وفي السنوات العشر الأخيرة تحديداً، تعاظمت أهمية وقيمة المعادن النادرة كأحد مرتكزات الصناعات التكنولوجية والدفاعية المستقبلية مع الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تعتمد على المعادن النادرة المنتجة في الصين بنحو 80%. كما أن مشكلة الاتحاد الأوروبي أكبر، حيث يستورد أكثر من 90% من حاجاته من الصين.
وبعد تزايُد الأهمية الحيوية لتلك المعادن، اتخذت بعض القوى خطوات حثيثة لتعزيز إنتاجها وزيادة احتياطيها من هذه العناصر، حيث شرعت واشنطن في أعمال التنقيب وخصّصت ميزانيات كبيرة لهذا الأمر، فيما وضعت وزارة الداخلية بعض تلك المعادن على قائمة الأمن القومي للبلاد، وعليه كان التحرك على مسارَين، الأول: تقليل الاعتماد على الصين قدر الإمكان بزيادة الإنتاج والبحث عن منافذ إنتاجية جديدة، سواء داخل البلاد أو خارجها، والثاني: مناهضة الصينيين في هيمنتهم على تلك المعادن ومنافستهم لها في المناطق التي تطرق بكين أبوابها للحصول على هذه المعادن.
والقارة الأفريقية غنية بتلك العناصر النادرة والاستراتيجية، إذ يبلغ احتياطيها من البوكسيت 30%، والبلاتين 85%، والكروم 80%، والكوبالت 60%، والألماس 75%، كما أنها تمتلك احتياطيًّا ضخمًا لـ 17 معدنًا من أصل 50 معدنًا استراتيجيًاً داخل الكرة الأرضية، وتذهب التقديرات إلى أن معادن أفريقيا تلبّي ما بين 60% و70% من احتياجات عمالقة صناعة التكنولوجيا في العالم.
وتتركز العناصر الترابية النادرة في أفريقيا في ناميبيا وجنوب أفريقيا وكينيا ومدغشقر وملاوي وموزمبيق وتنزانيا وزامبيا وبوروندي، وهو ما يفسّر اشتعال التوترات في تلك البلدان خلال السنوات الأخيرة، والتي ترجع في معظمها إلى التنافس على الثروات المعدنية والطبيعية، وسط اتهامات لبعض القوى الخارجية بتأجيج الوضع لتوظيفه لصالح أهداف اقتصادية تتمحور حول الظفر بأكبر حصة من هذا الإنتاج المعدني النادر.
وأكدت دراسة صادرة عن مؤسسة بروكينغز للبحوث أهمية استثمار أفريقيا في قطاعات إنتاج المعادن النادرة، نظرا لما تذخر به القارة من مخزونات هائلة غير مستغلة من تلك المعادن تكفي للقضاء على الفقر وتحسين أوجه الحياة في عموم القارة.
وأشارت الدراسة إلى قدرة أفريقيا على تجاوز مكانة الصين كأكبر مصر للمعادن الأرضية النادرة، وهو ما يعطي لاقتصاديات دول القارة مساحة واسعة للانطلاق في السوق العالمي للمعادن النادرة التي تشمل 17 نوعا تدخل في إنتاج مكونات التكنولوجيا المتقدمة والصناعات الدفاعية.
كما أكدت الدراسة أن أفريقيا التي تذخر بثروات معدنية هائلة تمتلك ثروات لا تقل في أهميتها عن المعادن التقليدية وهي المعادن النادرة، إلا أن تعظيم الإنتاج الأفريقي من تلك المعادن النادرة لا يزال يحتاج مزيدا من الاستثمارات الضخمة وهو ما يتطلب مخططا أفريقيا واضحا لجذب تلك الاستثمارات الغربية، وقبل ذلك تعظيم وتفعيل "اتفاق التجارة الأفريقية الحرة" بصورة تسهل تعامل العالم واستثماره في مشروعات إنتاج المعادن النادرة من جوف القارة الأفريقية.
وفي المجالات الدفاعية تتمتع القارة الأفريقية بحسب الدراسة بنوعيات نادرة من المعادن التي تدخل في إنتاج الصواريخ الذكية والموجهة والأقمار الاصطناعية والأجهزة التي تعمل بنظام تحديد الموقع (جي بي إس)، كما يمكن إنتاج نظائر مشعة من معدن الپروميثيوم النادر والذي يدخل في تكنولوجيا المحطات النووية، لكنه أقل شيوعا عن معدن اليورانيوم.
وبصورة عامة لا تتمتع بلدان أفريقيا بقدر كبير من الاستثمارات التعدينية، فقبل عامين كانت موازنات التعدين عامة وتعدين المعادن النادرة في أفريقيا هي الأقل على مستوى قارات العالم، ولم تتعد استثمارات التعدين في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى خلال العام الماضي نصف ما تم ضخه من استثمارات في دول أميركا اللاتينية مجتمعة في مشروعات التعدين.