خسائر تريليونية.. الغذاء غير الصحي يهدد اقتصاد العالم

خاص
خاص
يركز كثيرون عند تناولهم لتأثير الأنظمة الغذائية غير الصحية على الجوانب الطبية والأضرار التي تصيب صحة الإنسان بسبب ذلك، لكن تأثير هذه الأنظمة على الاقتصاد العالمي لا يقل فادحة، فضلا عن أضراره البيئية، وهو ما يخلف خسائر تبلغ 10 تريليونات دولار، و80% منها بسبب الأطعمة المعالجة فائقة الدهون والسكر، وفقا لتقرير أصدرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.

وكشف التقرير أن أمراض السمنة والأمراض غير المعدية التي يسببها الاستهلاك المستمر للأطعمة التي تحتوي على نسب كبيرة من الدهون والسكر، تتسبب في تراجع إنتاجية العمل.

كما ذكرت دراسة حديثة لجامعة "ييل" الأميركية، أنه إذا ما تناول الأميركيون نصف ما يأكلونه من اللحوم سنويا فإن ذلك سيخفض الانبعاثات الكربونية التي يتسبب فيها الغذاء بمقدار 47%، لافتة إلى أن ذلك سيحد كذلك من معدلات الإصابة بأمراض السمنة والسرطان، ما يعني خفض الإنفاق على القطاع الصحي في النهاية.

الأعلاف المحسنة

وتقول نيكول لين، الخبيرة الاقتصادية، بمؤسسة ماركت ووتش الأميركية، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، إن أعمال شركات إنتاج الغذاء العالمية قد تضررت في الأعوام المقبلة بسبب تزايد المطالبات داخل أوروبا والولايات المتحدة بضرورة خفض استهلاك الأفراد من الاستهلاك اليومي للحوم الحمراء، موضحة أن مربي الماشية يستطيعون تقديم أعلاف محسنة تساعد على تخفيف انبعاث الغازات المضرة بالبيئة، مثل إضافة الكتان مثلا، إلا أنهم لا يفعلون ذلك.

ولفتت إلى أن المستهلكين الآن داخل الولايات المتحدة وأوروبا يعلمون أن معظم اللحوم الحمراء يتم استيرادها من دول أمريكا اللاتينية وهو ما يعني استخدام كميات هائلة من الوقود ومصادر استهلاك الطاقة الملوثة للبيئة، لذلك نجد أنه يوما بعد يوم تتزايد الدعوات داخل هذه الدول للاتجاه نحو مقاطعة أكل اللحوم بالكامل والتحول إلى نباتيين.

اللحوم المحلية

وقالت نيكول لين إن إنتاج اللحوم الحمراء يمتد تأثيره السلبي على البيئة إلى الغابات الشجرية الكثيفة والتي من الصعب تعويضها، فعلى سبيل المثال البرازيل تمتلك نحو 250 مليون رأس ماشية، تقوم بتصدير عدد كبير منها، وهذه الماشية تحتاج إلى مساحات شاسعة من الرعي ما يعني قطع مساحات كبيرة من الأشجار لتوفير أراضي لزراعة العلف والرعي، وهو ما يؤثر على البيئة إذ أنه من المعروف أن غابات الأمازون بمثابة الرئة الأساسية لكوكب الأرض، فضلا عن أن هذا العدد الهائل من رؤوس الماشية يحتاج إلى كميات هائلة من المياه مما يؤثر على الموارد المائية بصورة كبيرة.

وأشارت الخبيرة الاقتصادية إلى أن هناك توجها حاليا بدأ يبزغ في الأفق بين العديد من الدول وهو الحرص على تناول اللحوم التي يتم إنتاجها محليا، لافتة إلى أن ذلك التوجه يعتمد على فكرة أن إنتاج واستهلاك اللحوم الحمراء في هذه الحالة سيكون محدودا لأنه في هذه الحالة سيقل حجم الغازات المسببة للاحتباس الحراري الناتجة عن نقل اللحوم، بما أن مسافات النقل ستقل، فضلا عن أن ذلك سيكون له دور أكبر في دعم الاقتصادات المحلية ودعم صغار المزارعين الأمر الذي يصب في النهاية في مصلحة تلك الدول.

التكاليف الخفية

وأظهر مسح أجرته منظمة الأغذية والزراعة العالمية، وشمل 156 دولة، أنه في أعقاب اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، وما تلى ذلك من موجة تضخمية عالمية خاصة في أسعار السلع الغذائية، تعرضت الزراعة وصناعة الأغذية العالمية لحملة تدقيق متزايد في محاولة لضبط الأسعار لما لها من تأثير مباشر على مفاقمة أزمة تكاليف المعيشة، وهو ما أسمته المنظمة بالتكاليف الخفية والتي قدرت بأنها تتراوح سنويا ما بين 11 و 15 تريليون دولار، لافتة إلى أن خمس هذه التكاليف مرتبط بالبيئة لما في الاستهلاك الغذائي من تأثير مباشر على الانبعاثات الكربونية والاستخدام العالي للمياه.

وفي هذا السياق، نصحت دراسة أعدها باحثون من النرويج ونشرتها مجلة "الغذاء العالمي"، الشعوب الأوروبية بتقليل استهلاكهم من اللحوم الحمراء سنويا، لأن وتيرة الاستهلاك الحالية سيترتب عليها لا محالة مخاطر بيئية جمة فضلا عن مشاكل صحية أيضا، حيث أكدت أنه إذا أراد الأوربيون المساهمة في الحد من الانبعاثات الكربونية وجب عليهم خفض استهلاكهم السنوي من اللحوم بمقدار النصف على الأقل لمدة ثلاثة عقود قادمة.

وبحسب منظمة الأغذية والزراعة العالمية، فإن الفرد في أوروبا يستهلك حوالي من 90 إلى 100 كجم من اللحوم الحمراء سنويا.

إنتاج اللحوم الحمراء يتضاعف

وتضاعف إنتاج العالم اليومي من اللحوم الحمراء منذ أوائل السبعينات ستة أضعاف بمقدار 80 مليون طن لتصل إلى 350 مليون طن خلال عام 2018، وتستهلك الدول الأكثر ثراء لحوما حمراء أكثر بكثير من الكميات المستهلكة في الدول الأكثر فقرا.

وعلى سبيل المثال ووفق إحصائيات منظمة الأغذية والزراعة العالمية، يستهلك المواطن الأميركي ما يصل إلى 126 كيلوجراما من اللحوم الحمراء سنويا بينما المواطن في دولة مثل كينيا يستهلك نحو 7 كيلوغرامات فقط من اللحوم الحمراء سنويا، وفي النيجر 9 كيلوغرامات وفي تشاد 8 كيلوغرامات، وهي كميات أقل عشر مرات مما يستهلكه المواطن الأوروبي والأميركي العادي.

ويتسبب إنتاج كيلوغراما واحدا من السعرات الحرارية عبر اللحوم الحمراء في إفراز نحو 190 كيلوغراما من الغازات المتسببة في ظاهرة الاحتباس الحراري وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون.

وبالمقارنة مع أنواع اللحوم الأخرى، نجد أن إنتاج كليوغرام من السعرات الحرارية عبر اللحوم البيضاء يتسبب في انبعاث غازات دفينة تقدر بنحو من 11 إلى 19 كيلوغراما.

ولمعرفة تأثير إنتاج اللحوم الحمراء على البيئة بصفة عامة، فإن إنتاج 15 كيلوغراما من القمح أو إنتاج 119 كيلوغراما من الجزر يحتاج إلى 16 ألف لتر من المياه، وهذه الكمية نفسها من المياه هي ما يحتاجه إنتاج كيلوغراما فقط من لحوم الأبقار.

بدائل أفضل

من جانبها، قدمت منظمة الأمم المتحدة عدة نصائح لتقليل الانبعاثات المرتبطة بالغذاء، منها الاعتماد أكثر على النظم الغذائية الغنية بالبروتين النباتي، مثل الفاصوليا والعدس والحمص والمكسرات والحبوب، بالإضافة إلى تقليل الاعتماد على الأطعمة الحيوانية مثل اللحوم والألبان، الأمر الذي سيؤدي بالضرورة إلى انخفاض كبير في كمية انبعاثات الغازات الدفيئة مقارنة بالأنماط الغذائية الحالية التي تعتمد عليها معظم الدول الصناعية.

كما نصحت الأمم المتحدة بالاعتماد أكثر على الأعلاف المحسنة وتقنيات التغذية المستحدثة لتخفيض انبعاثات غاز الميثان والذي يصدر أثناء هضم الماشية للطعام، والاتجاه إلى تربية أعداد صغيرة من الحيوانات ذات إنتاجية أكبر، والاتجاه إلى الرعي التناوبي للحفاظ على تربة صحية لتخزين الكربون وإعادة إصلاح الأراضي المتدهورة.

وحذرت الأمم المتحدة من أن إنتاج الغذاء ونقله وتركه يتعفن يساهم بأكثر من 8% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالميا، كما وجهت النصيحة بضرورة تقليل هدر الطعام لأن ما يقرب من مليار طن من الأطعمة أي ما يقرب من 18% من جميع المواد الغذائية المتاحة للمستهلكين حول العالم تذهب إلى صناديق القمامة سنويا.

الأكثر قراءة

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com