خلقت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، موجة تسريحات وتخفيضات إنفاق وتعطيل في سلاسل الإمداد في قطاع السيارات الأميركي.
إلينا موراليس، رئيسة شركة (SMT Automation) المتخصصة في تصنيع المعدات الصناعية الصغيرة في ولاية ميشيغان، كانت تستعد لعام مليء بالأشغال، فقد اشترت مبنى جديداً وعيّنت موظفين جدداً تمهيداً لتركيب مزيد من المعدات على خطوط تجميع السيارات، تلبيةً لطلب كبار صانعي السيارات وموردي القطع في الولايات المتحدة، والذين استفسروا منها إن كانت شركتها قادرة على تولي مشروعات جديدة.
لكن كل شيء تغيّر فجأة بعد فرض ترامب رسوماً جمركية جديدة، ومع تأجيل الشركات طرح نماذج جديدة، بدأت الشركات الصغيرة مثل (SMT) تتكبد الخسائر، وتقول موراليس إن إيرادات شركتها انخفضت بنسبة 40% خلال الربع الأول من العام، واضطرت لتسريح 8 موظفين، ليصبح إجمالي عدد العاملين 45 فقط، وأوضحت أن معظم أعمال الشركة ترتبط بقطاع السيارات.
وتصنع شركة (SMT) معدات مؤتمتة لخطوط إنتاج السيارات وقطع الغيار، لكن عملاءها، بدلاً من طلب أدوات لتصنيع نماذج مستقبلية، بدؤوا بتجميد استثماراتهم في انتظار ما ستؤول إليه سياسات ترامب التجارية.
تُسلّط هذه القصة الضوء على مدى هشاشة سلاسل التوريد الصناعية في الولايات المتحدة أمام التقلبات السريعة في السياسات الصناعية.
قرارات ترامب المتغيرة بشأن التجارة والرسوم أربكت خطط الشركات الموردة، كما أن قراراته الأخرى، مثل التراجع عن حوافز الطاقة النظيفة والمركبات الكهربائية، تركت المورّدين يواجهون خسائر مالية واضطرابات هيكلية.
يراهن ترامب على أن الألم سيكون مؤقتاً، وأن الرسوم ستدفع الشركات للاستثمار محلياً كما فعلت جنرال موتورز التي أعلنت ضخ 4 مليارات دولار لإضافة خطوط إنتاج وتوظيف خلال العامين المقبلين، وقد تستفيد الشركات الصغيرة من هذه الخطوات إذا استطاعت الصمود.
يُذكر أن صناعة السيارات في أميركا تطورت عبر سلسلة توريد عابرة للحدود بعد توقيع اتفاق «نافتا» في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون عام 1993، حيث تشكلت منظومة اقتصادية متوازنة من تدفقات المعادن والمركبات والقطع بين الدول، واليوم تواجه الشركات المصنعة معضلة تحمّل تكلفة الرسوم أو إعادة توطين الإنتاج.
وكان لذلك أثره، إذ أعلنت شركة (Marelli Holdings) الموردة لشركتي نيسان وستيلانتس إفلاسها تحت الفصل 11 هذا الشهر، مشيرة إلى أن الرسوم الجمركية كانت القشة التي قصمت ظهرها، رغم معاناتها أصلاً من تراجع الإيرادات وإدارة الديون.
التقلبات المستمرة في الرسوم الأميركية جعلت من الصعب على شركات السيارات والموردين التخطيط والاستثمار، ويقول خبراء إن هذا الوضع مرشح للاستمرار طالما بقيت السياسة الجمركية غير واضحة، وقد صرّح ترامب في 12 يونيو بأنه ربما يرفع الرسوم مجدداً على السيارات.
من جانبه، قال المحامي دان ستاركي، الذي يعمل مع موردي قطع الغيار في ديترويت: «إذا كانت الرسوم مرتفعة، فنعرف كيف نتصرف، وإذا كانت منخفضة، نتصرف بطريقة أخرى، لكن الآن كل شيء مجمّد، ولا أحد يوظف أحداً».
قلّصت الشركات الكبرى إنفاقها الاستثماري في ظل ترقب مستقبل الرسوم وسياسات ترامب، ووفقاً لبيانات جمعتها «بلومبرغ»، خفضت 220 شركة من «فورتشن 500» إنفاقها الرأسمالي في الربع الأول من العام، شركات الصناعة تحديداً واجهت ضغوطاً بفعل ارتفاع تكاليف المواد والغموض التجاري.
جنرال موتورز خفّضت إنفاقها الاستثماري بنسبة 33% في الربع الأول، رغم تأكيدها أن الاستثمار سيعود لمساره لاحقاً هذا العام، شركة Harley-Davidson قلّصت إنفاقها بنسبة مماثلة، بينما خفضت Magna الكندية – أحد أكبر موردي قطع الغيار عالمياً – إنفاقها على الأصول الثابتة بنسبة 46%، أما الشركة الألمانية العملاقة (Continental AG)، فخفضت الإنفاق بأكثر من 10%.
وقال الرئيس التنفيذي لماجنا، سوامي كوتاجيري، في مقابلة بشهر أبريل، إن شركات السيارات تؤجل بناء مصانع جديدة كانت مقررة لإنتاج نماذج خلال عامين، وأوضح أن الاستثمارات ستُستأنف حين يتضح الاتجاه العام، لكن هناك حذراً شديداً حالياً.
في خطوة لافتة الشهر الماضي، أوقفت جنرال موتورز مشروعاً بقيمة 55 مليون دولار لإنتاج خلايا وقود الهيدروجين بالتعاون مع (Piston Automotive)، وهي شركة مملوكة للاعب كرة السلة السابق فيني جونسون، كان المشروع سيوفر 144 وظيفة في ديترويت، لكن تراجع الطلب والحوافز الجمهورية قلص من جدواه.
بعض الشركات فضلت الانسحاب من السوق الأميركي بالكامل، مثل شركة (Lacroix Group) الفرنسية لتقنيات المعدات، التي أعلنت في مايو انسحابها من أميركا الشمالية رغم تشغيلها لأكثر من 1200 موظف في الولايات المتحدة والمكسيك، وتنوي الشركة إغلاق مصنعها في «غراند رابيدز» بولاية ميشيغان وتسريح 115 موظفاً في يوليو.
أدت حالة عدم اليقين أيضاً إلى فقدان آلاف الوظائف، حيث انخفض عدد العاملين في صناعة السيارات الأميركية بأكثر من 22 ألف وظيفة خلال عام واحد حتى مايو، وفقاً لمكتب إحصاءات العمل، وسجلت ميشيغان أعلى معدلات التسريح في البلاد في الأسبوع المنتهي في 24 مايو، مع فقدان 3259 وظيفة، معظمها في التصنيع.
بات التمويل يمثل أزمة لبعض الموردين، فمع انخفاض الإيرادات، بدأت البنوك تقلص خطوط الائتمان.
نيشانت ديكسيت، مؤسس شركة ناشئة تستخدم الذكاء الاصطناعي لمساعدة الموردين على الحصول على مدفوعاتهم، قال إنه يتلقى طلبات متزايدة لشراء الذمم المدينة.
أضاف: «البنوك بدأت تجف، ولم تعد تمنح قروضاً كما في السابق، والعقود تتأخر، لذا يبحث الناس عن بدائل».
وأصدر ترامب أمراً تنفيذياً يقيّد تمويل «صندوق المؤسسات المالية المجتمعية»، الذي يدعم المشاريع الصغيرة في المناطق الريفية والحضرية، ما ترك الموردين الصغار يبحثون عن مصادر تمويل بديلة، وفقاً لبيل غرايس من مجلس تنمية الأقليات في ميشيغان.
فيما قالت موراليس إن بنك شركتها خفّض خط الائتمان، ورغم أنها ليست في أزمة سيولة حالياً، فإن أي مشروع جديد يتطلب تمويلاً مسبقاً، ورغم إمكانية بيع الذمم المدينة، فإنها تتجنب ذلك بسبب التكاليف العالية، وتختم بقولها: «نحتاج إلى بيئة مستقرة لنخطط بشكل سليم، هناك شركات أكبر مني تعاني، وآخر ما يفكر فيه الناس الآن هو شراء آلة جديدة».