تضرر 100 مصنع نتيجة الحرب الإسرائيلية
الإعفاءات الضريبية للصادرات 50% وقد تصل إلى 100%
يمرّ لبنان بأصعب مرحلة اقتصادية ومالية في تاريخه الحديث، حيث يعاني أزمةً مركبة أثرت بشكل بالغ في كل القطاعات. ومع ذلك، يظل القطاع الصناعي واحداً من الركائز الحيوية التي يعلق عليها اللبنانيون آمالاً كبيرة للانتعاش الاقتصادي، خصوصاً مع الشعار الذي رفعته الحكومة الجديدة برئاسة نواف سلام: «الإصلاح والإنقاذ».
هذا القطاع، الذي يشغل حوالي 210 آلاف عامل وموظف، يمتلك إمكانات كبيرة من خلال إنتاج أكثر من 1500 منتج متنوع، ويحقق صادرات سنوية تُقارب مليارين ونصف المليار دولار، ويُسهم بنحو عشرة مليارات دولار في الناتج المحلي اللبناني، وفق بيانات وزارة الصناعة اللبنانية.
المديرة العامة بالإنابة لوزارة الصناعة اللبنانية شانتال عقل، قدّمت في حديث إلى «إرم بزنس» رؤية واضحة حول التحديات التي يواجهها القطاع الصناعي في لبنان، والخطوات التي تتخذها الوزارة لتعزيز هذا القطاع الحيوي. وأكدت أن الوزارة تسعى إلى توفير بيئة عمل محفزة للصناعة، على الرغم من الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، مشيرة إلى أن تحسين البنية التحتية وتبسيط الإجراءات الإدارية يعتبران من الأولويات التي تسعى الوزارة إلى تحقيقها.
تتوزع الصناعة اللبنانية عبر نحو 7 آلاف مصنع مسجل، إضافة إلى عدد غير قليل من المصانع التي تعمل دون تسجيل رسمي، فيما يجري حالياً مسح صناعي بالتعاون ما بين وزارة الصناعة والجيش اللبناني لتحديد العدد الحقيقي للمصانع غير المسجلة. هذا المسح يعكس حرص الوزارة على رسم خريطة دقيقة للقطاع الصناعي بهدف تطويره وتنظيمه، في إطار الاستراتيجية الصناعية الوطنية التي أُطلقت مؤخراً بالتعاون مع مجموعة استشارية دولية وجمعية الصناعيين اللبنانيين.
أوضحت عقل أن الاستراتيجية الوطنية للصناعة ترتكز على محورين رئيسيين: الأول داخلي، ويشمل تبسيط الإجراءات وتسريع إنجاز المعاملات عبر التحول الرقمي، حيث يُتوقع الانتهاء من هذا المشروع بين أكتوبر ونوفمبر المقبلين. أما المحور الثاني فيتعلق بتحسين العلاقات الخارجية، بالتنسيق مع وزارة المالية لتطوير نظام الضرائب والاتفاقيات التجارية، وبما يخدم مصالح الصناعة اللبنانية ويعزز من قدراتها التصديرية.
بحسب عقل، اُقرت في موازنة عام 2022 إعفاءات ضريبية بنسبة 50% على الصادرات اللبنانية، ولا تزال هذه التسهيلات سارية حتى الآن، مع متابعة مستمرة لرفع نسبة الإعفاء إلى 100%، وهو أمر بانتظار الموافقة الرسمية من وزارة المالية. كما أكدت أن الهدف من هذه التسهيلات هو تخفيف الأعباء المالية على الصناعات اللبنانية، سواء في استيراد المواد الأولية أو تصدير المنتجات، من خلال تنسيق دائم مع الجمارك ووزارة المالية لتعزيز تنافسية القطاع الصناعي.
لكنها أشارت أيضاً إلى العقبات التي تواجه التصدير، وأبرزها شروط الاتفاقيات التجارية مع الاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية التي لا تعكس مبدأ التعامل بالمثل، مثل حظر دخول المنتجات اللبنانية التي تحتوي على الحليب إلى أسواق الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يعيق توسيع حجم الصادرات. وأكدت عقل أن الوزارة تعمل بشكل مستمر مع وزارة الاقتصاد لإعادة النظر في هذه الاتفاقيات، مع التركيز على إبراز جودة المنتجات اللبنانية التي تنافس على مستوى عالٍ في الأسواق العالمية.
حملت الحرب الإسرائيلية الأخيرة انعكاسات سلبية أيضاً على القطاع الصناعي اللبناني، إذ تضرر حوالي 100 مصنع، لا سيما في المناطق الحدودية الجنوبية، حيث دُمرت قرابة 25 قرية وبلدة بالكامل، ما أدى إلى توقف المصانع في تلك المناطق عن العمل تماماً. وفي مواجهة هذه الأزمة، سمحت وزارة الصناعة بنقل تراخيص المصانع المتضررة إلى مناطق آمنة أخرى، ما ساعد على استئناف عمل معظمها.
التعاون بين وزارة الصناعة ونقابة المهندسين وتجمع الصناعيين اللبنانيين، أسفر عن مسح ميداني شامل لتوثيق الأضرار، وهو ما أسهم في رسم خطط إعادة الإعمار وتعويض المتضررين. وأظهرت النتائج أن 90% من المصانع المتضررة عادت إلى العمل، ما يعكس قدرة القطاع على الصمود والتعافي رغم الظروف الصعبة.
رغم هذه الجهود، لا تزال المصانع اللبنانية تواجه تحديات هيكلية كبيرة، من أبرزها نقص الضمان الاجتماعي للعاملين، وصعوبة الحصول على التمويل اللازم لتطوير الإنتاج، إضافة إلى نقص العمالة الماهرة. كما تعاني البنية التحتية، وخصوصاً في الكهرباء والطرق، ما يؤثر سلباً في كفاءة الإنتاج وتكاليف التشغيل.
تقول عقل إن أزمة الودائع المصرفية قلّصت من قدرة الصناعيين على الاستثمار، كما أن التجاذبات السياسية المستمرة تؤثر سلباً في استقرار بيئة الأعمال وصنع القرار. لكنها شدّدت على أن الوزارة تعمل على توفير التسهيلات القانونية والإدارية لتشجيع الاستثمار، وترى في القطاع الصناعي حجر الزاوية لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
أكدت شانتال عقل أن الوزارة تركّز على تحديث القوانين والأنظمة بما يتناسب مع تحديات العصر، وهي تسعى بالتالي إلى خلق بيئة تشجع الصناعيين على الابتكار والتطوير. وأضافت أن التعاون المستمر مع جمعية الصناعيين اللبنانيين يعتبر عنصراً أساسياً في دعم القطاع وتجاوز الصعوبات.
كما لفتت إلى أن الخطط الاستراتيجية، هدفها تعزيز مكانة المنتجات اللبنانية في الأسواق الدولية، وزيادة فرص العمل، وتقليل العجز التجاري، مشيرة إلى أن دعم الصناعة الوطنية يعتبر السبيل الأنجع لتحقيق انتعاش اقتصادي قادر على مواجهة الأزمات المستقبلية وبناء اقتصاد أكثر صلابة ومرونة.