فالاستفادة من النفط الروسي تعود بفائدة كبيرة للهند. ولكن من ناحية أخرى، فإن دفع النفط الروسي باليوان وليس بالروبية الهندية، أمر يصعب استيعابه بالنسبة لمنافس بكين الأكبر. وتوضح هذه القضية الشائكة مدى تعقيد العلاقات بين الدول الأعضاء في نادي البريكس وفقاً لما نقلت صحيفة لوفيغارو.
فالعقوبات المفروضة منذ الحرب في أوكرانيا، أجبرت موسكو على البحث عن عملاء جدد بعد ان كانت تشحن في السابق ما يقرب من 45% من نفطها إلى أوروبا.
يذكر أن دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وأستراليا فرضت حظراً على النفط الروسي. ومن أجل الحفاظ على إمدادات سوق الذهب الأسود التي تعد روسيا المنتج الثالث لها عالمياً، فقد وضعت الدول الغربية آلية تسمح لموسكو ببيع خامها إلى دول أخرى ولكن مع الحد من دخلها.
ولم يعد بإمكان الشركات الغربية، وخاصة الموجودة في قطاع الخدمات البحرية، تقديم التمويل والتأمين والخدمات المرتبطة بشحن النفط الروسي إذا تم بيعه فوق سعر السقف المحدد بـ 60 دولاراً للبرميل.
ونتيجة لذلك، يُباع النفط الروسي بسعر أرخص بنسبة 20% إلى 30% من سعر خام برنت القياسي الدولي، والذي كانت قيمته 100 دولار في المتوسط في عام 2022 وأقل بقليل من 80 دولاراً في عام 2023.
ولم تعد موسكو تريد أن تسمع عن الروبية التي تم جمعها بكميات كبيرة، ويصعب تحويلها، والتي لا تعرف البلاد ماذا تفعل بها.
فالهند تشتري اليوم، وفقا للكرملين، 40% من النفط الذي تستخرجه من روسيا، والصين تشتري 45% إلى 50%، وهذان البلدان رفضا إدانة موسكو والانضمام إلى العقوبات. ولذلك فهما سعيدان بالاستفادة من هذا الخام الرخيص الذي يواصل، رغم العقوبات، تحقيق أرباح كبيرة لموسكو.
وقال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك في نهاية ديسمبر، إن إيرادات روسيا من النفط والغاز تقترب هذا العام، من 9 آلاف مليار روبل (88 مليار يورو) وتساوي تقريبا مستوى عام 2021، أي ما قبل العقوبات. ولكن دفع هذه المكاسب غير المتوقعة يفرض مشاكل في الهند، حيث أصبحت روسيا الآن المورد الرئيسي للذهب الأسود.
فمنذ الحرب في أوكرانيا، تم استبعاد روسيا من النظام المصرفي الدولي، الأمر الذي أدى إلى خفض مبيعاتها من النفط الخام بالدولار أو اليورو إلى أقل من 10%. فتم دفع الشحنات المتجهة إلى الهند في البداية بالروبية.
وإذا كانت الهند خامس أكبر قوة اقتصادية في العالم من حيث حجم ناتجها المحلي الإجمالي، فإن الروبية الهندية تحتل المركز الخامس عشر فقط في العالم من حيث الحجم، مع 1% من نشاط النقد الأجنبي. والهند تنتج القليل من المنتجات التي يرغب الروس في استيرادها. وتعاني نيودلهي الآن من عجز تجاري قدره 43 مليار دولار مع روسيا.
ومؤخراً تمً إيقاف العديد من السفن المحمّلة بالخام الروسي أمام الموانئ الهندية أو تم تحويلها عن طريقها، مما حرم الهند من الشحنات المتوقعة. فشركات النفط والبنوك الروسية تطلب المدفوعات بالعملة الصينية علماً بأنها ليست قابلة للتحويل كلياً، ولكن روسيا تستورد العديد من المنتجات من الصين، بما في ذلك السيارات والآلات.
ولا تشعر الحكومة الهندية بالارتياح باستخدام اليوان. فهذا يشمل رسوم تحويل العملة. والأهم من ذلك، يصعب على نيودلهي أن تشتد مسألة التنافس الجيوسياسي بينها وبين بكين.
فثمة محاولة دفع ثمن الشحنات عن طريق اليوان الصيني ودولار هونغ كونغ والدرهم الإماراتي، ولكن هذه التجربة لم تلقَ الكثير من الحماس.
ويسعى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى تطبيق أشد للعقوبات على أمل تقليص ميزانية موسكو الحربية.
ورغم تمكن روسيا حتى الآن من التحايل على العقوبات بفضل الصين والهند، وكذلك من خلال تطوير أسطول "شبح" من الناقلات، فقد تصبح اللعبة أكثر تعقيداً في المستقبل.
وفرضت واشنطن عقوبات للمرة الأولى في نوفمبر الماضي على مالكي الناقلات التي تحمل الخام الروسي والتي بيعت بسعر أعلى من الحد الأقصى الغربي. وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية أنه سيتم تعديل الآلية ليصعب على المصدرين الروس التحايل على السقف المفروض من الغرب.
وعلاوة على ذلك، فإن تدفقات النفط الخام الروسي إلى آسيا تمر بشكل رئيسي عبر قناة السويس ومضيق باب المندب المعرّض حاليا لهجمات المتمردين الحوثيين .