خاص
خاص

فيتنام والمكسيك.. "باب خلفي" صيني لتجاوز عقوبات أميركا

تقوم دول قليلة في العالم بدور اقتصادي هام لكونها أبوابا خلفية، يمكن من خلالها تجاوز القيود التي تفرضها العلاقات المتوترة بين دول الغرب خاصة الولايات المتحدة من جهة، والصين على الضفة الأخرى، وذلك في ظل الصراع الجيوسياسي المتصاعد على خلفية الحرب الأوكرانية، وما ترتب عليها من استقطاب حاد بين القوى العالمية، تغذيه الحروب المشتعلة في مناطق عدة.

واختارت هذه الدول أن تصبح نقطة "التقاء اقتصادي" بين الدول المتنازعة، إما عبر الالتفاف على عقوبات بعينها بحيث تصبح ملجأ تستخدمه الدول الخاضعة للعقوبات كملاذ للهروب من هذه العقوبات؛ فتقوم بإنشاء المصانع على أراضيها، أو تتولى تسهيل تجارة واستثمارات هذه الدول، متجاوزة هذه العقوبات القيود، عبر استغلال موقعها الاستراتيجي.

وفي واقع الأمر، فإن الاقتصادين الأميركي والصيني يحتاجان إلى بعضهما البعض ولا يستطيعان ولا يمكنهما فك الارتباط فيما بينهما حتى لو طبق كل جانب عقوبات على الجانب الآخر، أو تم فرض رسوم جمركية حِمائية على بعض السلع المتدفقة بينهما، لأن الارتباط مازال موجودا من خلال بعض الدول التي تقوم بدور "الباب الخلفي"، ومن هذه البلاد فيتنام والمكسيك.

انكماش صيني

وتقول الخبيرة الاقتصادية ومحللة الأسواق، هيلينا سمولاك، إن الاقتصاد الصيني البالغ حجمه 18 تريليون دولار يعاني من انكماش في أنشطة التصنيع وتراجع نمو الصادرات، فضلا عن تراكم الديون المحلية، فيما قامت الولايات المتحدة بقطع إمداداتها من أشباه الموصلات وغيرها من التقنيات التي تعزز النمو الاقتصادي للصين.

وأضافت أن الصين تواجه أيضا أزمة في سوق العقارات وتراجع حجم الإنفاق الاستهلاكي، فضلا عن تراجع الطلب العالمي على السلع الصينية في أعقاب وباء كورونا، مشيرة إلى أن كل ذلك دفع الشركات الصينية للبحث عن مخرج تضمن من خلاله استمرار تدفق السلع التي تنتجها إلى السوق الأميركية؛ فبدأت بإنشاء مصانع لها في دول ذات علاقات تجارية جيدة مع الولايات المتحدة، وبينها اتفاقيات للتبادل التجاري وإعفاءات جمركية، وهو ما ينطبق بشكل أساسي على فيتنام والمكسيك.

تبادل تجاري مهم

ويبلغ حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين حوالي 690 مليار دولار، منها 536 مليار دولار صادرات صينية، مقابل 153 مليار دولار صادرات أميركية، ما يجعل الصين تسجل فائضا تجاريا ضخما، بينما يسجل الجانب الأميركي عجزا بقيمة 283 مليار دولار.

وعقب تبادل العقوبات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، نقلت شركات أميركية مصانعها وأنشطتها لدول تتكامل اقتصاديا مع الصين مثل فيتنام، كما قامت الصين بضخ استثمارات وإنشاء مصانع لها في المكسيك للالتفاف على العقوبات المباشرة الواقعة عليها.

وتعد فيتنام ثامن أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، بحجم مبيعات بلغ 139 مليار دولار، حيث ازدهرت الاستثمارات الأميركية في ظل اقتصاد السوق المفتوح الذي اتبعته البلاد خلال السنوات الأخيرة.

كما أنه، وعلى الضفة الأخرى، كلما اشتدت العقوبات الأميركية على الصين زادت بكين من حجم مشروعاتها في فيتنام، والتي تربطها معها حدود مشتركة برا وبحرا، حيث حافظ التعاون الاقتصادي والتجاري بين الجانبين على قوة دفع جيدة لفترة طويلة، فيما دشنت الصين ابتداء من يونيو 2022 حوالي 3372 مشروعا في فيتنام، بإجمالي استثمارات بلغت 22.31 مليار دولار.

استمرار رغم العقوبات

وبينما تستحوذ الولايات المتحدة على ثلث صادرات فيتنام، فإن الصين تعتبر أكبر مورد للمواد الخام إلى فيتنام من معدات وخامات، وبذلك تؤدي فيتنام دور الرابط بشكل ما بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما يعني استمرار العلاقات التجارية بين البلدين، ولو بطريقة غير مباشرة.

وقد رفعت فيتنام رسميا مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة في سبتمبر الماضي، لتتحول إلى "شراكة استراتيجية شاملة"، وهي مكانة دبلوماسية اقتصرت سابقاً على قلة مختارة، تضم الصين والهند.

ورغم التوترات السياسية بين الولايات المتحدة والصين، إلا أن الروابط التجارية تزداد قوة، فبعد توقيع عقوبات اقتصادية أميركية على الصين قامت الشركات الصينية بالالتفاف على هذا القرار بإنشاء مصانع لها في المكسيك تسمح لها بتصنيف سلعها على أنها "صنع في المكسيك".

وتُنقل المنتجات والبضائع التي تخرج من هذه المصانع في شاحنات مباشرة إلى الولايات المتحدة مع إعفاء كامل من الرسوم الجمركية، حيث تستفيد الشركات الصينية من إعفاءات وتسهيلات تجارية موسعة بين دول أميركا الشمالية، وهذا ما يفسر قيام عشرات الشركات الصينية الكبرى بالاستثمار بقوة في المكسيك.

ووفقا لوزارة التجارة الأميركية فإنه يوجد حوالي 650 كيانا اقتصاديا صينيا يخضعون للعقوبات الأميركية، وتمت إضافة 115 كيانا آخرين منذ تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة.

كيف بدأت الحرب؟

بدأت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، عندما أعلن الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018 فرض رسوم جمركية بقيمة 50 مليار دولار على الواردات الصينية بموجب قانون التجارة الأميركي لعام 1974 الذي يكافح الممارسات التجارية غير العادلة وسرقات الملكية الفكرية، فيما قامت بكين كرد انتقامي بفرض رسوم جمركية على أكثر من 128 منتجا أميركيا أشهرها فول الصويا.

ودعا وزير الخارجية الصيني إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لرفع القيود التي طبقها ترامب على الواردات الصينية إلا أن هذه الدعوات لم تلق صدى حتى الآن. وتشير التوقعات إلى تراجع نمو الاقتصاد الصيني خلال العام الجاري 2023 إلى 5.1%، وهو أقل من التوقعات السابقة التي كانت عند 5.2% وأقرب إلى توقعات الحكومة البالغة 5%.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com