به الحكومة التونسية من إصلاحات اقتصادية هيكلية، لافتا إلى أن الاقتصاد التونسي يتباطأ بقدر واضح مقارنة بالعامين الماضيين.

السياحة قاطرة الاقتصاد

ويعلق التونسيون آمالا كبيرة على قطاع السياحة كقاطرة لانتشال اقتصادهم من براثن الأزمات، حيث أظهرت بيانات لوزارة السياحة التونسية قبل أيام وصول عدد السائحين منذ مطلع العام الجاري وحتى يوليو الماضي إلى 5 ملايين سائح، بعائدات بلغت مليارا و70 مليون دولار، وبزيادة بلغت حوالي 27% مقارنة بعام 2019 قبل تفشي جائحة كورونا، والتي انهار بعدها قطاع السياحة والسفر في كل دول العالم تقريبا.

معالجة التحديات والعقبات

ويقول مروان رمزي، الخبير الاقتصادي التونسي، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، إن تونس تأثرت كغيرها من بلاد العالم بالأزمات العالمية، والتي أثرت بقدر كبير على قطاع السياحة الذي يعد من أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد، لافتا إلى أن البلاد بحاجة لمعالجة التحديات والعقبات طويلة الأجل التي تواجه الاقتصاد، وصولا لتحقيق النمو المستدام.

وأوضح رمزي أن أول هذه الإصلاحات يجب أن يكون إفساح المجال للقطاع الخاص لتعزيز القدرة التنافسية، وخلق مزيد من فرص العمل، مضيفا أن البلاد عليها التخلص سريعا من القيود المكبلة للاقتصاد الوطني.

ولفت بشكل خاص إلى حالة الجمود التي أصابت مناخ الأعمال بسبب القيود المفروضة على الاستثمارات والمنافسة، وهو ما يحتاج إلى تشريعات حقيقية لجذب المزيد من الاستثمارات.

وشدد الخبير الاقتصادي التونسي على أن البيئة التشريعية الحالية تشكل عائقا أمام دخول شركات جديدة إلى السوق التونسي، وأن التشريعات الجديدة يجب أن تضمن المنافسة العادلة، الأمر الذي سيحرك الاقتصاد قدما، وبالتالي زيادة القوة الشرائية، ومن ثم رفع معدلات التشغيل.

نقاط إيجابية

ولفت إلى أن الوضع الاقتصادي بصفة عامة ليس بالقتامة التي يروج لها البعض، حيث إن تونس نجحت بالفعل في سداد 76% من خدمة الدين الخارجي المستحقة على البلاد خلال العام الجاري بأكمله، وساعدها في ذلك تحويلات التونسيين في الخارج، التي بلغت حوالي 4 مليارات دينار تونسي (الدولار الأميركي = 3.14 دنانير تونسية)، بحلول يونيو الماضي، وهو ما يمكن الحكومة من تغطية أعباء الدين الخارجي.

ووفق بيانات البنك المركزي التونسي فإن قيمة الديون الخارجية التي تم سدادها حتى سبتمبر الماضي بلغت 6 مليارات و660 مليون دينار من إجمالي 9 مليارات دينار واجبة السداد حتى نهاية 2023.

ولفت البنك إلى أن إيرادات السياحة وتحويلات التونسيين في الخارج مجتمعة بلغت خلال العام الجاري حوالي 10.7 مليارات دينار تونسي؛ لتغطي بذلك خدمة الدين الخارجي لهذا العام.

جفاف مستمر

من جانبه، يرى جتاري بلحسن، المحلل التونسي، أن المعطيات الحالية تشير إلى استمرار تأثر قطاع الفلاحة بموجة الجفاف الممتدة، ما يعني عاما آخرا صعبا على الفلاحين التونسيين، موضحا أن آخر 8 سنوات مرت على البلاد كانت سنوات جفاف عدا عام 2018 / 2019 الذي امتلأت خلاله السدود بالمياه خلافا لباقي الأعوام.

ولفت بلحسن، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، إلى أن مجهودات الدولة التونسية لمضاعفة محطات تحلية مياه البحر؛ لمواجهة أزمة الجفاف، يجب أن يرافقها كذلك ترشيد استهلاك المياه؛ لتجنب هدرها ضمن شبكة المياه المنزلية أو القنوات الزراعية التي تهدر سنويا ما يقارب ربع المياه.

وتعيش تونس حاليا فصل الخريف الأكثر جفافا منذ 55 عاما بسبب تراجع كميات الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وانحسار مستوى المياه في السدود. وأعلن معهد الرصد الجوي، قبل أيام، أن شهر أكتوبر الماضي لم يشهد تساقط الأمطار بقدرها المعهود خلال هذه الفترة من العام، موضحا أن ذلك يجعل العام الحالي من أكثر الأعوام جفافا التي مرت على البلاد منذ سنين طويلة.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com