الشركات والذكاء الاصطناعي.. تكلفة أقل وأرباح أعلى
أكد خبراء أن اتجاه الشركات لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في عملياتها سيزيد من ربحيتها خلال الأعوام المقبلة بنسبة تتجاوز ضعف الأرباح الحالية، مرجعين ذلك إلى انخفاض تكاليف استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مقارنة بتكلفة تشغيل العمالة البشرية، بالإضافة إلى دقة تشغيل تلك الأدوات وعملها بصفة دائمة، على عكس العمال العاديين الذين يتأثرون بالظروف المحيطة.
وتتسابق كبرى الشركات خلال السنوات الأخيرة نحو الاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي لمضاعفة أرباحها، خاصة بعدما أثار ظهور روبوت المحادثة "تشات جي بي تي" في نوفمبر 2022، والذي طورته شركة "OpenAI"، الاهتمام بالذكاء الاصطناعي والتغيّر المحتمل في الحياة اليومية للكثيرين بعدما اختلطت حياتهم بمثل هذه التقنيات.
اقتناص الأفضلية
تطبيق "شات جي بي تي" سلط الضوء على مفهوم الذكاء الاصطناعي، وقدراته المتعددة، وكيفية تهديده العديدَ من الوظائف الحالية. وعزز الإعلان عن وصول عدد مستخدمي محرك البحث "بينج" إلى 100 مليون مستخدم بفضل الذكاء الاصطناعي، من سعي العديد من الشركات لاقتناص فرصة الأسبقية في ولوج ذلك المجال الواعد، من أجل جني المزيد من الأرباح.
و"بينج" هو محرك بحث يستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي، طورته شركة مايكروسوفت، لتجعله ينتقي خيارات البحث بطريقة أسرع وأفضل وأدق.
وفي إطار سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي، كشف موقع "يوتيوب" مؤخراً عن مجموعة من أدوات الذكاء الاصطناعي التي يمكنها مساعدة أصحاب المحتوى في الوصول إلى الجماهير، ودعم انتشار المحتوى المرئي، الأمر الذي سيعزز الإعلانات لديهم، ويضاعف أرباحهم، وبالتالي سيزيد من ربحية يوتيوب نفسه.
قطار التطور
في هذا الصدد، يقول الدكتور مصطفى ثابت، مساعد عميد كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي بجامعة الفيوم المصرية، إن الشركات عليها اللحاق بقطار التطور التكنولوجي واستخدام الذكاء الاصطناعي.
وأضاف ثابت، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أن من يكتفي بالمشاهدة فقط راضيا بحجم أرباحه الحالية فلن يكون له وجود في المستقبل القريب، مشيرا إلى أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي يضاعف ربحية الشركات من خلال تقليل المصروفات في المقام الأول.
وأوضح أن المهام التي يقوم بها مجموعة من العمال ويحصلون مقابلها على رواتب عالية وخدمات أخرى، يستطيع الذكاء الاصطناعي تنفيذها بدقة عالية وبدون الحصول على هذه الأجور أو الخدمات.
ولفت ثابت إلى أن بعض الشركات لديها ما يسمى بـ "المهام الخطرة"، وتلك المهام تكون ربحيتها عالية جدا ولكن نسبة نجاحها قليلة، لذلك تعتمد الشركات على الذكاء الاصطناعي لتنفيذها بدقة.
وتابع: "الذكاء الاصطناعي أصبح مطلوبا بشدة من قبل المستهلكين، ونسبة ليست بالقليلة من القوى العاملة في القطاعات المختلفة أصبحت تعتمد على "شات جي بي تي" وما شابه من التقنيات، بعدما كان هناك تخوفات عديدة منها منذ عام واحد فقط".
تخوفات مشروعة
رغم تلك الإيجابيات إلا أن ثابت يرى أنه ما زال هناك تخوفات تتعلق باتخاذ القرار في المسائل الحاسمة، قائلا: "هذه الوظائف تحتاج إلى العامل البشري فقط لا غير، ولكن هذا لا يتعارض مع فكرة زيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي داخل الشركات في السنوات المقبلة".
ولفت إلى أن اعتماد الشركات على الذكاء الاصطناعي لزيادة أرباحها ليس جديدا، ولكن الجديد هو اعتماد المستهلكين عليه لجعل حياتهم أفضل وأسهل، مدللا على ذلك بأن "سيري" مساعد "أبل" الافتراضي كان من أول أدوات الذكاء الاصطناعي التي حققت لشركتها أرباحا طائلة، منذ 12 عاما تقريبا.
و"سيري" هو مساعد افتراضي يجيب عن أسئلة المستخدمين وينفذ المهام مع التكيف وفقا لاستخدامات وتفضيلات اللغة، اعتمادا على شبكة عصبية عميقة مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
وفي عام 2011 تمكنت "آبل" من بيع 4 ملايين هاتف "آيفون إس 4" عقب ثلاثة أيام من طرحه فقط، وكان ذلك بفضل "سيري" حسبما أعلنت الشركة آنذاك، فيما وصل عدد مستخدمي "سيري" في 2023، إلى أكثر من نصف مليار مستخدم لأجهزة أبل شهرياً.
تحسين المبيعات
من جانبه، قال المهندس عمرو صبحي، خبير أمن المعلومات، إن استخدام الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز بقدر كبير قدرة الشركة على زيادة الإيرادات من خلال عدة طرق.
وأوضح صبحي، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أن الطريقة الأولى هي تحسين توقعات المبيعات من خلال تحليل البيانات بدقة وسرعة، ما يُمكِّن رجال الأعمال من تحسين استراتيجيتهم التسويقية.
وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكنه إضافة ما بين 2.6 تريليون إلى 4.4 تريليونات دولار للأرباح العالمية للشركات سنويًا، وذلك استنادا على دراسة 63 حالة استخدام للذكاء الاصطناعي تمكنت من تحسين الإنتاجية.
ولفت إلى أن الطريقة الثانية هي المساعدة في زيادة الإيرادات من خلال اقتراح تحسينات في العمليات وتطوير المنتجات وتقديم الخدمات بطريقة تحسن استخدام الموارد، حيث إن الذكاء الاصطناعي يمكنه تسريع عمليات الأعمال، ما يتيح للشركات العمل بكفاءة وفعالية أكبر، فضلا عن المساعدة في استراتيجية التسعير؛ من خلال تحديد النقاط العمياء وتحسين استهداف العملاء الحاليين، وهو ما تعتمد عليه شركات مثل أمازون وأوبر وزارا.
نموذج يوتيوب
وضرب المهندس عمرو صبحي مثالا بموقع "يوتيوب"، إذ ساعد اعتماد الشركة على أدوات ذكاء اصطناعي في تمكين الموقع من زيادة وصول الفيديوهات بنسبة 54% وبتكلفة إنتاج أقل بنسبة 42% من التكلفة المعتادة.
وأضاف أن هناك أدوات تعمل على تبسيط خدمة الإعلانات الجديدة ليوتيوب من خلال السماح برفع أنواع مختلفة من الإعلانات لحملة إعلانية واحدة، ما يمكن أن يبسط عملية الإعلان للعلامات التجارية، مؤكدا أن هذه الطريقة زادت إمكانية الوصول بتكلفة أقل لكل ألف ظهور (CPM) مقارنةً بالإعلانات التقليدية ضمن البث المباشر، وهو ما يؤثر إيجابيا على أرباح الشركة.
ولفت صبحي إلى أنه على مدار العقد الماضي، قامت Google بدمج الذكاء الاصطناعي في حلولها الإعلانية، ليس فقط لتعزيز الإبداع، ولكن أيضًا لتوسيع نطاق الوصول وفتح إمكانيات إبداعية جديدة.