رغم التقدم السريع للسيارات الكهربائية، لم تُطوَ بعد صفحة الهيدروجين كوقود بديل للمستقبل، فرغم التحديات المتكررة، لا تزال شركات كبرى تؤمن بأن الهيدروجين قادر على العودة إلى الواجهة، لا سيما من بوابة النقل الثقيل.
يقول كريس جاكسون، مؤسس شركة (Protium) البريطانية المتخصصة بالهيدروجين الأخضر، إن المشكلة ليست في التقنية، بل في توقيت التنفيذ، مشيراً إلى أن الهيدروجين يمر بالمسار نفسه الذي سلكته تقنيات مثل الطاقة الشمسية والبطاريات، لكن الجميع يريد القفز إلى المرحلة النهائية دون المرور بالمراحل الأولية الباهظة.
أما في (BMW)، فيوضح يورغن غولدنر، مدير مشاريع الهيدروجين، أن ما تحتاجه الصناعة فعلاً هو الوصول إلى حاجز أول 10,000 وحدة إنتاج، حيث تبدأ وفورات الحجم بتقليل التكاليف تدريجياً.
تتجه الأنظار نحو الشاحنات الثقيلة باعتبارها نقطة الانطلاق المنطقية لتقنيات الهيدروجين، نظراً لكلفة البنية التحتية المرتفعة مقارنة بمحطات شحن الكهرباء، فمحطة تزويد واحدة بالهيدروجين قادرة على خدمة ما يصل إلى 400 شاحنة يومياً، مقابل نحو 10 سيارات كهربائية لكل شاحن.
هذا التفاوت في القدرة التشغيلية دفع بعض الدول الأوروبية للتركيز على الشاحنات أولاً لبناء الطلب، على أمل أن يؤدي ذلك لاحقاً إلى تعزيز الثقة لدى المستهلكين وفتح الباب أمام سيارات الركاب.
ورغم أن شبكة محطات الهيدروجين لا تزال محدودة، تواصل شركات كبرى تطوير حلولها. هيونداي تجهز لإطلاق جيل جديد من سيارتها (Nexo)، و(BMW) تعمل على طراز جديد بخلايا الوقود بالشراكة مع تويوتا، يُتوقع أن يرى النور بحلول عام 2028.
أما تويوتا، فهي تمتلك اليوم أكثر من 28,000 سيارة (Mirai) تسير على الطرقات، من أصل نحو 75,000 مركبة بخلايا وقود حول العالم. في المقابل، لا تتجاوز أرقام المملكة المتحدة 230 سيارة و20 حافلة فقط.
تعكس أرقام بريطانيا حجم الفجوة بين الطموح والواقع:
رغم وجود خطتين لإنشاء شبكة تمتد من شمال بريطانيا إلى جنوبها، إلا أن التنفيذ لا يزال في مراحله الأولى، أما تزويد المحطات بالوقود، فيتم إما عبر نقله بالشاحنات، وإما إنتاجه مباشرة في الموقع، وهو خيار اقتصادي فقط عند الوصول لحجم استهلاك مرتفع.
بعيداً عن الطرقات، يستخدم الهيدروجين حالياً لتشغيل أنظمة الصوت في الفعاليات الكبرى أو إنارة الطرق السريعة، وهي تطبيقات تُساهم تدريجياً في خفض التكاليف وتعزيز الجاهزية التقنية، كما تطور تويوتا خراطيش هيدروجين محمولة، قد تغيّر مستقبل استهلاك الوقود بشكل جذري.
الهيدروجين لم يمت، لكنه في مرحلة إثبات الذات، فإذا استمرت الاستثمارات الحالية، ونجحت الشركات في تجاوز عقبة البنية التحتية، فقد تبدأ ملامح التحول الحقيقي من الشاحنات إلى السيارات الخاصة خلال السنوات القليلة المقبلة.
المعادلة لا تتعلق بالتقنية فقط، بل بالجرأة في صنع القرار والاستثمار طويل المدى. ومع تنامي الضغوط البيئية، يبقى الأمل معقوداً على أن يكون المستقبل متعدد الخيارات وليس كهربائياً بالكامل.