خاص
خاص

ارتفاع الأسعار يهدد معيشة العراقيين.. والحكومة تبحث عن حلول

تشهد الأسواق العراقية، في الأسابيع الأخيرة، ارتفاعات ملحوظة بأسعار السلع والمواد الأساسية والكمالية، ما أدّى إلى تزايد مخاوف المستهلكين العراقيين من استمرار ارتفاع الأسعار، خاصة ذوي الدخل المحدود والمتوسط، ما قد يتسبب في زيادة الأعباء المعيشة عليهم.

ولا يزال سعر صرف العملة الأميركية في السوق الموازية مرتفعًا، إذ يبلغ 15 ألفًا و600 دينار مقابل الدولار الواحد، مقارنة بالسعر الرسمي البالغ أكثر من 13 ألف دينار للدولار.

أزمة ذات أبعاد

ويقول الخبير بالمعهد العراقي للإصلاح الاقتصادي، الدكتور فؤاد مهدي الدجيلي، إن "أزمة الدولار ذات أبعاد سياسية ودولية، حيث تؤدي علاقات القوى المتصارعة في العالم والإقليم دورًا أساسيًّا في استمرارها".

ويُعد العراق الخاسر الأكبر من هذه الأزمة، حيث بسبب ارتفاع سعر الدولار في تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وفق تقدير الدجيلي.

وأضاف، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، أن "الاقتصاد العراقي يواجه العديد من التحديات التي تؤثر في قدرته على التعامل مع الأزمات، ومن أبرز هذه التحديات، التداخل بين دور الدولة والقطاع الخاص".

وتابع: "اعتمدت الحكومة لعقود طويلة على الدولة في إدارة الملف الاقتصادي، وبالتالي فإن التحول المباشر إلى اقتصاد السوق عبر شركات القطاع الخاص ودخول المستثمرين في عملية التمويل، يُمثّل صدمة للاقتصاد العراقي، ويجعله غير قادر على مواجهة الأزمات الاقتصادية، مثل أزمة الدولار الحالية".

التداخل بين دور الدولة والقطاع الخاص من أبرز التحديات تؤثر في قدرة الاقتصاد العراقي على التعامل مع الأزمات

الدكتور فؤاد مهدي الدجيلي الخبير بالمعهد العراقي للإصلاح الاقتصادي

ولأزمة الدولار تداعيات كبيرة على الاقتصاد العراقي، أبرزها حالة من الجمود في الأسواق، حيث انخفضت حركة البيع والشراء، وتراجعت الصادرات والواردات، وأدى ذلك أيضًا إلى ضعف بنية البنوك، التي تأثرت بأزمة الدولار، واضطرت إلى تقليص الإقراض، ما أدى إلى انخفاض الاستثمارات والأنشطة الاقتصادية.

بالإضافة إلى صعوبة حصول المستثمرين على التمويل من البنوك، حيث تحتاج البنوك لضمانات مرتفعة من المستثمرين، ما يجعل من الصعب على المستثمرين الحصول على التمويل.

ورغم أن "الضمانات المفروضة من البنوك تهدف إلى حماية أموالها، فإنها تُسهم في هروب المستثمرين وامتناعهم عن العمل، حيث يشعر المستثمرون بأن الضمانات المفروضة عليهم مبالغ فيها، ولا تتناسب مع حجم الاستثمار"، وفق تقدير الدجيلي.

فجوة كبيرة

من جانبه، يقول المدير العام الأسبق بالبنك المركزي العراقي، الدكتور محمود داغر، إن "أزمة الدولار في العراق تتجسد في الفجوة الكبيرة بين السعرين الرسمي والسوقي للعملة، حيث يبلغ الفرق بينهما ما بين 250 و300 نقطة، أي ما يعادل نحو 20%".

وأضاف، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية "، أن "سعر صرف الدولار الواحد في العراق يبلغ 1320 دينارًا في التعاملات الرسمية، بينما يصل إلى 1560 دينارًا في تعاملات السوق السوداء"، مشيرًا إلى أن "الفجوة الكبيرة بين سعر صرف الدولار في التعاملات الرسمية والسوقية، تؤثر في تسعير السلع والخدمات، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار بعض السلع".

وعن دور الحكومة، قال داغر إنها تمكنت من السيطرة على أسعار بعض السلع الرئيسية التي تدخل في الاستهلاك اليومي للمواطن، وذلك من خلال الدعم الحكومي وتوزيع سلع غذائية على المواطنين.

ولفت إلى أن الحكومة العراقية تتابع الأزمة، وشكّلت لجانًا للتعامل معها، وكان الهدف الرئيسي كبح جماح الأسعار، وهو ما تحقق إلى حد كبير، مشيرًا إلى أن "معدل التضخم في حدود 3.7%، وهو معدل منخفض نسبيًّا، ولكن أزمة الدولار أدّت إلى ارتفاع أسعار بعض السلع الصناعية وبعض المواد الصحية، وغيرها من المستلزمات".

وأرجع الخبير الاقتصادي أسباب الأزمة إلى تغيرات في قواعد التحويل وتمويل التجارة الدولية، مع غياب المرونة في هذه القواعد، خاصة أن العراق بلد مستورد بنسبة كبيرة حيث يصل حجم الواردات من الخارج سنويًّا إلى 60 مليار دولار.

وأوضح أن هذه التغيرات أدّت إلى زيادة الطلب على الدولار في السوق السوداء، وانخفاض قيمة الدينار أمام العملة الأمريكية.

وأشار إلى أن عدم كفاية المعروض من الدولار من البنك المركزي العراقي، سبب رئيس في الأزمة، رغم قدراته الكبيرة على توفير العملة، لافتًا إلى أن "طالبي الدولار يلجؤون إلى قنوات غير مصرفية للحصول عليه، بسبب علاقاتهم التجارية مع كيانات ودول لا يمكن إقامة علاقة مصرفية معها".

ما الحل؟

أما بشأن الحلول، فيرى داغر أن أزمة الدولار التي يعانيها العراق منذ أشهر، تتطلب حلولًا قصيرة وطويلة المدى، ويقول إن "الحل قصير المدى يكمن في ضبط المنافذ الحدودية وتفعيل أداء الجدار الجمركي حسب القوانين، وعدم السماح بمرور بضائع خارج إطار المنافذ المراقبة من الحكومة دون ترتيبات جمركية".

وأوضح أن "هذا الأمر يتطلب توحيد السياسة الجمركية بالعراق، وتوحيد السياسات الضريبية وسياسة إدارة المنافذ".

أما الحل طويل المدى، فيرى أنه يكمن في إعادة بعث الحياة في النشاط الصناعي والزراعي والخدماتي في البلاد، لخفض الاعتماد على الاستيراد، وأشار إلى أنه لا يمكن قبول هذا الحجم من الاعتماد على الخارج في عملية الاسترداد.

وفي السياق ذاته، يرى الباحث الاقتصادي، فيصل التميمي، أن "أحد جوانب الأزمة يتمثل في استغلال التجار الأزمة لرفع الأسعار، والاستفادة من اضطراب الأسعار وتفاوتها".

وأضاف، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، أن "بعض أصحاب المحال التجارية يلجؤون إلى تخزين كميات كبيرة من السلع، ما يؤدي إلى تفاقم أزمة الأسعار في السوق".

وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، عدّل البنك المركزي العراقي سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الدينار، بحيث أصبح سعر شراء الدولار من وزارة المالية 1450 دينارًا، وسعر بيعه للمصارف 1460 دينارًا، وسعر بيعه للمواطن 1470 دينارًا.

وفي محاولة لإنهاء ظاهرة الدولرة عبر منع التعامل بالعملة الأجنبية في السوق المحلية، منع البنك المركزي العراقي، في مارس/آذار الماضي، استخدام الدولار في أجهزة الصرافة الآلية، وشدد على أن تكون الخدمات المالية الإلكترونية المقدمة داخل البلاد من خلال أجهزة الصراف الآلي وأجهزة نقاط البيع وبوابة الدفع الإلكتروني بعملة الدينار.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com