وعندما اتّخذ محلّل البيانات أليكسي روستوتسكي، قراراً بمغادرة روسيا، احتار إلى أين يذهب ليبدأ حياة جديد، إذ تعدّدت الخيارات أمامه. هل سيذهب إلى كازاخستان أو إلى أوزبكستان؟ وأخيراً قرر مغادرة موسكو، ليذهب إلى أرمينيا بعد وقت قصير من الحرب في أوكرانيا، أي في مارس 2022 .
وقال هذا المغترب البالغ من العمر 35 عاماً وفقا لصحيفة "فيغارو": "يمكن للمواطنين الروس البقاء في أرمينيا ستة أشهر بدون تأشيرة، ويمكن عبور الحدود بدون جواز سفر، وبما أنني لا أملك جواز سفر، فقد اخترت الذهاب إلى يريفان ".
وكما فعل أليكسي، هناك مئات الآلاف من المواطنين الروس، الذين وجدوا ملاذاً في هذه الجمهورية السوفيتية السابقة، منذ بداية الحرب.
وفي عام 2022 تم إحصاء حوالي 650 ألف مواطن روسي، لكن وزارة الاقتصاد الأرمينية لم تحسب سوى 110 آلاف في نهاية العام 2022.
وكان أول تدفق للوافدين يتعلق بشكل أساسي بالشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 45 عاماً، والمتعلمين والميسورين. ومن بينهم، عدد كبير من العاملين في مجال تكنولوجيا المعلومات، وهو أحد القطاعات الأعلى أجراً في روسيا. ودفعت التعبئة العامة التي أعلنها الكرملين في خريف عام 2022، مواطنين روسا آخرين، من فنانين وطلاب ومثقفين للهجرة.
وأنعشت هذه الموجة من هجرة الروس، وهم من ذوي القوة الشرائية العالية، الاقتصاد الأرميني، وفي عام 2022 ، بعد أن كانت توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي 1.3% ، قفزت بنسبة 12.6% ، وهي أسرع وتيرة تم تسجيلها منذ خمسة عشر عاماً.
وهذا التأثير كان غير متوقع على دولة صغيرة، يبلغ عدد سكانها 3 ملايين نسمة، وتواجه منذ عام 2020، صدمة مزدوجة للوباء والنزاع المسلح مع جارتها أذربيجان.
وحفّز الروس بتدفقاتهم المالية الاستهلاك وبالتالي ساهموا إلى حد كبير في النمو. فازداد تحويل أموال الروس إلى أرمينيا من 886 مليون دولار في عام 2021 إلى 3.6 مليار دولار في عام 2022 ، أي بنسبة 15% من الناتج المحلي الإجمالي لأرمينيا، وذلك وفقًا للأرقام الرسمية.
و استفادت البنوك من هذه الموجة من رؤوس الأموال، وأفادت ديانا كاراشنسكي، من شركة التأمين "كوفاس" أن الدخل الإجمالي للبنوك قد تضاعف أكثر من مرتين".
انخفاض البطالة
ولهذه الهجرة تأثير مهم أيضاً ، إذ إنه خلال الفصول الثلاثة الأولى من العام 2022، تم تسجيل 2800 شركة بتمويل روسي، بما في ذلك 300 شركة كبيرة، وظفّت العديد من السكان المحليين، مما أدى إلى انخفاض البطالة من 15% في يناير 2022، إلى 11.6% في يناير 2023.
وتعيش الغالبية العظمى من الروس، الذين استقروا في أرمينيا في العاصمة يريفان، التي هجرها سكانها منذ عدة سنوات.
ومعروف أن العديد من الشباب الأرمن يغادرون بلادهم للانضمام إلى الجالية الأرمينية الهائلة التي يبلغ عددها 11 مليون مغترب.
وبعد عودتها من يريفان، قالت تالين تير ميناسيان، مديرة مرصد الدول القائمة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، والأستاذة في إنالكو: " لقد مرّ وقت طويل من دون أن نسمع اللغة الروسية في العاصمة". وأضافت :"والمفارقة أن هذا اللجوء إلى أرمينيا، يتم وسط الوجود الروسي الرسمي ، من سياسيين واقتصاديين ودبلوماسيين وعسكريين."
ومع ذلك، يبدو أن جميع الروس مقبولون هنا، سواء فروا من الحرب أو كانوا من الموالين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وعلى الأرجح، إن جميع أماكن اجتماعات اللاجئين مراقبة عن كثب من قبل عملاء الكرملين.
وتؤكد ميناسيان، أن روسيا وأرمينيا حافظتا تاريخيا على تعاونهما قبل وقت طويل من رعاية موسكو لوقف إطلاق النار مع باكو (عاصمة أذربيجان) في نوفمبر 2020 .
وإذا كان الروس يفيدون الاقتصاد المحلي، فهذا يحدث أحياناً على حساب السكان الأصليين، حيث ارتفعت الإيجارات ما بين 30% و 50% . ووفقاً لسجل العقارات الحكومي، ارتفعت مبيعات الشقق بنسبة 3% في عام 2022 ، فيما ارتفعت الزيادة في الأسعار بنسبة 13%.