خاص
خاص

تصنيف إيطاليا الائتماني.. هدنة مؤقتة من سيناريو اليونان

هدأت المخاوف في إيطاليا، بعد أيام من خطر لاح في الأفق حول مستقبل اقتصادها إثر توقعات بتخفيض وكالة "موديز" تصنيفها الائتماني إلى فئة اقتصاد يخضع لـ"مخاطر ائتمانية كبيرة"، مقارنة بتصنيفها الحالي عند Baa3، ورسمت تلك التوقعات سيناريو هو الأسوأ لإيطاليا لكونه يشبه سيناريو الطريق الوعر الذي سلكته اليونان قبل سنوات.

لكن لحسن حظ رئيسة الوزراء الإيطالية، جيورجيا ميلوني، لم تصب هذه التوقعات الهدف، وثبتت "موديز" تصنيف الديون السيادية لإيطاليا عند Baa3، ورفعت التوقعات من سلبية إلى مستقرة، وهي دفعة غير متوقعة لميلوني وحكومتها.

وقال وزير المالية الإيطالي، جيانكارلو جيورجيتي، إن التغيير في النظرة المستقبلية لوكالة موديز جعله يشعر "بارتياح كبير"، مضيفا أنه "في ظل العديد من الصعوبات، نقوم بالأشياء الصحيحة من أجل مستقبل إيطاليا".

وتوقعت موديز أن إجمالي العجز المالي للحكومة سيبلغ 4.4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، وأن يصل إجمالي الدين إلى 140.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، بانخفاض عن 141.7% في عام 2022، ولكن أعلى بحوالي 6 نقاط مئوية عما كان عليه من قبل جائحة كوفيد 19.

وبذلك، تجنبت ميلوني أول خفض في التصنيف منذ أن تبنى ائتلافها موقفا ماليا أكثر مرونة في سبتمبر 2023، وهو ما أدى إلى اتساع نطاق عائد السندات الإيطالية مقارنة بالسندات الألمانية المعادلة - وهو مقياس رئيسي للمخاطر - إلى 210 نقطة أساس، في وقت سابق.

لكن عاد الفارق في الوقت الحالي، إلى ما دون 190 نقطة أساس (1.83 نقطة أساس بالتحديد)، وهو ما مثل سببا للمستثمرين لكي يتوقعوا عدم تخفيض التصنيف، وفقا لبيانات "إنفيستينج".

• حزمة مشاكل

التصنيف الذي صدر الجمعة، هو التحديث الأخير في العام الجاري من قبل "موديز"، لكنه كان الأكثر خطورة، نظرًا لقرب تصنيف إيطاليا من المواقع غير المرغوب فيها.

وسبق ذلك التحديث تقريرا سلطت خلاله موديز الضوء على 3 أنواع من المشاكل في الاقتصاد الإيطالي، وهي الإصلاحات الهيكلية، والتحديات المتعلقة بإمدادات الطاقة، وكلاهما يمكن لحكومة ميلوني أن تدعي بعض التقدم فيهما.

لكن مصدر القلق الأكبر هو الموارد المالية العامة، حيث لفتت موديز إلى "المخاطر المتمثلة في تزايد ضعف القوة المالية لإيطاليا بسبب تباطؤ النمو، وارتفاع تكاليف التمويل، واحتمالات ضعف الانضباط المالي".

ووفقا لوكالة بلومبيرغ، وعلى الرغم من انقضاء فترة القلق، إلا أن تشديد موديز على ملف المالية العامة باعتباره مثيراً للقلق، سيجعل الوكالة تراقب إيطاليا عن كثب.

ورغم الجهود التي تبذلها الحكومة الحالية لتحسين الوضع الاقتصادي، إلا أن المؤشرات ما زالت مقلقة، إذ أفلتت إيطاليا بالكاد من الركود، كما تسببت أسعار الفائدة المرتفعة للبنك المركزي الأوروبي في زيادة تكاليف الاقتراض. ووصفت وكالة فيتش، منافسة وكالة موديز، ميزانية ميلوني لعام 2024 بأنها "تخفيف كبير".

كما لم يعد المسؤولون يتوقعون فائضا أوليا في العام المقبل، بحيث تتجاوز الإيرادات الانفاق قبل إضافة تكاليف الفائدة. كذلك لن يعود العجز إلى الحد الأقصى الذي حدده الاتحاد الأوروبي بنسبة 3% حتى عام 2026.

وتميل موديز إلى التركيز على الديون كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي. ووفقا لتوقعات صندوق النقد خلال الشهر الماضي، سيظل دين إيطاليا متجاوزا 140% من الناتج المحلي خلال السنوات الخمس المقبلة.

وحول ذلك، قال داريو ميسي، الخبير الاستراتيجي في الدخل الثابت في مجموعة "جوليوس باير" لوكالة بلومبيرغ إنه "لا تزال هناك تحديات كبيرة أمام إيطاليا لخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي".

نجت من صدمة

وقبل صدور التصنيف، وصف روهان خانا، رئيس استراتيجية أسعار الفائدة باليورو في بنك باركليز لوكالة بلومبيرغ، خفض تصنيف إيطاليا، إن حدث، بأنه يمثل "صدمة لسوق هشة بالفعل".

وحذر الخبراء من أن الإقدام على خفض التصنيف، يمكن أن يدفع الفارق في عائدات السندات مرة أخرى نحو 250 نقطة أساس، وهو المستوى الذي شوهد آخر مرة في الانتخابات المبكرة في عام 2022، والتي أوصلت ميلوني في السلطة.

ويمثل أي ارتفاع في عائد السندات سببا لزيادة الضغط على مسؤولي البنك المركزي الأوروبي لوقف الاضطرابات في الاقتصاد الإيطالي.

"بلومبيرغ" أشارت إلى أن محللي وكالة موديز كانوا يعرفون تبعات تخفيض التصنيف، إذ أن أول خفض لتصنيف اليونان إلى درجة المخاطر الكبيرة في عام 2010، من قبل وكالة "ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية"، أدى لتصعيد أزمة الديون السيادية في أوروبا.

لذلك، استبقت زوفيا بارتا، الأستاذة المشاركة في جامعة ألباني في نيويورك، صدور تصنيف موديز، بالقول في تصريحات صحفية إن الوكالة ليس لديها أي حافز لمزيد من خفض التصنيف الائتماني لإيطاليا، لأنها لا تريد أن تكون سبب المشكلة.

من جانبها، قالت الكاتبة كاميلا بلادينو، إن إيطاليا "تتمتع بالحماية من خلال البنك المركزي الأوروبي، الذي عقد العزم على القضاء على أي إشارة للتهافت على ديون روما"، مضيفة في مقال بصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أن "المراقبين يعتقدون أنه سيكون من الحماقة أن تراهن موديز ضد المركزي الأوروبي".

• مستقبل الاقتصاد الإيطالي

من جانبه قال الخبير الاقتصادي، سمير رؤوف، في حديث لـ"إرم الاقتصادية"، إن "الاقتصاد الإيطالي أمام مشكلتين تتطلبان معالجة مستمرة، وهما: إعادة هيكلة الديون، ومواصلة تعافي ونمو الاقتصاد".

وأشار إلى أن "العالم يشهد فترة ضبابية قد تستمر حتى عام 2026، وإيطاليا كغيرها من الدول مطالبة بالتماسك والتعافي حتى الخروج من هذه الحقبة". وأوضح أن "هذه الفترة الضبابية العسرة فرضتها الأزمات المتلاحقة من جائحة كوفيد 19 وحرب روسيا وأوكرانيا والحرب المتسعة على غزة حاليا".

وأضاف: "بناء على ذلك، العالم على شفا تفاقم الأوضاع إلى أزمة مالية كبيرة بعد استنزاف موارد الدول، وأعتقد أن تحذيرات موديز بتخفيض التصنيف سيتم توجيهها إلى دول عدة قريبا داخل الاتحاد الأوروبي".

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com