من أتمتة العمليات إلى تحسين سلاسل التوريد، تلجأ الشركات الألمانية إلى أدوات الذكاء الاصطناعي في مجموعة متزايدة من الوظائف. ومن المتوقع أن تجعل التكنولوجيا العمل أكثر كفاءة من خلال تقليل المهام المتكررة وتوجيه الموظفين نحو وظائف جديدة ذات قيمة أعلى.
توقف نمو الإنتاجية في ألمانيا، كما هو الحال في العديد من البلدان الصناعية الأخرى، في السنوات الأخيرة، وهو الاتجاه الذي أثار قلق الاقتصاديين بشأن العواقب المحتملة على المدى الطويل مع تقدم السكان في السن.
أثارت شعبية "تشات جي بي تي" من شركة "أوبن إيه آي" منذ إطلاقه في أواخر عام 2022، تليه "كوبايلوت" من "مايكروسوفت" و"جيميني" من "غوغل"، موجة من الاستثمارات من قبل الشركات على مستوى العالم.
وبعض الشركات في ألمانيا متفائلة بأن التكنولوجيا يمكن أن تعزز الإنتاجية.
يقول كارستن نوبل، الرئيس التنفيذي لشركة هنكل للسلع الاستهلاكية : "ربما يكون الذكاء الاصطناعي هو أهم تطور تكنولوجي وأكثر قوة تحويلية في العقود الأخيرة، حيث سيغير بشكل أساسي المهام والمؤهلات في جميع الصناعات".
قامت الشركة المصنعة لصابون (Dial) ومنعم الأقمشة (Snuggle)، بتدريب قوتها العاملة على الذكاء الاصطناعي، والذي تستخدمه لأتمتة العمليات في أعمال المواد اللاصقة الخاصة بها. في مرافق الإنتاج الخاصة بها، يقوم خادم سحابي مركزي بجمع ملايين البيانات من الآلات المجهزة بأجهزة استشعار، وتحليلها ومعالجتها بمساعدة الذكاء الاصطناعي لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة واكتشاف أي منتجات أو عبوات معيبة.
تدير "هنكل" عدداً من المشاريع التجريبية مع شركاء التكنولوجيا مثل "ساب" (SAP) و"أدوبي" (Adobe) و"مايكروسوفت". ومع ذلك يقول نوبل إنه يكاد يكون من المستحيل التنبؤ بكيفية استخدام الشركة الذكاء الاصطناعي في غضون خمس سنوات بالنظر إلى مدى سرعة تطور التكنولوجيا.
تقول إنجا فيشنر، كبيرة الاقتصاديين في "آي إن جي" (ING) في ألمانيا، إن العديد من الشركات الألمانية في مرحلة تجريبية فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي. وتضيف أن المخاوف المتعلقة بحماية البيانات ومهارات القوى العاملة ونقص حالات الاستخدام تعيقهم، وينتظر البعض ليروا ما سيفعله الآخرون قبل التصرف.
وفي ألمانيا، تبلغ نسبة الشركات التي تضم أكثر من 1000 موظف والتي تستخدم الذكاء الاصطناعي كجزء من عملياتها التجارية حوالي 32%، مع 44% أخرى تستكشف استخدامه، وفقاً لأحدث مؤشر عالمي لاعتماد الذكاء الاصطناعي من شركة "آي بي إم". وهذا يضع ألمانيا خلف الدول الرائدة في تبني مؤسسات الذكاء الاصطناعي - الهند والإمارات العربية المتحدة وسنغافورة والصين، وجميعها لديها معدلات تزيد على 50% - والمتوسط العالمي البالغ 42%، وفقاً لتقرير "آي بي إم".
عندما يتعلق الأمر بالاستثمار في الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، فإن ألمانيا - ثالث أكبر اقتصاد في العالم - تحقق أداءً أقل من ثقلها أيضاً. خلال الفترة من 2013 إلى 2023، احتلت ألمانيا المرتبة السادسة من حيث الاستثمار الخاص في الذكاء الاصطناعي، خلف الولايات المتحدة والصين والمملكة المتحدة وإسرائيل وكندا، وفقاً لبيانات من شركة التسويق "كويد" المذكورة في تقرير صادر عن معهد ستانفورد للذكاء الاصطناعي المتمحور حول الإنسان.
تستخدم شركة توصيل الأغذية "دليفري هيرو" (Delivery Hero) التعلم الآلي منذ عام 2011، لكنها بدأت في العام الماضي فقط الاستثمار على نطاق واسع في الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهي التكنولوجيا التي تقف وراء "تشات جي بي تي" والتي يمكنها إنشاء نصوص وصور وأشكال أخرى من المحتوى.
يقول تيلمان نيبين، كبير مديري علوم البيانات في "دليفري هيرو"، إن الشركة تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنشاء صور قوائم الطعام أو مساعدة العملاء في العثور على المطاعم المتخصصة.
ويضيف: "إن الذكاء الاصطناعي لا يحل محل أي شخص أو أي شيء". وبدلاً من ذلك، يتوقع أن تجلب التكنولوجيا ميزات وقدرات جديدة من شأنها أن تجعل القوى العاملة أكثر كفاءة في نهاية المطاف.
وقال نيبين: "تسمح هذه التكنولوجيا لموظفينا بأتمتة المهام التي تستغرق وقتًا طويلاً في طبيعة أعمالنا سريعة الخطى، مثل إنشاء المحتوى ودعم العملاء، مع زيادة إنتاجية موظفينا في الوقت نفسه من خلال منحهم المزيد من الوقت للابتكار".
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يعد موضوعاً ساخناً، إلا أن شركة الأبحاث "غارتنر" قالت في نوفمبر إن حصة الذكاء الاصطناعي في ميزانيات الشركات الأوروبية لا يعكس الزخم في الوقت الحالي. وقدرت "غارتنر" أن الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات في أوروبا سينمو بنسبة 9.3% هذا العام مقارنة بعام 2023 ليصل إلى 1.1 تريليون دولار، لكنها قالت إن الذكاء الاصطناعي ليس أولوية، مع تركيز الشركات على عوامل أخرى مثل توليد الإيرادات والحفاظ على الربحية أو تعزيز الأمن.
تستثمر شركة (HelloFresh) المتخصصة في إعداد الوجبات في التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي منذ أكثر من ست سنوات. يتوقع فاليري ليبورسكي، كبير مسؤولي التكنولوجيا، أنه على مدى السنوات الخمس المقبلة، سيعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين جزء كبير مما لا يزال اليوم عملية صنع القرار اليدوية.
وقال إن (HelloFresh) تستثمر في الذكاء الاصطناعي لتحسين التنبؤ بالطلب، وتحسين مراكز تلبية الطلبات، وتبسيط خدمة العملاء، على أمل استخدام التكنولوجيا لتخصيص تجربة العملاء، بدءًا من المحتوى التسويقي وحتى الوصفات.
وقال ليبورسكي: "إن التكنولوجيا لن تحل محل العقول المبدعة بأي حال من الأحوال، ولكنها ستجعل عمل الفرق أكثر كفاءة وتمكنها من الاستجابة بشكل فردي ونجاح للاحتياجات المختلفة للمجموعات المستهدفة".
بالنسبة للمنشآت الفردية، من المنطقي الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، ولكن من الصعب رؤية طفرة على مستوى الاقتصاد الكلي، على الأقل في العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة، حسبما قالت فيشنر من (ING). وأضافت: "لن يكون هناك تغيير كبير في قواعد اللعبة من حيث الإنتاجية إذا أخذنا في الاعتبار التأثيرات الإيجابية والآثار السلبية".
وقالت شركة (Gerresheimer)، التي تصنع القوارير والتغليف للمنتجات الصيدلانية، إن الذكاء الاصطناعي سيساعدها على تحسين الإنتاج وإدارة سلسلة التوريد وصيانة المعدات، وتخطط لتدريب الموظفين على كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في العمل.
وقالت متحدثة باسم الشركة إنه على الرغم من سعيها لرقمنة العمليات وأتمتتها، فإنها تهدف إلى توظيف ما يقرب من 3000 موظف على مستوى العالم في السنوات القليلة المقبلة، وهي علامة على أن الذكاء الاصطناعي لن يؤدي إلى انخفاض عدد الموظفين.
وفي حين تصر بعض الشركات على أن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل العمالة البشرية، أقر الرئيس التنفيذي لشركة "هنكل"، نوبل، بأن بعض الأدوار سيتم استبدالها، جزئياً على الأقل، بالذكاء الاصطناعي. ومع ذلك فهو مقتنع بأن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محل العمال تماماً، لأن التكنولوجيا ستعتمد على القدرات البشرية لتزدهر.
وقال نوبل: "إن فرص الذكاء الاصطناعي متنوعة بالنسبة لشركات مثل شركتنا".