مسار إجباري.. اقتصادات أفريقيا تتجه للطاقة النظيفة
ديون وتغيرات جيوسياسية وفقر.. ثلاثية تثقل كاهل الاقتصادات الأفريقية الكبرى في الفترة الراهنة، وتدفعها قسرا إلى التخلي عن الوقود الأحفوري، والتوجه إلى مصادر الطاقة النظيفة، خاصة الطاقة الشمسية كمصدر للكهرباء، والسبب هو تكلفة النفط المرتفعة.
ومن المتوقع أن يرتفع سوق الطاقة المتجددة العالمي من 971.65 مليار دولار في عام 2022، إلى 2 تريليون دولار في عام 2030، وفقا لموقع "ستاتيستا" الإحصائي.
وتبلغ تكلفة خلية الألواح الشمسية ما بين 4500 دولار إلى 36000 دولار اعتمادًا على النوع والطراز، وفقا لمجلة "فوربس" الأميركية، لكنها توفر مصدرا مستداما للطاقة.
في المقابل، أسعار النفط متغيرة وترتفع كلما تأزمت الأوضاع الجيوسياسية العالمية، إذ تسجل أسعار النفط 80.89 دولارا أميركي للبرميل للعقود الآجلة لخام برنت، كما سجلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 76.63 دولارا للبرميل، في ظل التوترات الحالية.
وحول ما إذا كانت الألواح الشمسية أقل تكلفة من استخدام الوقود الأحفوري، قال الدكتور فريمان مونيسي ماتيكو من جامعة ويتواترسراند جوهانسبرغ، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، إن ذلك "يعتمد على نوع الألواح الشمسية، والحجم الذي سيتم استخدامه أيضًا".
أفريقيا تتجه للطاقة النظيفة
في نيجيريا، على سبيل المثال، أدى إلغاء دعم الوقود في مايو 2023 إلى ارتفاع الأسعار 3 أضعاف تقريبا، مما جعل المولدات التي تعمل بالديزل والبنزين والتي تضيء معظم المنازل والشركات غير متاحة للكثيرين، في بلد يزيد عدد سكانه عن 200 مليون نسمة ولا يملك سوى القليل من الكهرباء، وفقا لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية.
كما ظلت أكبر مصفاة للنفط في أفريقيا "دانجوتي" في نيجيريا، غير قادرة على الإنتاج المكثف، على الرغم من إبرامها صفقة لاستقبال 6 ملايين برميل من النفط الخام ابتداء من ديسمبر.
وتعني هذه الصفقة أن النشاط التجاري للمصفاة على وشك البدء، لكن المنشأة على بعد عدة أشهر من إنتاج الوقود على نطاق واسع، وفقا لما ذكره محللون يتابعون تطورها للوكالة الأميركية.
في المقابل، يستعد موردو ألواح الطاقة الشمسية لبيعها في السوق النيجيري، بعد سنوات من تداولها في أوساط الأثرياء فقط. إذ توقع باحثو مؤسسة "بلومبيرغ إن إيه إف" البحثية، أن يرتفع معدل استخدام هذه التكنولوجيا لأكثر من 7 أضعاف بحلول عام 2030، بعد إلغاء دعم الوقود.
قفزة جنوب أفريقيا
في موقع آخر من القارة السمراء، تعاني جنوب أفريقيا من انقطاعات في الكهرباء منذ عام 2008. وخلال العام الماضي، كان انقطاع التيار الكهربائي في كثير من الأحيان يصل لأكثر من 10 ساعات يوميًا، وبالتالي بدأت حالة التردد في الانتقال لمصادر الطاقة النظيفة تنتهي، وهذا يقود لطفرة في الطاقة الشمسية.
لذلك، ارتفع إجمالي واردات جنوب أفريقيا من الألواح الكهروضوئية وبطاريات الليثيوم أيون والعاكسات إلى نحو 2.5 مليار دولار خلال النصف الأول من هذا العام، مقارنة بـ 1.7 مليار دولار لعام 2022 بأكمله، ما يعكس تحولا تدريجيا لمصادر الطاقة المتجددة.
أسباب التغيير
تتنوع أسباب القفز من قارب الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة في العالم، لكن يبقى أبرزها الصعوبات الاقتصادية التي تعوق توفير الوقود الأحفوري للمستهلكين في دول القارة الأفريقية.
إذ نتج عن تباطؤ الاقتصادات العالمية، إثقال كاهل الدول النامية بأعباء ديون لا يمكن تحملها، مع نقص في السيولة الدولارية، وبالتالي أجبرت بعض الدول على خفض قيمة عملاتها بقدر حاد، ورفع الدعم عن المحروقات، وفق بلومبيرغ.
لكن هناك عوامل أخرى للتحول للطاقة المتجددة، مثل مكافحة التغير المناخي، فالعام الحالي وفقا للتقديرات المناخية هو الأكثر سخونة على الإطلاق، حيث شهد 99% من سكان العالم حرارة أعلى من المتوسط، مع متوسط درجات حرارة منذ نوفمبر 2022، أعلى بـ1.32 درجة مئوية من مستويات ما قبل الصناعة، وفقًا لبلومبيرغ.
وأدت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري إلى تفاقم الظروف المناخية القاسية؛ مثل الجفاف، والعواصف، وحرائق الغابات، والفيضانات، وموجات الحر، وارتفاع حاد في معدلات دخول المستشفيات عبر العالم.
طريق طويل
وفي حديث لـ"إرم الاقتصادية"، قال الدكتور فريمان مونيسي ماتيكو من جامعة ويتواترسراند جوهانسبرغ، إن بعض الاقتصادات في أفريقيا تواجه إمدادات طاقة غير منتظمة، دفعت بعض الجهات الفاعلة في القطاع الخاص إلى التحول للطاقة النظيفة لتجنب توقف العمل وخسائر الإنتاج، وذلك لضمان الاستمرار في العمل واكتساب ميزة تنافسية.
لكنه أشار إلى أن "الانتقال إلى الطاقة النظيفة في أفريقيا يتطلب موارد مالية وموارد غير مالية، مثل خبراء الطاقة المتجددة المهرة، فضلا عن سياسات قوية لدعم هذا التوجه.
وتابع ماتيكو: "قد تكون الرحلة طويلة حتى تستخدم أفريقيا الطاقة النظيفة لأن البلدان تعتمد على الفحم وغيره من مصادر الطاقة، كما أن الافتقار إلى القدرة على التحول إلى الطاقة المتجددة هو حجر عثرة آخر".
وأكمل: "إيقاف الوقود الأحفوري عملية طويلة ويمكن أن تكون مكلفة للمجتمع"، مشيرا بذلك لإمكانية فقدان مواطنين للوظائف في حال تحول الاقتصاد بعيدا عن الوقود الأحفوري.
كما لفت إلى أن "معظم معدات الطاقة المتجددة تصنع خارج أفريقيا، ولا سيما توربينات الرياح؛ وبالتالي، تحتاج الاقتصادات الأفريقية إلى الانخراط في ذلك لخفض تكاليف الاستيراد المرتفعة، وضمان تطوير الصناعة التكنولوجية في أفريقيا، مما سيؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة والحد من الفقر".
وشدد ماتيكو على أن "الاقتصادات الأفريقية تحتاج إلى الحد من الفساد، لأنه، وفي العديد من المرات، لا تؤتي مشاريع الطاقة المتجددة ثمارها بسبب إساءة استخدام الأموال".