وأكد المحلل الاستراتيجي مايكل هارتنت أن البنوك المركزية والحكومات، لا تزال تعمل على إنقاذ وول ستريت، ووجهة السياسة في مجموعة دول السبع، في نهاية المطاف، هي التحكم في منحنى العائد، وذلك بمجرد أن يؤدي الركود التالي إلى إثارة الذعر في السياسة المالية، ومخاطر تخلف الحكومات عن السداد».
ومن المتوقع أن يرتفع الدين في أميركا بوتيرة أسرع بكثير مقارنة بالاقتصاد الكلي، فوفقاً لمكتب الميزانية في الكونغرس، سيصل الدين العام إلى 118.9% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2033، ارتفاعاً من 98.2% هذا العام.
وخفضت وكالة التصنيف «فيتش»، الأسبوع الماضي، التصنيف الائتماني الأعلى للحكومة الأميركية، في خطوة أثارت استجابة غاضبة من البيت الأبيض، وفاجأت المستثمرين رغم حل أزمة سقف الديون قبل شهرين.
وجاء قرار «فيتش»، في جلسة الثلاثاء الماضي، بخفض تصنيف الولايات المتحدة إلى «AA+» من «AAA»، مستشهدة بالتدهور المالي على مدى السنوات الثلاث القادمة، ومفاوضات الحد الأقصى للديون المتكررة التي تهدد قدرة الحكومة على سداد فواتيرها.
ومنذ عام 2020 يواجه العالم أكبر زيادة في معدلات الدين، منذ الحرب العالمية الثانية، في ضوء الأزمات الناتجة عن جائحة كورونا التي أفضت إلى تعرض الاقتصاد العالمي لأزمة عالمية وركود عميق، ليرتفع الدين الكلي العالمي إلى 256% من إجمالي الناتج المحلي العالمي خلال عام 2020.
وفي عام 2021 وصل الدين الكلي العالمي إلى مستوى قياسي بلغ 303 تريليونات دولار، وتفاقمت أزمة الديون وتأثيراتها على الاقتصاد العالمي في ظل تفاقم أزمة الدين القومي في الولايات المتحدة؛ حيث بلغت ديون الولايات المتحدة حالياً ستة أضعاف ما كانت عليه في بداية القرن الحادي والعشرين، ليمثل أكبر حجم منذ الحرب العالمية الثانية. ومن المتوقع أن ينمو بمعدل 1.3 تريليون دولار سنوياً خلال العقد المقبل.
وقد تجاوزت الولايات المتحدة الحد القانوني البالغ 31.4 تريليون دولار للاقتراض، مع بداية عام 2023. وفي غضون عقدين فقط أضافت واشنطن ديوناً بقيمة 25 تريليون دولار، ما وضع واشنطن على شفا أزمة مالية أخرى، حيث أدى عقدان من السياسات الخاطئة للحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى زيادة الاقتراض، إذ اعتاد السياسيون من كلا الحزبين اقتراض الأموال لتمويل الحروب، والتخفيضات الضريبية، وتوسيع الإنفاق الفيدرالي لاتخاذ تدابير طارئة لمساعدة الاقتصاد الأميركي على تحمل فترات من الركود المنهك. لكن الاقتصاديين يحذرون من أن الفشل في رفع حد الدين قد يكون كارثياً.
وفي الوقت الذي يعيش فيه العالم أزمات مالية واقتصادية، بسبب تداعيات الأزمة في أوكرانيا واستمرار تداعيات جائحة كورونا الممتدة، تتزايد المخاوف من أزمة مالية عالمية، وفي حال التخلف عن سداد الديون الأميركية، سيؤدي إلى ركود اقتصادي في الولايات المتحدة، وقد يؤدي من ثم إلى أزمة مالية عالمية.
وخلال العقود الماضية شهدت الديون الأميركية معدلات ارتفاع كبيرةـ فقد نمت ديون الولايات المتحدة من 1989 إلى 2021 بأكثر من 800%. ولعب عدد من العوامل دوراً مهماً في ارتفاع هذه الديون، وفي مقدمة هذه العوامل حرب أفغانستان وحرب العراق، والأزمة المالية العالمية 2008، وجائحة كورونا في عام 2020، ففي الفترة 2019 حتى 2021 ارتفع الإنفاق الأميركي بنحو 50%.
جدير بالذكر أن الدين القومي شهد ارتفاعاً ملحوظاً خلال السنوات العشر الماضيةـ حيث ظلت نفقات الفائدة خلال هذه الفترة مستقرة إلى حد ما بسبب أسعار الفائدة المنخفضة وتقدير المستثمرين أن الحكومة الأميركية لديها مخاطر منخفضة للغاية من التخلف عن السداد، ولكن اعتباراً من ديسمبر 2022، تم إضافة نحو 210 مليارات دولار للدين الأميركي، وهو ما يمثل 15% من إجمالي الإنفاق الفيدرالي.
كما اضطلعت زيادة الإنفاق الحكومي بتفاقم الديون الأميركية، وخصوصاً مع السياسات التي تبنتها بعض الإدارات الأميركية، فعلى سبيل المثال، أدى الإنفاق الناتج عن الحروب إلى إضافة تريليونات الدولارات إلى الدين القومي، حيث قدرت وزارة الدفاع الأميركية العام الماضي، أن التكاليف المباشرة للحروب في العراق وسوريا وأفغانستان قد تجاوزت 1.6 تريليون دولار، في حين وجد باحثون أضافوا تكاليف غير مباشرة، لا سيما رعاية قدامى المحاربين في تلك الحروب، والفوائد على الأموال المقترضة لتمويل الجيش، أن التكلفة الإجمالية كانت أعلى بكثير، وأقل بقليل من 6 تريليونات دولار، لكل جهود أميركا في الحرب على الإرهاب في أعقاب 11 سبتمبر 2001.
كما ساهمت بعض برامج الإنفاق الدائم الجديدة، التي تتماشى مع الغرض من الحكومة الفيدرالية بإنفاق الأموال على البرامج والخدمات، لضمان رفاهية المقيمين في الولايات المتحدة، في تزايد الديون. على سبيل الذكر، ساهم برنامج استحقاق العقاقير التي تصرف من خلال برنامج “ميديكير” – وهو برنامج التأمين الصحي للأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكبر – في رفع العجز الأميركي بشكل واضح؛ حيث كلف أكثر من 100 مليار دولار في عام 2022 وحده.
ومن جهة أخرى تفاقم تراجع الإيرادات الضريبية من أزمة الديون الأميركية خلال السنوات الماضية، حيث أشارت بعض التقديرات إلى أنه منذ عام 2001 حتى عام 2018، أضافت التخفيضات الضريبية وتكاليف الفائدة الإضافية للاقتراض لتمويلها ما يصل إلى 5.6 تريليون دولار للدين الأميركي.