تأكيد تام على استقلالية الهيئة المصرفية العليا.. لكن العبرة في التطبيق
القانون الجديد يحدد توزيع الخسائر.. ويعفي المودعين من تبعات الأزمة
في خطوة مهمة نحو إعادة هيكلة القطاع المصرفي اللبناني، الذي يعاني من أزمة عميقة منذ العام 2019، أقرّت لجنة المال والموازنة في مجلس النواب اللبناني، يوم الاثنين الماضي، بعد جلسة «ماراثونية» استمرت 6 ساعات، مشروع قانون «إصلاح المصارف» المعدّل.
القانون المذكور يُعد بمنزلة مرحلة جديدة لمحاولة معالجة الأزمة المالية التي ضربت النظام المصرفي اللبناني، وتسببت في فقدان المودعين أموالهم نتيجة سوء إدارة المصارف، واستثمارها الأموال في أصول ذات مخاطر عالية.
بيد أن النجاح في تطبيق هذا القانون يتوقف، وفق عدد من الخبراء على العديد من العوامل، بما في ذلك المراجعة الشاملة للقطاع المصرفي، وضمان حقوق المودعين، وكذلك الخطوات الملموسة التي ستتخذها الحكومة للحدّ من المخاطر المستقبلية.
مشروع القانون المعدّل يتضمن العديد من المحاور التي تهدف إلى تحسين النظام المصرفي اللبناني، وتحقيق الاستقرار في القطاع المالي بشكل عام.
لعل من أهم هذه المحاور، هو التأكيد على استقلالية الهيئة المصرفية العليا، وهي الهيئة التي تم تعديل تشكيلها بشكل يضمن خلوّها من التأثيرات السياسية، إذ إن الهيئة تتألف وفق ما أكّد رئيس لجنة المال والموازنة في البرلمان اللبناني، النائب إبراهيم كنعان من قسمين، أحدهما مخصص للأمور العقابية العادية، بينما يُعنى الآخر بمعالجة الأزمة النظامية الشاملة التي أثرت على لبنان منذ العام 2019.
تضم الهيئة ممثلين عن مصرف لبنان المركزي، وقاضٍ من مجلس القضاء الأعلى، وخبيراً في الشؤون المالية، ورئيس لجنة الرقابة على المصارف، مع التأكيد على أن الهيئة ستكون مستقلة عن أي تدخلات سياسية، ولكن يبقى هذا الأمر غير مضمون في بلد كلبنان، وفق ما يرى بعضهم.
عقب إقرار اللجنة البرلمانية المعنية تعديلات القانون، تحدّث كنعان عن «تراتبية المسؤوليات بموضوع الودائع وسواها، حيث ذهبنا باتجاه حماية المودعين، والمسؤوليات تبدأ بالأموال الخاصة المتعلّقة بالقيادات العليا للمصارف، من أسهم عادية، وأدوات رأسمالية، ومقدمات نقدية مدرجة ضمن الأموال الخاصة، والأسهم التفضيلية وسواها».
أحد المحاور الأخرى التي يركّز عليها مشروع القانون هو حماية حقوق المودعين، حيث تم منح المودعين وضعاً مميزاً في إطار عملية التصفية، حيث سيتم وضعهم في لجان خاصة تضمن ضمان حقوقهم من الخسائر التي تعرضت لها المصارف، في ظل التأكيد على أن المودعين لا يتحملون مسؤولية الأزمة المالية التي نشأت نتيجة سوء إدارة المصارف.
من جهة أخرى، يتطرق القانون إلى تحديد توزيع الخسائر بين الدولة والمصارف مع التشديد على أن المودعين لن يتحملوا الأعباء الكاملة لهذه الخسائر.
في المقابل، تم تأجيل تنفيذ بعض بنود القانون، مثل المواد المتعلقة باسترداد الودائع، إلى حين إقرار مشروع قانون استرداد الودائع، وهو قانون مكمل للإصلاحات الحالية.
في حديث لـ«إرم بزنس»، مع الباحث الاقتصادي في الجامعة الأميركية في بيروت، محمد فحيلي، أشار إلى إن القوانين وحدها لا تكفي لإصلاح ما أفسده النظام المصرفي في لبنان.
أوضح فحيلي، أن الأزمة المصرفية في لبنان ليست نتيجة نقص في رأس المال، بل بسبب نقص في السيولة، حيث قامت المصارف بجمع الودائع بالعملة الصعبة، ثم استثمارها في أصول طويلة الأجل، وعالية المخاطر، مثل سندات الـ«يوروبوند» السيادية، وشهادات الإيداع لدى مصرف لبنان المركزي، وعندما توقفت التدفقات النقدية، اختفت الدولارات من الأسواق بطريقة غير مبررة وغير مفهومة.
رأى فحيلي، أن الإصلاح الحقيقي يتطلب من صنّاع القرار في لبنان، الاعتراف بحقيقة وجذور الأزمة، والعمل على تصفية المصارف، التي لا يمكن إنقاذها، بالإضافة إلى تحديد المصارف القادرة على البقاء والصمود وإعادة هيكلتها، مشدّداً على أهمية حماية صغار المودعين الذين لا يتحملون مسؤولية الأزمة، وبالتالي يجب إيجاد حلول عادلة لهم.
أشار، إلى أن قانون استرداد الودائع يجب أن يتضمن تعويضاً للمودعين الكبار، ولكن بطرق تدريجية عبر إصدار أدوات مالية، مثل حقوق الملكية في المصارف المعاد هيكلتها، وسندات استرداد مدعومة بإيرادات مستدامة، مثل عائدات النفط والغاز في حال تحققت.
أما فيما يخص إعادة رسملة المصارف، فقد حذّر فحيلي من أن هذه الخطوة لا يمكن أن تنجح إذا لم يتم الاعتراف أولاً بالخسائر الحقيقية للمصارف، وتوزيعها بوضوح وشفافية، معتبراً أن إغفال هذه الحقيقة سيؤدي إلى خداع المودعين وهدر رأس المال، ما يعيق عملية التعافي الحقيقي للقطاع المصرفي بشكل كامل.
من المتوقع أن يُحال مشروع القانون في وقت لاحق إلى الهيئة العامة لمجلس النواب في الجلسة التشريعية المقبلة، حيث سيخضع للمراجعة النهائية والتصويت.
بعد إقراره، يبقى أن تضع الحكومة اللبنانية، خطة تنفيذية تشمل آليات واضحة لتوزيع الخسائر، وتحديد دور المصارف التي ستظل قائمة بعد الإصلاحات.
لكن التحدي الأكبر يبقى في كيفية ضمان الشفافية والمساءلة في تنفيذ هذا القانون، وإعادة بناء ثقة المودعين في القطاع المصرفي اللبناني، فعلى الرغم من مرور نحو ست سنوات على بداية الأزمة، لا تزال هناك حاجة ملحة جداً لتنفيذ إصلاحات حقيقية على مستوى المؤسسات المالية والإدارية في لبنان.
هذا الأمر دفع النائب كنعان إلى القول: «نأمل أن يعطي هذا القانون الإشارة الإيجابية المطلوبة دولياً من لبنان»، مضيفاً: «سنكون في الأيام المقبلة لاحقاً أمام الهيئة العامة حيث يمكن أن تطرح بعض (الروتشة)، ولكن القانون بات متجانساً ومرتبطاً باسترداد الودائع، وأتمنى أن يتم التمسك بما تم الاتفاق عليه، إن في الحكومة أو مجلس النواب، باعتبار أنه لا يمكن تنفيذ هذا القانون إلا مع إقرار قانون استرداد الودائع والانتظام المالي».
على الرغم من التفاؤل الكبير، الذي أشاعه إقرار لجنة المال والموازنة النيابية، مشروع قانون إصلاح المصارف، لدى الكثير من اللبنانيين، وتحديداً المودعين الذين ينتظرون أي بارقة أمل تتعلق باسترجاع ودائعهم ومدخراتهم، اعتبر بعض الاقتصاديين، أن الخطوة هي مجرد مشروع قانون يشكّل إطاراً تقنياً وتنظيمياً لإصلاح المصارف، لكنه لا يحل جوهر المشكلة، وهي الفجوة المالية، في وقت يخشى فيه بعضهم الآخر من التسويف والتأخير السياسي المتعمّد في المراحل اللاحقة، بما قد يحول دون تحقيق نتائج إيجابية ملموسة للقانون على أرض الواقع.