وول ستريت
وول ستريتShutterstock المسطحات الملحية في بوليفيا

الصين.. إنفاق بالمليارات للسيطرة على الليثيوم عالمياً

سعي بكين يقودها لشراء حصص في المناجم في جميع أنحاء العالم النامي

سيطرت الشركات الصينية منذ فترة طويلة على تكرير الليثيوم عالمياً، لكن سعيها لتأمين حصة أكبر من الإمدادات العالمية من المعدن يقودها إلى شراء حصص في المناجم في جميع أنحاء العالم النامي، حيث تواجه مقاومة متزايدة في الدول الغربية.

وتعد هذه الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر، فالصين تنفق المليارات على حصص في دول لها تاريخ من عدم الاستقرار السياسي والمقاومة المحلية وقومية الموارد، وغالباً ما تواجه المشاريع الاحتجاجات والتأخيرات التنظيمية وحتى الإلغاء.

ومع ذلك، إذا نجحت الصين، فيمكنها تأمين الوصول إلى ثلث قدرة إنتاج مناجم الليثيوم في العالم المطلوبة بحلول عام 2025، وفقاً لتقديرات الصناعة.

الليثيوم، معدن فضي ناعم، هو أحد مكونات بطاريات الليثيوم أيون التي تشغل السيارات الكهربائية والهواتف الذكية، وبحلول نهاية العقد، قد يفوق الطلب العرض بنحو 300 ألف طن متري، وفقاً لشركة الأبحاث "بنشمارك مينرال إنتلجنس" Benchmark Mineral Intelligence، وهي شركة استشارية مقرها في لندن.

وتغذي حملة الصين لتأمين سيطرة أكبر على الليثيوم في العالم مخاوف من أن صناعة السيارات الكهربائية المزدهرة قد تكافح من أجل الوصول إلى الإمدادات مع تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة وحلفائها، ومنعت كندا وأستراليا، اللتين تمتلكان بعض أكبر احتياطيات الليثيوم في العالم، مؤخراً الاستثمارات الصينية الجديدة بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي.

وقالت سوزان زو، المحللة في "ريستاد إنرجي" Rystad Energy الاستشارية في النرويج، إن الصين، التي تمتلك 8% فقط من احتياطي الليثيوم في العالم، "ليس لديها خيار سوى المحاولة".

وفي العامين الماضيين، أنفقت الشركات الصينية 4.5 مليارات دولار لشراء حصص في ما يقرب من 20 منجماً لليثيوم، معظمها في أميركا اللاتينية وأفريقيا، وفقاً لبيانات جمعتها ريستاد وبنشمارك.

وتشمل هذه الاستثمارات في دول مثل مالي ونيجيريا، حيث يواجهان تهديدات أمنية من الإرهاب، وأماكن مثل زيمبابوي والمكسيك وتشيلي، التي حاولت السيطرة بشكل أكبر على مواردها المعدنية.

في كانون الأول (ديسمبر)، فرضت زمبابوي حظراً على تصدير الليثيوم الخام، مما أجبر الشركات الأجنبية فعلياً على معالجته هناك، وفي شباط / فبراير، وقعت حكومة المكسيك مرسوماً لتسريع تأميم احتياطيات البلاد من الليثيوم، وفي نيسان / أبريل، اقترح رئيس شيلي أن تقوم الشركات الخاصة بالدخول في شراكة مع شركة مملوكة للدولة إذا كانوا يريدون استخراج الليثيوم هناك.

تشيلي، إلى جانب بوليفيا والأرجنتين، تناقش أيضاً إنشاء كارتل الليثيوم، على غرار منظمة البلدان المصدرة للبترول.

بوليفيا، التي كرست تأميم مواردها المعدنية في دستورها، هي واحدة من الأماكن التي تستثمر فيها الصين بكثافة، وتمتلك البلاد حوالي خمس موارد الليثيوم في العالم، ولكن لديها تاريخ في إلغاء اتفاقيات الليثيوم مع الشركات الأجنبية.

بوتوسي، المنطقة التي توجد بها بعض المسطحات الملحية في بوليفيا، تعرضت للنهب من قبل الإمبراطورية الإسبانية بسبب الفضة، وكان العديد من السكان حذرين من الغرباء الذين يسعون لاستغلال مواردها.

في عام 2019، تم إبرام صفقة مع شركة صينية لاستخراج الليثيوم بعد الإطاحة بالرئيس آنذاك إيفو موراليس، الذي دعم المشروع، وفي نفس العام، ألغت بوليفيا اتفاقية أخرى بين شركة الليثيوم المملوكة للدولة ياسيمينتوس دي ليتيو البوليفية Yacimientos de Litio Bolivi anos، أو YLB، وشركة ألمانية بعد احتجاجات مطولة من السكان المحليين الذين يطالبون بعائدات أعلى من أي مبيعات لاحقة من الليثيوم.

ومع ذلك، فإن الشركات الصينية تمضي قدماً في مشاريع جديدة هناك، وقالت شركة كونتمبراري أمبيركس تكنولوجي المحدودة الصينية "CATL"، أكبر شركة لتصنيع البطاريات في العالم، في يناير / كانون الثاني إنها تقود تحالفاً في مشروع مشترك مع YLB البوليفية.

وانتقدت اللجنة المدنية لبوتوسي، وهو تحالف من النقابات والمنظمات الاجتماعية، بالفعل الافتقار إلى الشفافية حول عملية الاختيار، وطلبت بوليفيا من الشركات المشاركة كتابة اقتراح، لكن النتائج لم تكن متاحة للجمهور.

وقال خبراء الليثيوم إنه من غير المحتمل أن يصل المشروع المشترك إلى هدفه المتمثل في إنتاج 25000 طن متري من كربونات الليثيوم من فئة البطاريات بحلول عام 2024، وقال دييغو فون فاكانو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تكساس إيه آند إم والمستشار السابق للحكومة البوليفية، إن التعدين لن يبدأ حتى تمرر الحكومة البوليفية قانوناً جديداً يسمح للشركات الأجنبية بالمشاركة في استخراج الليثيوم.

وخلال اجتماع سنوي للمشرعين في مارس، انتقد الزعيم الصيني شي جين بينغ الطبيعة الفوضوية لاندفاع الصين بشأن الليثيوم وحث الشركات الصينية على فهم الأسواق التي تدخلها بشكل أفضل قبل الانتقال إليها.

وقال الزعيم شي لروبن زينغ، رئيس شركة “CATL”، وفقًا لوسائل الإعلام الحكومية الصينية: "يجب أن تتجنب السعي بمفردك، معتقداً أنك لا تقهر، لكي لا تصاب بالخيبة في النهاية".

وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها الشركات الصينية، إلا أنها تتمتع بمزايا تتفوق بها على نظيراتها الغربية، فعلى سبيل المثال CATL هي عملاق بطاريات، بدعم سياسي من بكين وشبكة قوية من الشركات على طول سلسلة التوريد.

وقال إميليو سوبيرون المحلل في شركة الاستشارات المعدنية إس إف إيه أكسفورد: "إذا كتب النجاح لأحد، فسيكون من نصيب الشركات الصينية".

وغالباً ما تفضل البلدان النامية الدخول في شراكة مع الشركات الصينية التي عادةً ما تشارك أيضاً في المعالجة أو التكرير أو صناعة البطاريات، وبالتالي فهي تهتم في المقام الأول بتأمين إمدادات مستقرة من المواد الخام بدلاً من مجرد استخراجها بتكلفة منخفضة وبيعها بسعر مرتفع، وقال محللون إن هذا بدوره يعني أن بإمكانهم ضمان تدفق ثابت من الدخل للدول المضيفة.

وحاولت الشركات الصينية أيضاً عرض استثماراتها كوسيلة لمساعدة هذه البلدان على التطور، وفي حفل التوقيع في يناير، قال الرئيس البوليفي لويس آرسي إن الكونسورتيوم الذي تقوده CATL سيستثمر أكثر من مليار دولار في المرحلة الأولى من المشروع، المخصصة لـ بناء البنية التحتية، بما في ذلك الطرق والطاقة.

ووعدت مجموعة "سينومين ريسورس غروب" Sinomine Resource Group، التي استحوذت على منجم لليثيوم في زيمبابوي مقابل 180 مليون دولار، بخلق أكثر من 1000 وظيفة جديدة بالإضافة إلى تحسين البنية التحتية المحلية مثل الكهرباء والطرق والجسور.

وفي الواقع، يُنظر إلى الشركات الصينية على أنهم شركاء استثماريون واضحون في زيمبابوي التي تعاني من ضائقة مالية، حسبما قال جي-إيه فان دير ليندي، كبير الاقتصاديين في أكسفورد إيكونوميكس أفريكا، إذ سحبت العديد من الدول الغربية أصولها من زيمبابوي التي فرضت عليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات لأكثر من عقدين من الزمن، لكن موقف الشركات الصينية كان أقل تشدداً تجاه هذه المخاوف.

ويمكن للوافدين الجدد الذين يتوقون إلى تأسيس أنفسهم في إفريقيا أن يعتمدوا أيضاً على شبكة راسخة من الشركات والعمال الصينيين النشطين بالفعل في المنطقة.

وقال سام هوساك العضو المنتدب لشركة التعدين الأسترالية "بروسبكت ريسورسيز" Prospect Resources، التي باعت حصتها البالغة 87% في منجم أركاديا لإنتاج الليثيوم في زيمبابوي إلى جيجيانغ هوايو كوبالت الصينية Zhejiang Huayou Cobalt مقابل 378 مليون دولار في أبريل 2022: "لقد أتقن الصينيون بيئة التشغيل في زيمبابوي، كما هو الحال في العديد من الدول الأفريقية الأخرى حيث تكثر الفرص".

وقد تكون المخاطر الحقيقية للشركات الصينية في الاندفاع للسيطرة على الليثيوم مالية، فقد أشار بعض المحللين إلى منتصف 2000، عندما كانت أسعار السلع ترتفع بشدة، وتباهت الشركات الصينية بإغلاق الإمدادات طويلة الأجل من السلع مثل خام الحديد أو الألمنيوم، لكنها اضطرت إلى تخفيضها لاحقاً مع تراجع الأسعار مرة أخرى.

وقال غابرييل ويلداو العضو المنتدب في "تينيو هولدينغز" Teneo للاتصالات والاستشارات: "عقلية مماثلة تسود الآن مناقشات الساسة حول المعادن الهامة، مما قد يمهد الطريق لجولة أخرى من الاستثمارات المشكوك فيها".

ومدفوعة بزيادة الطلب على السيارات الكهربائية في الصين، نمت أسعار الليثيوم بأكثر من 500% في العامين الماضيين، لكنها تراجعت مرة أخرى هذا العام إلى أقل من نصف قيمتها القياسية.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com