سجّلت الطروحات العامة الأولية (IPOs) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أعلى مستوى لها خلال النصف الأول من العام الجاري منذ عام 2008، وذلك رغم التراجع الحاد في إصدارات الأسهم والعوائد المصرفية، نتيجة توقّف عروض الأسهم الإضافية.
وبحسب مراجعة «مجموعة بورصة لندن» للاستثمار المصرفي العالمي للنصف الأول من عام 2025، والتي نقلها موقع (AGBI)، فقد طرحت 25 شركة أسهمها للاكتتاب العام خلال الأشهر الستة الأولى من العام، بزيادة شركتين مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ما أسفر عن جمع ما مجموعه 4.5 مليار دولار، أي بارتفاع سنوي نسبته 25%.
في المقابل، تراجع إجمالي إصدارات سوق رأس المال بالأسهم «ECM» في المنطقة بنسبة 57% إلى 7.6 مليار دولار، كما انخفض عدد الصفقات بنسبة 6% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وسجّلت الإصدارات الثانوية «follow-ons» ما قيمته 3.1 مليار دولار في الربع الأول، مدفوعة بشكل أساسي بطرح شركة «أدنوك للغاز» بقيمة 2.8 مليار دولار في فبراير. لكن اللافت أنه لم تُسجَّل أي إصدارات ثانوية خلال الربع الثاني، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك منذ عام 2019، ما أدى إلى تراجع الرسوم المصرفية المرتبطة بهذه الصفقات بنسبة 18% إلى 169.9 مليون دولار، وهو أدنى مستوى يتم تسجيله خلال عامين.
وعزَت رايتشل زيمبا، مؤسسة شركة «زيمبا إنسايتس» للتحليل الاقتصادي، هذا التباطؤ إلى عدة عوامل أبرزها: تراجع أسعار النفط، وارتفاع أسعار الفائدة العالمية، وتقلّص توزيعات الأرباح، بما في ذلك من شركة «أرامكو»، ما أدى إلى انخفاض السيولة المحلية والقدرة على استيعاب صفقات كبيرة.
قالت زيمبا لموقع (AGBI): «تراجع السيولة وعوائد السوق أضعف شهية المستثمرين تجاه الإصدارات الثانوية»، مضيفة أن «الرسوم مرشحة للبقاء تحت الضغط في ظل تصاعد المنافسة وضعف الأداء اللاحق للإصدارات».
من جانبه، أشار حسنين مالك، من شركة «تليمر» للبيانات التحليلية، إلى أن الصراعات الإقليمية والضغوط الجمركية ساهمت أيضاً في تأجيل بعض الطروحات، لكنه شدد على أن شهية المستثمرين ما زالت قوية، قائلاً: «لا يبدو أن هناك تراجعاً ملموساً في شهية المستثمرين تجاه هذه الصفقات».
واعتبر مالك أن الاتجاه المتزايد نحو الطروحات الخاصة من قبل شركات القطاع الخاص، بدلاً من الشركات الكبرى المملوكة للدولة، يُعد «علامة صحية للغاية»، حتى وإن أدى ذلك إلى صفقات أصغر حجماً.
تأثرت معنويات المستثمرين بحالة عدم اليقين التجاري وضعف أداء بعض الأسماء الكبيرة في قطاع المستهلكين مثل «لولو» و«طلبات» و«فلاي ناس»، بحسب أشيش مارواه، مدير ورئيس الاستثمار في شركة «نيوفيجن ويلث مانجمنت» لإدارة الثروات، الذي قال: «لا يزال المستثمرون المحليون يركزون على العقارات التقليدية والأسهم المرتبطة بالقطاع المصرفي».
وقال أكبر خان، الرئيس التنفيذي بالإنابة لشركة «الريان للاستثمار»، إن عام 2025 لم يشهد نفس الزخم في الصفقات الكبيرة بقيادة حكومية كما كان الحال في عام 2024، ويعزو ذلك جزئياً إلى تغيرات في أوضاع السوق.
أضاف أن الطروحات الصغيرة، لا سيما في السعودية، ساعدت البنوك ذات الحضور المحلي القوي على التقدّم في التصنيفات الإقليمية.
كان لتقييمات السوق دور أيضاً في إبطاء خطط الطرح، حيث أشار عبدالله الشارخ، المدير في شركة «كامكو إنفست» لإدارة الأصول، إلى أن «التقييمات تمثل أحد العوامل الأساسية التي دفعت عدداً من الشركات لتأجيل خطط الطرح»، موضحاً أن «السوق السعودية تتداول حالياً عند مضاعف ربحية تاريخي يبلغ 15 مرة، وهو ما لا يُعد جذاباً بما يكفي لدفع الشركات نحو جمع التمويل».
ومع تباطؤ الزخم العالمي في الطروحات، أفادت تقارير سابقة لموقع (AGBI) بأن بنوك الاستثمار بدأت في خفض أو التنازل عن رسومها للفوز بصفقات في منطقة الخليج.
وأظهرت بيانات منفصلة صادرة عن «المركز المالي الكويتي» أن عوائد الطروحات في الخليج انخفضت بنسبة 6% على أساس سنوي لتبلغ 3.4 مليار دولار، كانت السعودية مسؤولة عن 2.9 مليار دولار منها، أي نحو 85% من إجمالي عوائد دول مجلس التعاون، بما في ذلك طرح شركة «فلاي ناس» بقيمة 1.1 مليار دولار في سوق «تداول»، والذي يُعد أكبر طرح عام أولي في المنطقة هذا العام.
في المقابل، جمعت الإمارات 163 مليون دولار فقط من خلال طرح واحد في «سوق أبوظبي للأوراق المالية»، بانخفاض نسبته 88%.
وقال أحمد كمال، مدير المحافظ في شركة «أزيموت» التي تدير أصولاً بقيمة 110 مليارات دولار، إن التباطؤ في نشاط الطروحات بالإمارات يعكس تأخيرات أكثر من كونه توقفاً تاماً، مشيراً إلى أن الأولوية في بداية 2025 كانت للإصدارات الثانوية الكبيرة.
أضاف كمال أن الطروحات القادمة قد تشمل شركات مثل «أليك للهندسة والمقاولات» و«الشركة العربية للإنشاءات» و«دوبيزل»، بينما تدرس شركة «دبي القابضة» إدراج محفظة من المراكز التجارية والأصول العقارية التجارية.
فيما قال مارواه: «رغم أن الإمارات تتجاوز حجمها الفعلي في تأثيرها، فإن من الصعب تجاهل أن السعودية بطبيعتها سوق أكبر».