كيف يؤثر التخفيض الطوعي للنفط على الاقتصاد العالمي؟

تشهد أسعار النفط منذ العام الماضي 2022 تقلبات عدة إثر الأحداث العالمية المتسارعة على غرار الحرب الروسية الأوكرانية والتوترات في منطقة الشرق الأوسط، ما دفع منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" إلى التدخل لضبط الأسعار.

وأعلنت "أوبك" أن مجموعة من دول المنظمة وحلفائها "أوبك بلس" ستخفض إنتاج النفط طوعًا في الربع الأول من عام 2024 بمقدار 2.2 مليون برميل يوميًا للحفاظ على استقرار سوق النفط.

ووصل متوسط سعر خام برنت إلى نحو 80 دولارًا للبرميل خلال العام الجاري 2023؛ إذ تأثرت أسعار النفط بقوة الدولار، وقوة الإنتاج من خارج أوبك، على الرغم من وصول الطلب إلى أعلى مستوى له على الإطلاق بأكثر من 100 مليون برميل يوميًا.

وتعليقًا على ذلك، يرى الخبير الاقتصادي المصري، الدكتور كريم العمدة، أن هناك اتفاقًا بين دول "أوبك" و"أوبك بلس"، لتطبيق خفض طوعي وليس إجباريًا لإمدادات النفط، نظرًا لانخفاض الطلب العالمي على النفط، وبالتالي تستهدف من خلاله الحفاظ على أسعار النفط عند سعر 80 إلى 85 دولارًا للبرميل.

السعودية والإمارات تقودان الخفض الطوعي للأسعار

وقال العمدة، في تصريحات خاصة لـ"إرم اقتصادية"، إن المملكة العربية السعودية خفضت إمدادات النفط منذ يوليو/تموز 2023، وأعلنت استمرار الخفض الطوعي في الفترة المقبلة، مشيرًا إلى أن هناك أكثر من دولة اتبعت المسار نفسه؛ منها الإمارات والعراق والجزائر، استنادًا إلى الطلب الضعيف على البترول الذي قد يواجه مخاطر الانهيار من جراء ذلك.

ويأتي هذا الانخفاض الطوعي نتيجة ما أعلنته وكالة الطاقة الدولية بشأن تباطؤ النمو والطلب على النفط في 2024، بعد توقعات التوسع في استخدام وسائل النقل الكهربائية والصديقة للبيئة، وفق تقديرات العمدة، الذي توقع أنه إذا زاد الطلب ستتراجع الدول عن تخفيض النفط مرة أخرى.

وأعلنت السعودية، أواخر الشهر الماضي، تمديد خفضها الطوعي لإنتاج النفط، البالغ مليون برميل يوميًا، حتى نهاية الربع الأول من عام 2024، وذلك بالتنسيق مع بعض الدول المشاركة في اتفاق "أوبك بلس".

ووفقًا لهذا القرار، فإن إنتاج المملكة سيكون نحو 9 ملايين برميل يوميًا، حتى نهاية شهر مارس من عام 2024.

وعن ردود فعل الأسواق العالمية على قرار الخفض الطوعي لإمدادات النفط، أشار العمدة إلى أن الولايات المتحدة لجأت إلى الضغط على الدول صاحبة القرار لتخفيض أسعار النفط إلى 60 و65 دولارًا للبرميل، في حين تحافظ الدول على الأسعار الحالية للنفط بالتزامن مع تخفيض الإمدادات.

توازن السوق

وبشأن أهمية قرار الخفض الطوعي لإمدادات النفط، أكد الخبير الاقتصادي المصري، الدكتور مصطفى بدرة، أن غرضه إحداث إعادة توازن لسوق البترول، بعد الانخفاض في الطلب الذي أعقب جائحة كورونا، وهو ما أثّر بانعكاسات سلبية على موازنات دول "أوبك بلس".

وفي تصريحاته لـ"إرم اقتصادية"، أوضح بدرة أن تخفيض إنتاج النفط من شأنه أن يحسّن سعر البترول، وفقًا لنظرية العرض والطلب، لذلك كانت هناك منهجية من دول "أوبك بلس" في التخفيض بغرض تثبيت أسعار البترول من 80 إلى 100 دولار.

من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة حلوان المصرية، الدكتور عمرو سليمان، إن سوق النفط العالمية تتعرض لظاهرة تسمى "احتكار القلة" أو سيطرة مجموعة من الكيانات على الإنتاج مثل مجموعتي "أوبك" و"أوبك بلس"، ومن ثم تتأثر السوق العالمية بهذه السيطرة النفطية.

ولفت سليمان، في تصريحات خاصة لـ"إرم اقتصادية"، إلى أن التحكم في تخفيض وزيادة أسعار النفط يتم عن طريق التحكم في الإنتاج، فعندما يتم تخفيض الإنتاج يقل العرض وهو ما يدفع الأسعار إلى الارتفاع، والعكس صحيح.

تأثير الخفض

وأضاف أستاذ الاقتصاد بجامعة حلوان أن الولايات المتحدة الأميركية والصين أكبر مستهلكين للنفط، فتخفيض إمدادات النفط طوعيًا يضر بمصالحهما ويؤدي إلى زيادة التضخم، لذلك تعارضان قرار مجموعة "أوبك" بشكل كبير.

وعن تأثير الخفض الطوعي لأسعار النفط على الدول المنتجة، أوضح سليمان أن سعر برميل النفط يمثل رقمًا شديد التأثير والحساسية للإنفاق العام بالمملكة العربية السعودية، أما روسيا فوضعها مختلف، إذ تنظر إلى الدوافع السياسية التي لها علاقة بالحرب في أوكرانيا، وبالتالي تعزيز ورفع سعر برميل النفط من قِبل موسكو يُثقل على الولايات المتحدة وأوروبا مع دخول فصل الشتاء.

أما فيما يتعلق بتأثير القرار على الدول المستوردة، يشير سليمان إلى أنه على المدى القريب لا تؤثر التخفيضات الطوعية للنفط، بشكل كبير على الولايات المتحدة والصين، نظرًا للمخزون المطمئن لديهما من البترول، موضحًا أن التأثير سيظهر خلال الشهور المقبلة.