قرار الإمارات ودول أخرى برفع حظر السفر إلى لبنان «مفتاح التعافي»
«بلاد الأرز» تعوّل على الاستقرار السياسي والأمني للخروج من أزماتها
أعاد قرار دولة الإمارات وبلدان عربية أخرى، برفع حظر سفر مواطنيها إلى لبنان، الأمل لـ«بلاد الأرز» بإمكانية استعادة جزءٍ كبيرٍ من عوائد السياحية المفقودة خلال الأعوام الماضية، التي شهدت سلسلة أزمات حادة بدءاً من الانهيار المالي والمصرفي، مروراً بانفجار مرفأ بيروت وجائحة «كورونا» وصولاً إلى الحرب الإسرائيلية المدمّرة الصيف الماضي.
يؤكد العديد من الخبراء الاقتصاديين الذي تحدثوا لـ«إرم بزنس» بأن الأزمات المالية والسياسية المتلاحقة التي ضربت لبنان خلال السنوات الخمس الماضية، كبّلت السياحة في البلاد إلى «حد الشلل»، حيث هبطت عوائد هذا القطاع الحيوي إلى أقل من ملياري دولار فقط بنهاية 2024، مقارنة بـ5 مليارات دولار قبل عام 2019؛ ما ضاعف التحديات أمام هذا القطاع الذي خيّم عليه الركود، بحسب الخبراء.
لسنوات طويلة تعامل لبنان مع السياحة باعتبارها العمود الفقري لاقتصاده المعتمد بشكل أساس على الخدمات، إذ كانت تسهم بنسبة تقارب 20% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
ورغم التوترات الإقليمية الأخيرة التي تصاعدت عقب اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران، فإن بيروت لا تزال تعوّل على موسم الصيف بتفاؤل وأمل كبير من خلال الرهان على عودة السياح العرب بشكل عام والخليجيين بشكل خاص لزيارة لبنان، وبالتالي استعادة السياحة لمعدلاتها المرتفعة مع وجود تقارير وأنباء تتحدث عن إمكانية صدور قرار يقضي برفع حظر سفر السعوديين إلى لبنان في وقت قريب.
قال كبير محللي الأسواق المالية في شركة «FxPro» ميشال صليبي لـ«إرم بزنس» إن قرار الإمارات برفع حظر السفر إلى لبنان، والتوقعات بقرار مماثل من المملكة العربية السعودية في المستقبل القريب، يشكّل تحوّلاً إيجابياً مهماً للاقتصاد اللبناني، ولا سيما في ظل الظروف المالية الصعبة والضغوط المعيشية التي تشهدها البلاد.
صليبي أوضح، أن السياحة الخليجية لطالما مثّلت إحدى الركائز الأساسية للنشاط الاقتصادي في لبنان، ليس فقط من خلال الإنفاق المباشر، بل أيضاً لتأثيرها المتشعب في قطاعات حيوية أخرى.
ورأى، أن عودة السياح الخليجيين الذين يحبون لبنان، ويتمتعون بقوة شرائية مرتفعة وإقامات لمدد زمنية أطول نسبياً من السيّاح الآخرين، ستسهم بقوة في إعادة القطاع السياحي إلى مساره الطبيعي بجانب دعم العديد من القطاعات المرتبطة به.
واتفق معه الباحث والخبير الاقتصادي اللبناني، محمود جباعي، الذي قال إن عودة السياح العرب وخاصة الخليجيين إلى لبنان تمثل خطوة بالغة الأهمية على صعيد تنشيط القطاع السياحي، الذي يُعد أحد الأعمدة الرئيسة للناتج المحلي في البلاد، في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعانيها لبنان منذ سنوات عدة.
وأوضح جباعي لـ«إرم بزنس» أن لبنان مرّ بمرحلة شديدة الصعوبة خلال السنوات الماضية لأسباب متعددة، منها ما هو سياسي، ومنها ما هو اقتصادي ومالي، مشيراً إلى أن المرحلة المقبلة بقيادة الرئيس جوزاف عون والحكومة الجديدة، تتطلب رؤية واضحة وإدارة مختلفة للملف الاقتصادي برمته.
أشار جباعي، إلى أن زيارة الرئيس اللبناني إلى السعودية والإمارات ودول خليجية أخرى بعد توليه منصبه مطلع العام الحالي، أثمرت مؤشراتٍ إيجابية تتعلق بإعادة استقطاب السياح العرب.
«لبنان يرحّب دائماً بالأشقاء العرب، واليوم يعد العدّة لاستقبالهم من جديد، هناك منشآت سياحية فاخرة يجري تطويرها، والبنية التحتية باتت أكثر جاهزية لاستقبال السياح العرب والأجانب على حد سواء» بهذه العبارات يحاول جباعي الإشارة إلى التغييرات المهمة التي شهدتها بلاده منذ بداية العام الحالي.
وأشار إلى أن الفنادق والمنتجعات الكبرى في لبنان باتت مستعدة بالكامل للموسم السياحي الصيفي، كما أن مشكلة الكهرباء التي أرهقت ميزانية الدولة لعقود باتت تُعالج اليوم عبر حلول بديلة، مثل: الطاقة الشمسية، والمولدات الخاصة؛ ما يوفّر استمرارية في الخدمات، خاصة في العاصمة بيروت والمناطق السياحية الأخرى سواء في الجبل أو بقية المحافظات الأخرى.
اعتبر صليبي، أن عودة السياح الخليجيين لبلاده بمثابة خطوة تنشيطية للاقتصاد اللبناني بالكامل، معتبراً أن عدداً كبيراً من القطاعات ستستفيد من هذه الخطوة، وفي مقدمتها الفنادق وقطاع الضيافة، حيث من المتوقع أن تعود نسب الإشغال إلى مستويات ما قبل الأزمة.
صليبي أضاف: «سترتفع أيضاً معدلات الإقبال على المطاعم والمقاهي، خصوصاً في المناطق السياحية، كما سيشهد قطاع النقل والطيران انتعاشاً ملحوظاً، مع تزايد حركة الطيران من وإلى لبنان، الأمر الذي ينعكس بدوره على إيرادات المطارات وشركات النقل البري».
كما من المتوقع، وفق صليبي، أن يمتد أثر التعافي السياحي إلى قطاعات التجزئة والعقارات، والأسواق التجارية في بيروت وجونية وجبل لبنان ستستفيد بدورها من هذا الزخم الإيجابي، إلى جانب ازدياد الطلب على الإيجارات قصيرة الأجل؛ ما ينعش حركة العرض والطلب في السوق العقارية.
أكد صليبي، أن عودة السياحة الخليجية قد تمثل خطوة مفصلية في مسار تعافي الاقتصاد اللبناني، وإعادة التوازن إلى قطاعات حيوية طالما كانت محرّكاً للنمو الاقتصادي في البلاد، شريطة أن يواكبها استقرار سياسي وأمني.
واتفق معه جباعي في هذا الأمر، حيث قال إن لبنان فقد جزءاً كبيراً من عوائده السياحية خلال السنوات الماضية، خاصة بعد اندلاع حرب غزة وتراجع الإقبال الخليجي، مشيراً إلى أن السياحة كانت تدرّ نحو 5 مليارات دولار سنوياً، في حين انخفض هذا الرقم إلى ما دون 2 مليار دولار فقط في العامين الأخيرين، وذلك بدعم من المغتربين اللبنانيين الذين يأتون خلال إجازة الصيف وليس من خلال قدوم السيّاح الذين يفضلون بطبيعة الحال وجهات هادئة ومستقرة بعيداً عن التوترات والحروب والمشاكل الأمنية، التي سيطرت على المشهد اللبناني طويلاً.
جزم جباعي، أن لبنان قادر على استعادة هذا الرقم وتجاوزه إذا ما توفّر مناخ سياسي وأمني مستقر، وفق جباعي، معتبراً أن «بلاد الأرز» تحاول بجدية معالجة الملفات العالقة، وهناك التزام من مختلف الجهات بتحقيق استقرار دائم يشجع السياح على القدوم.
اعتبر جباعي، العوائد السياحية أبرز مصادر الدخل للاقتصاد اللبناني، الذي يعتمد أساساً على الخدمات، داعياً الحكومة اللبنانية إلى فرض رسوم عادلة على المنشآت السياحية لدعم خزينة الدولة، دون أن يؤثر ذلك سلباً في القطاع.
وأشار إلى أن لبنان بلد سياحي متكامل على مدار العام، فكما لديه شواطئ ومسابح صيفاً، يمتلك أيضاً جبالاً ومناطق للتزلج شتاءً، ولكن المطلوب الآن هو دعم حكومي مستدام لهذا القطاع ليكون قاعدة للنهوض الاقتصادي من جديد.