تعمل بنوك الخليج على تكثيف جهودها لاستعادة مليارات الدولارات من حصة السوق من شركات التقنية المالية التي تقدم خدمة «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» (BNPL)، متوجهةً إلى بنى تحتية جديدة للمدفوعات لاستعادة السيطرة عند نقاط الدفع، بحسب ما صرح به مسؤولو الصناعة.
ووفقاً لتقرير نشره موقع AGBI، تتعاون شركة «فيزا» مع المقرضين في الإمارات العربية المتحدة والسعودية لتعزيز منصتها لحلول التقسيط (Visa Installments)، والتي تتيح لحاملي بطاقات الائتمان تقسيم المدفوعات إلى أقساط خالية من الفوائد؛ ما يحاكي المميزات الأساسية لعروض «اشترِ الآن وادفع لاحقاً».
وقال غودفري سوليفان، رئيس الاستراتيجية الرقمية والمنتجات والحلول والشراكات في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في شركة «فيزا»، في مقابلة مع AGBI: «لقد أنشأنا البنية التحتية للبنوك لتقديم خيار للعملاء بين الشراء بالائتمان أو تقسيم المدفوعات. يحب المستهلكون ذلك، خاصة جيل زد. نرى أن اللاعبين الإقليميين في «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» يحققون نجاحاً كبيراً».
تواجه نماذج الائتمان التقليدية من البنوك تحديات كبيرة أمام نهج «اشترِ الآن وادفع لاحقاً»، الذي يتميز بمعاملات قصيرة الأجل وخالية من الفوائد وممولة من التجار.
ففي السعودية، تتعامل شركات التقنية المالية مثل «تابي» (Tabby) و«تمارا» (Tamara) مع ما يصل إلى نصف أحجام الدفع على منصات التجارة الإلكترونية مثل «نون» (Noon)؛ ما يضع ضغطاً على المقرضين للدفاع عن مواقعهم في السوق أو المخاطرة بفقدان جيل كامل من المقترضين.
وتشير الأبحاث التي أجرتها شركة «سينابس أناليتكس» (Synapse Analytics) إلى أن اعتماد «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» في الإمارات والسعودية يتفوق على استخدام بطاقات الائتمان بحوالي 10 نقاط مئوية. ومن المتوقع أن تتجاوز إيرادات هذه الخدمة في الإمارات 2.5 مليار دولار هذا العام، بينما من المتوقع أن تصل السعودية إلى هذا الرقم بحلول عام 2030، وفقاً لبيانات من «ريسيرش آند ماركتس» (Research & Markets).
أما عالمياً، فتقدر شركة «ماكنزي» (McKinsey) أن البنوك تخسر أكثر من 10 مليارات دولار سنوياً لصالح شركات «اشترِ الآن وادفع لاحقاً».
وقالت أرميناه باغومي، رئيسة قسم أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في شركة «بارتنرز فور غروث» (Partners for Growth) التي تقدم تمويلاً بالديون لشركة «تابي»: «سيكون من الصعب على البنوك استعادة حصتها في السوق من مزودي «اشترِ الآن وادفع لاحقاً».
وعلى الرغم من أن البنوك تستفيد من شبكات العملاء والتجار الراسخة والميزانيات العمومية القوية، إلا أن باغومي أشارت إلى أن مزودي «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» قد أقاموا علاقات قوية مع التجار، الذين قد يكونون مترددين في تنويع خيارات الدفع.
وأضافت: «يمكن أن تعوق نماذج المخاطر الحذرة بشكل مفرط في تقييم المخاطر البنوك وتقلل من جاذبية مرونة «اشترِ الآن وادفع لاحقاً».
وقد بدأت بعض بنوك الخليج بالفعل في الاستجابة؛ إذ أطلق «مصرف أبوظبي الإسلامي» بطاقة «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» افتراضية بالشراكة مع «سبوتي» (Spotii) في عام 2021، بينما قدم «بنك أبوظبي الأول» بطاقة «سلايس باي» (SlicePay) بالتعاون مع «ماستركارد» في عام 2023.
بالإضافة إلى ذلك، بدأ كل من «سيتي» (Citi) و«لويدز» (Lloyds) في طرح عروض التقسيط لاستبقاء المستخدمين واسترداد رسوم التجار وتعزيز منتجات الإقراض طويلة الأجل. ومع ذلك، لم تحقق البنوك بعد زخماً واسع النطاق.
واقترح بريتام باسو، مؤسس شركة «بوزمان» (Boseman) البريطانية الناشئة، والذي كان مستثمراً مبكراً في شركة «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» الناجحة «دريب برازيل» (Drip Brazil)، أن البنوك يمكن أن تحسن من فرصها من خلال دمج «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» ضمن المنتجات الحالية.
وأضاف: «يمكنهم إنشاء خيار «الدفع على ثلاث دفعات» ضمن الحسابات الحالية، على غرار خدمة «فليكس» (Flex) من بنك «مونزو» (Monzo) الرقمي في المملكة المتحدة؛ ما يسمح للمستخدمين بالدفع عن أي شيء ببطاقتهم وتحويله إلى «اشترِ الآن وادفع لاحقاً». وأوضح: «هذا النهج يعني أن المستهلكين ليسوا مقيدين بالتجار الذين يقبلون هذه الخدمة».
على الرغم من هذه الاستراتيجيات، حذر باسو من أن التجربة التي تقدمها الشركات المتخصصة في «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» يصعب التغلب عليها، مشدداً على ضرورة أن تفعل البنوك الشيء الصحيح.
كما أن المشهد الاقتصادي لشركات التقنية المالية معقد أيضاً. وأشار باسو إلى أن «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» غالباً ما يكون سبباً للخسائر، موضحاً أنه «مع ارتفاع الأسعار، يصبح من الصعب تعديل العمولة الثابتة المفروضة على التجار. وتجني معظم الشركات الناشئة أرباحها من العروض الائتمانية طويلة الأجل التي تشمل الفوائد».
وتدعم شركة «تابي»، المدعومة من صندوق الثروة السيادي في أبوظبي «مبادلة» وتقدر قيمتها بأكثر من 3 مليارات دولار، 15 مليون مستخدم حالياً، وتبلغ أحجام المعاملات السنوية أكثر من 10 مليارات دولار. وقد توسعت الشركة مؤخراً في قطاع التجزئة الفعلية من خلال بطاقة «تابي».
واقترحت باغومي أنه مع مرور الوقت، يمكن لمزودي «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» توسيع خدماتهم لتشمل الودائع وعروض الائتمان الأخرى؛ مما يضعهم في منافسة مباشرة مع البنوك. وخلصت إلى أن «السيناريو الأكثر احتمالاً هو الشراكات، وليس الاضطراب الكامل، كما شهدنا في أسواق أخرى حيث تفضل البنوك التعاون مع شركات التقنية المالية بدلاً من تطوير حلول داخلية».