شركات التكنولوجيا الكبرى كانت ربما القائدة هذه السنة في عمليات إعادة شراء أسهمها، هي ليست الوحيدة في المشهد، ففي يناير فقط من هذا العام أعلنت الشركات العامة المُدرجة في سوق نيويورك فقط عن عمليات إعادة شراء بلغت 132 مليار دولار، وهذا يمثل ثلاثة أضعاف العام الذي سبقه.
يعتقد بعض المحللين الاقتصاديين أن موجة عمليات إعادة الشراء هذه مسؤولة جزئياً عن الأداء الإيجابي لسوق الأسهم حتى الآن، هذه العمليات تشوه الصورة الحقيقية لأداء سهم الشركة، وتنقل صورة غير صحيحة للمستثمرين، ولكن بداية دعوني أشرح ما هي عملية إعادة شراء الأسهم؟
هي ببساطة أن تشتري شركة مجموعة من أسهمها من السوق، عملياً تزيل هذه الأسهم من التداول، فالشركة هنا لديها نقود إضافية وبدلاَ من أن تستثمرها في عملياتها أو تدفعها لحملة الأسهم كتوزيعات أو تنقص بها مقدار مديونيتها، تقرر الشركة شراء مجموعة من أسهمها من السوق، وهناك فوائد قصيرة وطويلة الأجل لذلك، فعندما تقوم الشركة بذلك فهذا يعني أن هناك مشتريا كبيرا في السوق للأسهم، وأن هناك طلباً قوياً عليه، فيرتفع سعر سهم الشركة، وهذا قد يحرم المساهمين من النقد الذي كان يمكن توزيعه كأرباح عليهم، إلا أنه يزيد من صافي ثرواتهم بارتفاع قيم الأسهم التي بحوزتهم، وقد يدفعهم ذلك إلى بيع بعض أسهمهم لإعادة توازن محافظهم.
ومن الناحية السلبية يتيح ذلك للشركة تضخيم الربحية بشكل مصطنع على الورق، فبما أن هناك الآن أسهما أقل في السوق، فصافي دخل الشركة مقسوماً على الأسهم المتاحة من بعد تقليل عددها من خلال إعادة الشراء، يجعل العائد لكل سهم يبدو أكثر، وإذا كنت الرئيس التنفيذي أو مجلس الإدارة فهذه وسيلة أيضاً لزيادة البونص أو المكافأة، مع العلم أنها ليست طريقة لخلق قيمة طويلة الأمد، بل هي مجرد لعبة أرقام ذكية على الورق.
كانت عمليات إعادة الشراء غير قانونية في الماضي في أغلب الدول وبالذات في الدول ذات الاقتصادات المتقدمة، أصبحت قانونية في الولايات المتحدة بداية في سنة 1983، ثم تم توسيعها لتشمل المزيد من الأنشطة المتعلقة بإعادة الشراء في السنوات اللاحقة، وتبعت بقية أسواق المال في العالم هذا التغيير.
الصين كانت تسمح فقط للشركات التي تنخفض قيمة أسهمها بأكثر من 25% بإعادة شراء أسهمها لحماية الاستثمار، نصف الشركات المدرجة في بورصات الولايات المتحدة تمارس عمليات إعادة الشراء، ولو تمعنت جيداً لوجدت أنها تلك الشركات الأغلى قيمة على الورق مقارنة بالشركات التي تحقق نجاحاً حقيقياً من أداء عملياتها.
وللعلم فأن شركة أبل وهي حبيبة سوق الأوراق المالية والشركة الأكثر "قيمة" في العالم، أعادت شراء أكثر من نصف ترليون دولار أي ما يعادل 585 مليار دولار من أسهما، ولنتذكر أن القيمة السوقية ليست إلا مقياسا لأسهم الشركة مضروبة في قيمة الأسهم في السوق.