في تطوّر يعكس التحوّلات العميقة في طبيعة الثروة العالمية، فاقت مؤخراً القيمة السوقية الإجمالية للعملات المشفّرة حاجز 3.3 تريليون دولار، متفوقة بذلك على الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا، الذي يُقدّر بنحو 3.1 تريليون دولار في عام 2025، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
هذا الإنجاز الرمزي يفتح الباب أمام تساؤلات واسعة حول مستقبل الاقتصاد العالمي، وموقع العملات الرقمية فيه.
لطالما اعتُبرت فرنسا من ركائز الاقتصاد الأوروبي، مدعومة ببنية تحتية صناعية متقدّمة، وقطاع خدمات يسهم بنحو 70% من الناتج المحلي. إلا أن المقارنة مع قطاع لا يتجاوز عمره العقدين، مثل سوق العملات المشفّرة، تُظهر حجم التغيّر في مفهوم القيمة نفسها.
فرنسا، بثقلها السياسي والاقتصادي، تنمو بوتيرة متوقعة لا تتجاوز 1.8% في عام 2025، في حين أن سوق العملات المشفّرة شهد نموًا تجاوز 100% خلال العام الماضي فقط، مدفوعاً بتبنٍّ واسع من المستثمرين الأفراد، وصناديق التحوّط، وحتى بعض البنوك المركزية التي بدأت باختبار إمكانيات العملات الرقمية.
كانت العملات المشفّرة يُنظر إليها في بدايتها كأداة للمضاربة أو وسيلة للتحايل المالي، لكن تحوّلها إلى أصول رقمية تحتل مكانة بارزة في محافظ الاستثمار العالمية يعكس تغيراً جذرياً.
البيتكوين، الرمز الأكبر في هذا السوق، بات يُقارن بالذهب في بعض التقارير الاقتصادية، حيث تجاوزت قيمته السوقية 2.1 تريليون دولار.
وتأتي إيثريوم ثانياً، بقيمة تقارب 315 مليار دولار، مدعومة بتقنيتها التي تُستخدم في العقود الذكية والتطبيقات اللامركزية. في المقابل، تبرز عملات مثل سولانا وريبل وبينانس كوين كخيارات سريعة النمو للمضاربين.
يتباين الرأي بين المتخصصين. يرى مؤيدو الأصول الرقمية أن هذه القيمة تعكس تطوراً حقيقياً في الاقتصاد العالمي، مشيرين إلى ارتفاع الطلب المؤسسي، والتوسّع في الاستخدامات الفعلية، مثل الدفع الرقمي وتمويل المشاريع عبر سلاسل الكتل.
لكن في المقابل، يُحذّر خبراء الاقتصاد التقليدي من احتمالية تضخم القيمة بسبب المضاربات قصيرة الأجل، والتأثير الكبير للمشاعر السوقية، ومحدودية التوظيف الفعلي لهذه العملات في الاقتصادات اليومية.
يطرح كثيرون هذا السؤال، خصوصاً في ظل عودة الزخم للأسواق الرقمية، وتزايد التغطية الإعلامية لها.
يقول محللون إن الوقت قد يكون مناسباً لمن ينظر إلى الاستثمار طويل الأمد، خصوصاً في العملات الرائدة والمشروعات التي تقدم حلولاً تكنولوجية ملموسة. ومع ذلك، فإن دخول السوق يجب أن يتم وفق استراتيجية واضحة وإدارة مخاطر صارمة.
البيتكوين: ملاذ رقمي شبيه بالذهب، يفضّله المستثمرون الكبار.
إيثريوم: تقنية تدعم بنية الإنترنت اللامركزي.
سولانا/ريبل: حلول سريعة ورخيصة للمعاملات العالمية.
العملات المستقرة: مثل «تيذر» و«يو إس دي كوين»، تُستخدم للتحوّط من تقلّبات السوق.
تجاوز العملات المشفّرة لاقتصاد فرنسا ليس فقط حدثاً رقمياً بل دلالة على انتقال تدريجي نحو اقتصاد رقمي عالمي، حيث تتقاطع التكنولوجيا مع المال والاستثمار. لكن يبقى السؤال الأساسي: هل نستعد لهذا المستقبل، أم ننتظر حتى يصبح حقيقة مفروضة؟