خاص
خاصأعلام دول الخليج العربي

دول الخليج تعزز اقتصاداتها بعيدًا عن النفط

قامت دول الخليج خلال السنوات الأخيرة الماضية بوضع استراتيجيات اقتصادية بهدف تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط والغاز.

بدأت دول الخليج بالفعل في اتخاذ خطوات جدية لتعزيز الاقتصاد غير النفطي، حيث أطلقت العديد من المبادرات والبرامج في مختلف القطاعات، مثل الصناعة والسياحة والطاقة المتجددة.

ويواجه التحول إلى اقتصادات غير نفطية في دول الخليج تحديات كبيرة، تقدر هذه الدول على تذليلها، فهذا التحول يسهم في تقليل المخاطر الاقتصادية وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام وخلق فرص عمل جديدة.

نمو القطاعات غير النفطية

يقول خبير الاقتصاد والعلاقات الدولية، الدكتور إبراهيم جلال فضلون، إن "دول الخليج تحتاج إلى تطبيق حزمة شاملة من السياسات الاقتصادية التي تلبي طموحاتها وتحدياتها، لمجابهة الصدمات الاقتصادية وتقلبات الأسواق في المدى القصير، ومعالجة المعضلات المستقبلية على المدى الطويل، وتغيير النظرة العالمية من كونها مجرد منطقة منتجة للنفط إلى دول اقتصادية قوية ومتنوعة".

وأشار في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، إلى أن "نمو القطاعات غير النفطية في دول الخليج يسير بقوة، مدعوماً بالطلب المحلي المتزايد، وتدفقات رأس المال، والإصلاحات الاقتصادية، على الرغم من كل التحديات العالمية".

وفي ظل حالة عدم اليقين المسيطرة عالميًّا، يتوقع الخبير الاقتصادي أن ينخفض إنتاج النفط في المنطقة على المدى القريب، لاعتمادها بنحو كبير على قرارات تحالف أوبك+.

ولا تزال الأرصدة المالية العامة لدول الخليج قوية، ما يدل على نجاح جهود التنويع الاقتصادي، ويظهر ذلك في أربعة مجالات رئيسة: الصادرات، ونمو حصة القطاع الخاص من الناتج المحلي الإجمالي إضافة إلى الإيرادات الحكومية، وانخفاض اعتماد الشركات الخاصة على العمال الأجانب، وانخفاض اعتماد المواطنين على التوظيف في القطاع العام، وفق "فضلون".

نمو القطاعات غير النفطية في دول الخليج يسير بقوة مدعوماً بالطلب المحلي المتزايد وتدفقات رأس المال والإصلاحات الاقتصادية
إبراهيم جلال فضلون - خبير الاقتصاد والعلاقات الدولية

وأشار إلى أن "دول الخليج تمضي قدمًا في جهود التنويع الاقتصادي وتعزيز التقدم الاجتماعي، ما يعكس النمو المستدام في عام 2022، واستمر حتى في ظل الانكماش الاقتصادي الناتج عن خفض إنتاج النفط في عام 2023".

ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو الإنفاق القياسي على المشاريع، حيث تم منح بنهاية نوفمبر الماضي 1268 عقدًا بقيمة 178.6 مليار دولار في المنطقة، وهو رقم قياسي فاق الرقم السابق البالغ 173.5 مليار دولار المسجل في عام 2014.

ومن المتوقع أن يتجاوز إجمالي عام 2023 مستويات 185 مليار دولار وقد يصل إلى 190 مليار دولار، وفق تقدير "فضلون".

وشهدت الإمارات، بحسب الخبير الاقتصادي، طفرة في النشاط الاقتصادي، حيث بلغ إجمالي الإنفاق على المشاريع 68.4 مليار دولار حتى الآن، وهو رقم قياسي فاق الرقم السابق البالغ 48 مليار دولار المسجل في عام 2014، وارتفع هذا الرقم بنحو كبير عن العام الماضي، الذي بلغ 27.1 مليار دولار.

وأشار الخبير إلى أكبر صفقة غير نفطية في الإمارات، وهي عقد بقيمة 2.1 مليار دولار لبناء منتجع "وين" للألعاب في رأس الخيمة، تليها مشروع متنزه الملك سلمان بالرياض المقدر بملياري دولار.

ويتوقع أن يستمر الزخم الحالي في إنفاق دول الخليج على المشاريع حتى عام 2024 وما بعده، مشيرًا إلى أن هناك عقودًا بقيمة 105 مليارات دولار في السوق قيد تقييم العطاءات، بالإضافة إلى صفقات أخرى بقيمة 130 مليار دولار في مراحل التأهيل.

ويشير هذا إلى أن دول الخليج ملتزمة بتنويع اقتصاداتها وتعزيز النمو المستدام، ويُعزى التحسن الكبير في الموازين الخارجية لمجلس التعاون الخليجي على مدى السنوات الماضية إلى صادرات القطاع غير النفطي، وأولها قطاع الترفيه والسياحة.

وهذا يتطلب اهتمامًا وثيقًا من واضعي السياسات لزيادة تنويع الصادرات، ومع ذلك، تواجه دول الخليج ضغوطًا متزايدة لدفع الاستثمار في المجالات كافة، بما في ذلك الطاقات البديلة وتقليص مشروعات الوقود الأحفوري، وفق الخبير.

وتتمسك هذه الدول بخطط لتوسيع استثماراتها في الطاقة الأحفورية لضمان أمنها الطاقي واستقرارها الاقتصادي، قبل الخوض في أي مسار انتقالي نحو الطاقات الجديدة.

تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية

تشير مدير عام المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية، الدكتورة هدى الملاح، إلى أن "دول الخليج تتجه بقوة نحو تنويع اقتصاداتها، وهو ما يتضح في نمو القطاعات غير النفطية، مثل السياحة والمشروعات الصغيرة والمشروعات الداعمة لتمكين المرأة".

وتضيف، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، أن "هذا التطور الكبير في القطاعات غير النفطية أسهم في تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية مهمة، منها زيادة الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة فرص العمل للشباب والقضاء على البطالة".

وبشكل عام، يُمثّل هذا التطور الكبير في القطاعات غير النفطية تغييرًا كبيرًا في المشهد الخليجي، حيث يُسهم في تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين الأوضاع الاجتماعية في المنطقة.

وأضافت الخبيرة أن "التنوع الاقتصادي الذي تتبناه دول الخليج، يعكس إدراكًا بأهمية التحول عن الاعتماد الكلي على الوقود الأحفوري، في ظل ظاهرة التغير المناخي، التي تُمثّل تهديدًا كبيرًا للكوكب بأسره".

وأوضحت أن "هذا التحول يُمثّل مواكبة مهمة من دول الخليج مع الأوضاع الدولية، حيث تتجه دول العالم بنحو متزايد إلى الطاقة المتجددة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح".

ولفتت إلى أن "دول الخليج تبنت خططًا طموحة لتنويع اقتصاداتها وتعزيز النمو المستدام، وهي تركز على تقديم التسهيلات للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تُعد من أهم المحركات للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل".

وفي أحدث تقرير له عن آخر المستجدات الاقتصادية لدول الخليج، كشف البنك الدولي أن "القطاعات غير النفطية ستكون قاطرة النمو الاقتصادي في منطقة الخليج، لكن جهود التنويع الاقتصادي تتطلب إصلاحات إضافية".

ويتوقع البنك الدولي، في تقريره، أن تنمو اقتصادات دول المجلس بنسبة 1% في عام 2023، قبل أن تعاود الارتفاع إلى 3.6% و3.7% في عامي 2024 و2025 على التوالي. هذا النمو المتصاعد لدول المجلس يعود لعدة عوامل، منها الاستهلاك الخاص المستدام والاستثمارات الاستراتيجية الثابتة والسياسة المالية التيسيرية، وأشار التقرير إلى أن جهود التنويع الاقتصادي في دول المجلس بدأت تؤتي ثمارها، مع استمرار الحاجة إلى مزيد من الإصلاحات.

التطور الكبير في القطاعات غير النفطية أسهم في تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية مهمة في الخليج
هدى الملاح - مدير عام المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية
تحقيق التنمية المستدامة

ومن جانبها، ترى الخبيرة الاقتصادية، الدكتورة حنان رمسيس، أن "التحول الاقتصادي غير النفطي يُعد أحد أهم الركائز لتحقيق التنمية المستدامة، لكنه يتطلب إدارة قوية للاقتصاد، والعمل على زيادة الصادرات غير النفطية، وتعزيز الابتكار والتكنولوجيا، وتطوير البنية التحتية، وتنمية رأس المال البشري".

وفي تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، حذّرت الخبيرة من خطورة التقلبات الكبيرة في أسواق النفط ودخول دول أخرى إلى الأسواق للتلاعب بالأسعار، مشيرة إلى أن ذلك يُمثّل خطرًا بالغًا على دول الخليج التي تعتمد على النفط مصدرًا رئيسًا للاقتصاد".

وأشارت إلى أن "السياسات الأميركية باستخدام النفط الفنزويلي للتحكم في الأسواق، من خلال الاعتماد عليه في بعض الأحيان ومنعه من التداول في أحيان أخرى، يعد مثالًا على هذه المخاطر".

ورغم أن الحاجة إلى النفط ومصادر الطاقة تبدو مُلحة في ظل الأزمات الراهنة، سواء في أوكرانيا أو غزة، فإن المكاسب المرتبطة بالقطاع لن تكون كما يتوقع البعض في ظل التدخل الأميركي، وفق "رمسيس".

وعليه، فإن التحول إلى الاقتصاد غير النفطي يُمثّل خيارًا استراتيجيًّا مهمًا للحفاظ على وتيرة النمو الاقتصادي.

ورغم تراجع إنتاج النفط في المنطقة خلال معظم عام 2023، فإن القطاعات غير النفطية شهدت تحسنًا ملحوظًا في أدائها، بفضل جهود التنويع الاقتصادي وتطوير هذه القطاعات، وفق الباحث الاقتصادي، خالد محمود.

وأوضح، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، أن "هذا الأمر أسهم بنحو كبير في استحداث فرص عمل في مختلف القطاعات والمناطق الجغرافية داخل دول مجلس التعاون".

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com