تستعد الطاقة النووية لانتعاش كبير، إذ من المحتمل أن تمثل 17% من توليد الكهرباء على مستوى العالم بحلول عام 2050. ويعود هذا النمو المتوقع إلى أهداف صافي الانبعاثات الصفرية الطموحة، والاحتياجات التكنولوجية، وخيارات التمويل المتطورة، بحسب تقرير لمؤسسة "مورغان ستانلي" للخدمات المالية.
حدد مؤتمر الأطراف للمناخ التابع للأمم المتحدة (COP28) والذي استضافته دولة الإمارات في إكسبو دبي، هدفاً لمضاعفة القدرة النووية ثلاث مرات بحلول عام 2050، رغم أن "مورغان ستانلي" تتوقع مضاعفة القدرة النووية العالمية مرتين فقط بحلول العام نفسه.
ومن المتوقع أن تمول الإعانات الحكومية والحوافز الضريبية والاستثمارات من أسواق السندات هذا النمو. كما يمكن أن تظهر فرص استثمارية في تعدين اليورانيوم، وتوليد الطاقة النووية، وتأسيس البنية التحتية، وإدارة النفايات.
ووفقاً لأبحاث المؤسسة، يمكن للطاقة النووية أن تجتذب 1.5 تريليون دولار من الاستثمارات حتى عام 2050، وذلك مع تزايد إلحاح بحث العالم عن مصادر وقود أنظف وأكثر موثوقية.
ويلاحظ تيم تشان، رئيس أبحاث الاستدامة في "مورغان ستانلي" لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، أنه وبعد عقد من التراجع، بدأت الطاقة النووية في التعافي؛ ما قد يفتح فرص الاستثمار. وأضاف: "من بين العوامل الرئيسة التي تدفع الطلب على الطاقة النووية هو صعود الذكاء الاصطناعي المولد للطاقة المكثفة، وتعهُّد العديد من البلدان بمضاعفة القدرة النووية بحلول عام 2050".
توقع التقرير أن ترتفع نسبة مساهمة الطاقة النووية في إمدادات الكهرباء العالمية من 10% الحالية إلى 17% على مدى العقد ونصف العقد المقبلين، وهو ما سيقدم فرصاً في قطاعات تعدين اليورانيوم وتوليد الطاقة النووية والبنية الأساسية وإدارة النفايات.
لسنوات عديدة، واجهت الصناعة النووية تحديات، منها التكاليف المرتفعة، وفترات البناء الطويلة، ومخاوف بشأن السلامة والنفايات، وقد أدى حادث فوكوشيما في عام 2010 إلى تفاقم المخاوف العامة. ومع ذلك، في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين عام 2023، تعهدت أكثر من 20 دولة بإضافة 740 غيغاواط من القدرة النووية بحلول عام 2050، مع الاعتراف بدور الطاقة النووية في الوصول إلى انبعاثات كربونية صافية صفرية.
ويسلط تشان الضوء على الهدف الطموح المتمثل في 740 غيغاواط، مشيراً إلى أن الأمر استغرق العالم 70 عاماً لتحقيق 390 غيغاواط من القدرة النووية منذ ربط أول محطة للطاقة النووية بالشبكة في عام 1954. لذا، يتوقع تشان أن تتضاعف القدرة النووية الجديدة على الأرجح، مع دخول نحو 383.5 غيغاواط إلى الخدمة بحلول عام 2050، ولتحقيق هذه الأهداف سيتطلب الأمر تمويلاً كبيراً وجداول زمنية أقصر للبناء.
وأوضح التقرير أن الدعم الحكومي، بما في ذلك الإعانات في الولايات المتحدة والخطط الضريبية الجديدة في الاتحاد الأوروبي واليابان والصين، ستشكل جزءاً رئيساً من معادلة التمويل.
من منظور إقليمي، بحسب التقرير، من المتوقع أن تقود آسيا التوسع في الطاقة النووية، حيث تهدف الصين إلى زيادة حصتها النووية من 5% إلى 10% من إجمالي توليد الطاقة بحلول عام 2035، وإلى 18% بحلول عام 2060. وتهدف اليابان، التي تعيد تشغيل مفاعلاتها النووية المغلقة منذ فوكوشيما تدريجياً، إلى أن تشكل الطاقة النووية 20% من مزيج الطاقة بحلول عام 2030، بارتفاعٍ من 5.5% في عام 2020.
ومع ذلك، تتوقع "مورغان ستانلي" أن تبلغ الاستثمارات في الطاقة الجديدة 470 مليار دولار في الصين، و250 مليار دولار في الولايات المتحدة، و197 مليار دولار في الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2050، مع تقدير تكاليف الصيانة المستمرة بنحو 128 مليار دولار سنوياً.
التقرير أكد أنه من المتوقع أن تؤثر متطلبات الطاقة المتزايدة للذكاء الاصطناعي التوليدي، والتي من المتوقع أن تنمو 70% سنوياً، بشكل كبير على مراكز البيانات. وبحلول عام 2027، قد تساوي احتياجات الطاقة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي استهلاك إسبانيا بالكامل للطاقة في عام 2022. وستغذي هذه الطاقة العديد من مراكز البيانات، وهي المستودعات العملاقة حيث يتم تخزين الآلات والأجهزة الحاسوبية، التي تشهد زيادة في الطلب والاستثمار بشكل يتوافق مع طفرة الذكاء الاصطناعي.
أما الولايات المتحدة، حيث يُتوقع حدوث معظم النمو في مراكز البيانات، فتتمتع بقدرات كبيرة لتوسيع الطاقة النووية. في عام 2020، كانت البلاد تمتلك نحو 100 غيغاواط من القدرة النووية.
ومنذ أبريل 2024، هناك 10.5 غيغاواط فقط من القدرة النووية الجديدة المقترحة، بينما تحتاج البلاد إلى نحو 300 غيغاواط بحلول عام 2050 لتحقيق تعهداتها في مؤتمر المناخ. وقد علّق تشان قائلاً: "قد نشهد المزيد من الإعلانات من الولايات المتحدة بشأن زيادة القدرة النووية." وأضاف أن بناء محطات نووية ومراكز بيانات بالقرب من بعضها البعض سيساعد على تقليل الحاجة إلى نقل الطاقة، ويوفر طاقة مستمرة دون الحاجة إلى اتصالات خارجية.
تشكل المفاعلات المعيارية الصغيرة جزءاً ضئيلًا من حجم المفاعلات التقليدية، ويمكن تجميعها ونقلها في المصنع، ما يوفر قابلية التوسع والمرونة. ورغم تطوير نحو 80 تصميماً تجارياً للمفاعلات المعيارية الصغيرة حول العالم، فإن الصين وروسيا واليابان فقط هي التي تمتلك مفاعلات منها قيد التشغيل.
وفي الوقت نفسه، يُعتبر الاندماج النووي بديلاً أكثر أماناً مقارنة بالانشطار النووي، حيث لا يمكن استخدام هذه التكنولوجيا لتطوير أسلحة نووية. ومع ذلك، لا يزال الاندماج النووي بعيد المنال، ورغم التقدم مؤخراً، فإن تحقيق تسويق تجاري لهذه التقنية لا يزال غير مؤكد. ومع ذلك، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تسريع البحث من خلال تحسين عمليات المحاكاة.
من المؤكد أن إمكانات نمو الطاقة النووية ترتبط بالتكاليف المرتفعة والأوقات الطويلة لتحقيقها ونقص العمالة، بالإضافة إلى قدرة عمال مناجم اليورانيوم على تلبية الطلب المتزايد.
وأشارت إيمي غوير، خبيرة السلع الأساسية في مورغان ستانلي، إلى وجود كمية كبيرة من العرض الخامل، الناتج عن عقد من انخفاض الأسعار والتقلبات المستمرة في التوقعات حول مستقبل الطاقة النووية؛ ما أدى إلى تقليص عمليات التعدين.
كما إن ارتفاع أسعار اليورانيوم مؤخراً يدفع إلى إعادة تشغيل المناجم، لا سيما في الولايات المتحدة. ومع ذلك، تسلط غوير الضوء على المخاطر التي قد تعرقل تحقيق القدرة المطلوبة، خاصة في المناطق التي كان فيها الإنتاج متوقفًا لفترة طويلة، أو حيث قد يؤدي رد الفعل السلبي تجاه الطاقة النووية إلى تقليص كمية اليورانيوم المتاحة.
بالإضافة إلى ذلك، بحسب التقرير، تتطلب الطاقة النووية كميات كبيرة من المياه، ما يثير القلق في المناطق المعرضة للجفاف مع تفاقم آثار تغير المناخ. كما يبقى التخلص من النفايات المشعة مصدر قلق كبير لدى العامة والجماعات البيئية والهيئات التنظيمية.
ورغم التحديات المرتبطة بالتكاليف المرتفعة والتكنولوجيا غير المختبرة، يستعد المستثمرون لإمكانية نهضة الطاقة النووية، كما يتضح من تفوق أسهم الطاقة النووية على السوق الأوسع منذ مؤتمر (COP28) في ديسمبر.