بعد سنوات من التراجع، تستعد الشركات الأميركية العاملة في مجال العملات الرقمية لاقتحام البورصة، مدفوعة بسياسات داعمة في عهد الإدارة الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي رفعت القيمة السوقية للعملات الرقمية عالمياً إلى مستوى قياسي بلغ 4.2 تريليون دولار.
أحدث المنضمّين كان «بوليش» – وهي منصة لتداول العملات الرقمية مدعومة من الملياردير بيتر ثيل – التي دخلت السوق الأميركية الأربعاء الماضي، وجمعت أكثر من 1,1 مليار دولار. ويشير محللون لرويترز إلى أن تبنّي العملات الرقمية على نطاق أوسع، إلى جانب دعم كبار المستثمرين والمؤسسات، يعيدان رسم مشهد تمويل القطاع ويزيدان الطلب على أسهم شركات الكريبتو.
في يونيو الماضي، سجّلت «سيركل» – مُصدِر عملة «ستيبلكوين» المستقرة – دخولاً قوياً في بورصة نيويورك، حيث تضاعف سعر سهمها أكثر من مرتين عند الافتتاح، لتصل قيمتها السوقية إلى نحو 18 مليار دولار. والـ«ستيبلكوين» هي عملات رقمية مرتبطة بعملة تقليدية، غالباً الدولار.
يقول مات كينيدي، كبير المحللين في «رينيسانس كابيتال» المتخصصة في الطروحات، إن إدراج «سيركل» «كان بمثابة الضوء الأخضر الأكبر للصناعة». وبعد أيام من هذا الإدراج، أقرّ مجلس الشيوخ «قانون جينيوس» الذي وضع إطاراً تنظيمياً للعملات المستقرة، ما أطلق موجة صعود في السهم.
أنهت «سيركل» آخر جلسة عند 153,16 دولاراً، مقابل سعر طرح بلغ 31 دولاراً، لتبلغ قيمتها نحو 35 مليار دولار وفق بيانات «إل إس إي جي». ويضيف كينيدي: «إدراج قوي مع جهة تنظيمية متساهلة يشكّلان مزيجاً فائق القوة».
عودة الحماس إلى الطروحات تعكس المسار الذي قطعه القطاع منذ انهيار منصة «إف تي إكس» في 2022، حين دخلت الصناعة في «شتاء الكريبتو» الذي شهد انهيار القيم السوقية وفقدان ثقة المستثمرين.
توضح كات ليو، نائبة رئيس شركة الأبحاث «آيبوكس»، أن المستثمرين الخاصين يبحثون عن سيولة بعد احتفاظ صناديق رأس المال المخاطر والملكية الخاصة باستثماراتهم لسنوات، مضيفة: «لم تعد هذه شركات مضاربة بحتة».
إدراج «سيركل» وإقرار «قانون جينيوس» شجّعا شركات مثل «بتغو»، و«غرايسكيل»، و«جيميني» على تقديم ملفات سرية للطرح العام، بينما يرى محللون أن منصة «كراكن» مرشحة أيضاً لدخول البورصة.
رغم أن بعض الشركات تفضّل الاكتتاب التقليدي، إلا أن العديد منها يختار الاندماج مع شركات «سباك»، وهي كيانات مدرجة تملك رأس مال جاهزاً للاستثمار وتخضع لرقابة أقل، وهو خيار شائع بين الشركات الناشئة الساعية لتكرار نموذج «شركة القابضة الكريبتو» الذي ابتكره مايكل سايلور.
تعمد هذه الشركات إلى الاحتفاظ بعملات مثل «بيتكوين» و«إيثر» في خزائنها، ما يجعل أسهمها وسيلة غير مباشرة للمستثمرين الراغبين في التعرض للعملات الرقمية.
تتوقع «ستاندرد تشارترد» أن ينهي «بيتكوين» العام عند 200 ألف دولار، و«إيثر» عند 7,500 دولار. وقد أغلق «بيتكوين» الثلاثاء عند 120,181.98 دولاراً، و«إيثر» عند 4,619.73 دولاراً.
يقول جو نارديني، رئيس الخدمات المصرفية الاستثمارية في «بي. رايلي سيكيوريتيز»، إن «هذه الاستراتيجيات ستستمر، وطالما يتم تداول هذه الأسهم بعلاوة سعرية، سنشهد المزيد من عمليات جمع التمويل».
سوق الاكتتابات العامة في الولايات المتحدة شهد هذا العام انتعاشاً ملحوظاً بعد توقف قصير في أبريل بفعل حالة عدم اليقين الناتجة عن الرسوم الجمركية الكبيرة التي فرضها ترامب.
بلغ عدد الطروحات حتى الآن 216، وهو الأعلى منذ 2021، بإجمالي 39,83 مليار دولار، مقارنة بـ118 عملية فقط في الفترة نفسها من العام الماضي، وفق بيانات «ديلوجيك».
ويتوقع المصرفيون أن يشهد الخريف نشاطاً متزايداً مع طرح شركات مثل «كلارنا» (المدفوعات المجزأة) و«جينيسيس» (البرمجيات). كما عززت بدايات قوية لشركات مثل «فايرفلاي أيروسبيس» في تكنولوجيا الفضاء، و«تشايم» و«فيغما»، الزخم في السوق.
لكن الخبراء يحذرون من أن السوق ما زال حساساً لأي تقلبات في المزاج العام أو زيادة في مستويات التذبذب.