خاص
خاص

اقتصاد المغرب.. معاناة مزدوجة بين الجفاف وضغوط النمو

ينمو الاقتصاد المغربي خطوة للأمام، بعد انكماش، وسط تحديات عالمية تطال العديد من الدول، ثم يُرجعه "الجفاف" أحد أبرز تداعيات تغير المناخ للوراء قليلا، ويرفع فاتورة الاستيراد "ملايين إضافية من الدولارات"، بحسب تقديرات اقتصادية.

تلك التقديرات التي يذهب إليها محلل اقتصادي مغربي، تحدث إلى "إرم الاقتصادية"، "موجعة للغاية" للاقتصاد، الذي يتوقع له أن "يواصل الصمود"، وسط جهود محلية ودعم دولي يدفع لتعزيز بدائل "لا تعرقل النمو" في ظل التحديات العالمية.

والأربعاء، أعلن المكتب الوطني المهني للحبوب المغربي (رسمي)، في بيان، تمديد استيراد القمح، عبر تقديم دعم لاستيراد نحو 2.5 مليون طن من القمح اللين المستخدم بصورة رئيسة في إنتاج الخبز المدعم، وذلك في الفترة من الأول من يناير إلى 30 أبريل 2024، بهدف تعويض الإنتاج المحلي المتضرر من الجفاف، وفق تمديد هو الثالث من نوعه هذا العام.

وليس القمح وحده من انضم لقائمة الاستيراد، فواردات السكر الخام، وفق تقديرات رسمية، سجلت ارتفاعا ملحوظا بلغ 831 ألف طن عام 2022، بزيادة قدرها 19% مقارنة بالعام السابق، و35% مقارنة بعام 2019، وذلك بسبب انخفاض الإنتاج الوطني، والذي وصل إلى أكثر من 47% بين عامي 2019 و2022 نتيجة انخفاض المياه المخصصة للري، في ظل توالي سنوات الجفاف.

تقلبات اقتصادية

المغرب يتعرض لموجة جفاف منذ الثمانينيات، لكن امتدت حالة الجفاف خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، بعد أن كانت تحدث مرة كل 5 سنوات، فيما شهد نوفمبر الماضي، غياب تساقط الأمطار، وإقامة صلاة الاستسقاء، تضرعا من الله عز وجل، لنزول الأمطار.

و"الظروف الجوية"، بالمغرب هي إحدى "مخاطر تباطؤ الاقتصاد"، وفق ما ذكره تقرير وكالة "فيتش" للتنصيف الانتمائي في أبريل الماضي، مع تصنيف اقتصاد المغرب عند "BB+ مع نظرة مستقبلية مستقرة"، وترجيح "نمو اقتصاد المملكة بنسبة 3.2% في عام 2024، مدفوعا بالقطاعات الصناعية".

ويلفت التقرير إلى أن "الانتعاش الاقتصادي واجه رياحا معاكسة، مع تباطؤ النمو الاقتصادي في 2022 إلى 1.2% من 7.9% في 2021، مع تقلص الإنتاج الزراعي بنسبة 15% بسبب الجفاف الشديد".

تكلفة مواجهة الجفاف، تضغط على بنود موازنة المغرب، فالحكومة خصصت في مشروع قانون المالية لسنة 2024، اعتمادات إجمالية تقدر بـ16,357 مليار درهم (1.6 مليار دولار) من أجل دعم أسعار غاز البوتان والسكر، ودقيق القمح اللين (المستخدم بصورة رئيسة في إنتاج الخبز، ويشكل نحو 80% من الاستهلاك من جميع أنواع الحبوب).

وأوضح تقرير مشروع الموازنة أنه "نظرا لعجز الإنتاج المحلي خلال الموسم الحالي بسبب الجفاف واستمرار تجاوز سعر الاستيراد، يستمر منح دعم لاستيراد القمح اللين، ووقف استيفاء الرسوم الجمركية على الاستيراد؛ لضمان تأمين السوق المحلي بالقمح وتثبيت سعر الخبز عند 1.20 درهم وأسعار الدقيق"، في إشارة لعدم تأثر سعر الخبز بالنسبة للمواطنين.

ويستهلك المغرب وفق تقديرات محلية 450 ألف طن في الشهر من القمح اللين؛ أي ما يزيد عن 5 ملايين طن في العام، ويتم استيراد أكثر من نصف ما يستهلكه المغاربة من الحبوب من الخارج.

وسجلت فاتورة استيراد القمح اللين في المغرب 25 مليار درهم في 2022، بزيادة 81% على أساس سنوي.

جهود متفائلة

لمواجهة تداعيات الجفاف، يواصل المغرب برامج عدة، أبرزها برنامج إمدادات مياه الري (2020-2027) باستثمارات تبلغ نحو 12 مليار دولار، وتوسيع نطاق الري بالتنقيط من أجل الوصول إلى مليون هكتار.

وفي يونيو ويوليو الماضيين، وافق مجلس المديرين التنفيذيين بالبنك الدولي على برنامجين، الأول قرض بقيمة 350 مليون دولار لمساندة مساعي مكافحة تغير المناخ، والآخر تمويل بقيمة مماثلة لدعم مشروع إمدادات مياه الشرب والري (2020-2027)، وفق ما يذكره الموقع الإلكتروني للبنك.

ولا يزال البنك الدولي متفائلا بمستقبل اقتصاد المغرب، متوقعا أن "يرتفع النمو الاقتصادي إلى 2.8% في عام 2023، مدفوعًا بالتعافي الجزئي للإنتاج الفلاحي والخدمات وصافي الصادرات، وذلك بعد التباطؤ الحاد الذي شهده عام 2022، والذي نجم عن مختلف الصدمات السلعية والمناخية المتداخلة، بحسب تقرير صدر في 16 نوفمبر الماضي.

ومن المتوقع أن يتعزز هذا التعافي في المدى المتوسط، وأن يصل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى 3.1% في 2024، و3.3% في 2025، و3.5% في 2026، مع تعافي الطلب المحلي تدريجيًا من الصدمات السلعية والمناخية.

ضريبة "باهظة"

وقال المحلل الاقتصادي المغربي، إدريس العيساوي، لـ"إرم الاقتصادية"، إن كلفة الجفاف "باهظة على الاقتصاد الوطني، وتقديراتها تتجاوز ملايين الدولارات".

وأوضح أن المكتب الوطني المهني للحبوب هو الأداة الأساسية التي يعتمد عليها الاقتصاد المغربي في تكملة ما يحتاجه من مواد تتعلق بالحبوب، لا سيما القمح اللين المعتمد عليه في الخبز، ويتطلب الأمر في هذا الفترة الحرجة من المكتب أن يكون يقظا، في ظل قراره الصائب بتمديد حملة استيراد القمح رغم كلفته.

وأوضح العيساوي، أن الجفاف هذه العام كان صعبا جدا، وأثر على المحصول الزراعي، الذي يتوقع أن يتراجع، ولذا نادت السلطات بصلاة الاستسقاء، أملا في نزول الأمطار، لعلها تخفف من أضرار الجفاف الذي يعود للثمانينيات.

وأشار إلى أن الاقتصاد المغربي اجتاز كوفيد 21، ويواجه ارتفاع أسعار المواد الغذائية عقب اندلاع حرب روسيا وأوكرانيا، وسيكون مضطرا أن يدعم النفقات المرتفعة المتوقعة لاستيراد 2.5 مليون طن قمح مجددا بخلاف ما سبق، في ظل استخدام الدقيق في الخبز اليومي وليس المنتجات الكمالية الرفاهية.

ولفت المحلل الاقتصادي، إلى أن المغرب يشهد أزمات عدة، لكن توازنات الاقتصاد قادرة على أن تتعاطى معها وتتجاوزها شيئا فشيئا، دون أن تمس أولويات الناس ومطالبهم، خاصة فيما يتعلق بالدقيق والخبز.

واستبعد العيساوي أن يتحرك سعر رغيف الخبز من مستواه الحالي 1.2 درهم، مؤكدا أن قرار الدولة المغربية سيبقى مستمرا في دعم المواد الأساسية كالدقيق والزيت والغاز رغم فاتورة تغير المناخ على الاقتصاد.

واستدرك: "الاقتصاد المغربي رغم تأثره بفاتورة الجفاف الباهظة والموجعة للغاية وتحمل الموازنة تبعات ذلك بملايين الدولارات، إلا أنه اقتصاد متنوع، وينتظره أفق إيجابي".

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com