وتتمتع الهند بإمكانات اقتصادية هائلة، ليس فقط بسبب حجم سكانها، ولكن أيضًا بسبب تركيبتها الديموغرافية، ويمكن رؤية هذه الميزة التنافسية الهائلة في نسبة الإعالة في الهند dependency ratio.
نسبة الإعالة هي مقياس يقارن الشباب وكبار السن في الدولة، الذين لا يعملون، بسكانها العاملين، فكلما انخفضت النسبة، قل عدد غير العمال الذين تحتاج الدولة إلى دعمهم، لذلك على سبيل المثال، فإن دولة بها 50 مُعالًا لكل 100 عامل سيكون لديها نسبة إعالة أقل من دولة بها 90 معالا لكل 100 عامل.
وتُظهر توقعات الأمم المتحدة المنشورة في عام 2022 أن نسبة الإعالة في الهند تبلغ 47 لكل 100 عامل في عام 2023، بانخفاض عن معدلها قبل 25 عامًا عند 68 معالًا لكل 100 عامل، ومن المتوقع أن تنخفض نسبة الإعالة في الهند إلى 45 إلى 100 في غضون الـ 25 عامًا القادمة، قبل أن تبدأ في الارتفاع في عام 2033.
ولكن حتى ذلك الحين، من المتوقع أن تحتل نسبة الإعالة في الهند المرتبة 23 في العالم في عام 2048، مقارنة إلى المرتبة 43 الحالية، بناءً على تحليل ماركت واتش لبيانات الأمم المتحدة، هذه ميزة كبيرة لأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان.
واليوم، تعد نسبة الإعالة في الصين أقل قليلاً من نسبة الإعالة في الهند، حيث يبلغ عدد المعالين 45 لكل 100 عامل، لكن النسبة في الصين سترتفع بشكل صاروخي في السنوات المقبلة، حيث يتكون جزء متزايد من سكانها من الشباب وكبار السن، يدعمهم عدد أقل نسبيًا من البالغين في سن العمل، هذا الوضع هو إلى حد كبير نتيجة لسياسة الطفل الواحد في الصين التي انتهت في عام 2016، وستبدأ نسبة الإعالة في الصين في الارتفاع في عام 2028 وستصل إلى 68 إلى 100 في 25 عامًا، مما يجعلها في المرتبة 146 من بين 193 دولة في العالم.
من المتوقع أن تنخفض نسبة الإعالة في البلاد خلال الخمسة عشر عامًا القادمة.
وبينما تشير الأرقام الديموغرافية إلى أن الهند لديها الكثير لتكسبه من وضعها الجديد باعتبارها البلد الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم، فلن تستفيد من إمكاناتها الاقتصادية الكاملة إذا استمرت في التخلف عن الاقتصادات الناشئة الأخرى من حيث إنتاجية العمل ومعدل مشاركة الإناث.
تعيش الهند حاليًا فترة "العائد الديموغرافي"، وهي فترة نمو اقتصادي عندما تكون نسبة الإعالة منخفضة بسبب الهيكل العمري لسكانها، ويعد البلد في عائده الديموغرافي عندما ينخفض معدل الخصوبة، ويدخل المزيد من النساء والقائمين على الرعاية إلى القوى العاملة نتيجة لذلك، وهو ما يُترجم عمومًا إلى نسبة إعالة أقل، لكن ربما تترك الهند بعض أرباحها الاقتصادية على الطاولة.
ويحدد تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNPFA) ثماني سياسات ومبادرات محددة يجب على الدولة اتخاذها لتسخير هذه الفترة المحورية في تاريخ الهند، والتي تتمحور حول ركيزتين: الأولى هي صحة الفرد، والتي يمكن تحسينها بزيادة تمويل الرعاية الصحية والصحة الإنجابية والتعليم، والركيزة الثانية تهدف إلى تحويل هيكل الاقتصاد من الزراعة إلى قاعدة التصنيع.
ومع ذلك، فإن نقاط البيانات من تقرير الأمم المتحدة التي تقيس الدعم في الهند للركيزة الأولى -صحة السكان العاملين الجدد- تشير إلى أن الهند متأخرة، ولم يواكب الإنفاق على الرعاية الصحية ارتفاع إجمالي الربح المحلي للهند، كما أن الاحتياجات غير الملباة لتنظيم الأسرة مرتفعة مقارنة بالدول المجاورة، مثل الصين وكوريا الجنوبية، وقال التقرير إن النساء أيضا لديهن فرص أقل لتعلم المهارات التي من شأنها زيادة مشاركتهن في القوى العاملة.
بدون سياسات مناسبة، قد تؤدي الزيادة في عدد السكان في سن العمل إلى ارتفاع معدلات البطالة، مما يؤجج المخاطر الاقتصادية والاجتماعيةتقرير الأمم المتحدة
تشير الأرقام الديموغرافية للهند إلى أن البلاد لديها الكثير لتكسبه من قوتها العاملة المتنامية، وقد قطعت الدولة بالفعل بعض الخطوات المهمة لدعم تحولها الاقتصادي، ويظهر تقرير جديد صادر عن البنك الدولي أن الهند تتخلف وراء الاقتصادات الناشئة والمتقدمة الأخرى بناءً على بعض المقاييس.
ينقسم مقياس البنك الدولي للنمو الاقتصادي المحتمل إلى ثلاث فئات، إنتاجية العوامل الإجمالية، وتراكم رأس المال، والعمالة، في حين أن منطقة جنوب آسيا، التي تعد الهند من ضمنها، هي السوق الناشئة والاقتصاد النامي الوحيد (EMDE) الذي لم يعان من انخفاض في النمو المحتمل الإجمالي في العقد الماضي مقارنة بالسنوات العشر التي سبقته، فإن هذا يرجع أساسًا إلى تحسينات في إنتاجية العوامل الإجمالية وتراكم رأس المال، النمو من تراكم رأس المال والعمالة هو المكان الذي تتخلف فيه الهند.
كان إجمالي إنتاجية العوامل، الذي يحدث من خلال استخدام أكثر كفاءة للمدخلات من خلال التغييرات التكنولوجية، أكبر مساهم في النمو الاقتصادي المحتمل في جنوب آسيا في العقدين الماضيين، وفقًا لتقرير البنك الدولي، في الهند، يتجاوز إجمالي إنتاجية عوامل الإنتاج بكثير تلك الخاصة بأكبر ثلاثة اقتصادات، الولايات المتحدة والصين واليابان، ويمكن أن يُعزى ذلك إلى انتقال الهند من الاقتصاد الزراعي إلى التصنيع.
إن إمكانات نمو تراكم رأس المال في الهند أقل من الصين ولكنها أعلى من الولايات المتحدة واليابان، على الرغم من أن البلدان الأخرى في منطقة جنوب آسيا -بنغلاديش وبوتان ونيبال- لديها استثمارات قوية، ويرجع ضعف إمكانات تراكم رأس المال في الهند إلى عدم اليقين في السياسة العامة والاختناقات الهيكلية من شبكات الطاقة والنقل غير الموثوق بها، وفقًا لتقرير البنك الدولي.
تعد العمالة النقطة التي تملك أقل قدر من إمكانات النمو الاقتصادي في الهند، مقارنة بالفئتين الأخريين، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التحديات التعليمية التي تحد من إمكانات العمالة للمساهمة بشكل أكبر في النمو الاقتصادي في الهند، حيث أكمل 40% فقط من السكان المرحلة الثانوية في 2010، ويمثل هذا زيادة بنسبة خمس نقاط مئوية فقط عن العقد السابق، وهو ثاني أصغر منطقة من مناطق الأسواق الصاعدة والبلدان النامية الست، ووفقًا لتقرير البنك الدولي، فإن تأثير الوباء على معدلات إتمام الدراسة سيكون بمثابة وجع جديد في هذا المجال من إمكانات النمو.
"سيكون رأس المال البشري قد تآكل بسبب انخفاض معدلات المشاركة في القوى العاملة (Participation Rate)، واضطراب التعليم، وتدهور النتائج الصحية"، وفقًا لتقرير البنك الدولي.
وبينما تخطط الهند لإصلاحات طموحة، يرى البنك الدولي فرصًا لتسريع تنفيذها، والإجراءات التي سيكون لها أكبر الأثر هي تلك التي تضفي إصلاحات على القوى العاملة وتشجع على زيادة معدل مشاركة النساء في العمالة لتتوافق مع بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية الأخرى.