وللتوضيح، يصف مصطلح "الانكماش" الحالة التي تنخفض فيها أسعار السلع والخدمات في جميع أنحاء الاقتصاد. ولا ينبغي الخلط بينه وبين انخفاض التضخم، وهو ما يعني أن الأسعار لا تزال ترتفع، ولكن بشكل أبطأ، وهذا ما يحدث في الولايات المتحدة، وفقا لوكالة "بلومبرغ" للأنباء.
وعندما ارتفعت الأسعار في الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات الكبرى، حينما أعيد فتحها بعد جائحة كوفيد- 19، إذ تزامن الطلب المكبوت، مع نقص في المعروض من العديد من السلع.
وتبين أن التوقعات بحدوث نفس الشيء في الصين كانت خاطئة، بسبب ضعف القوة الشرائية الاستهلاكية، كما أدى تراجع أسعار العقارات إلى إضعاف الثقة، مما أعاق الناس عن شراء سلع باهظة الثمن.
فضلا عن ضعف الطلب في الداخل وتباطؤ الصادرات، مما يجبر الشركات على تخفيض منتجاتها، كما انخفضت أسعار الطاقة مع تعافي المعروض العالمي من الصدمة التي أحدثتها حرب أوكرانيا.
وعلى الرغم من أن الأسعار الأرخص تبدو جيدة للمستهلكين للوهلة الأولى، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الناس سيبدأون في الإنفاق مرة أخرى.
ويرجح أن يمتنع الناس عن شراء سلع باهظة الثمن، على أمل أن تنخفض أسعارهم أكثر، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى ركود النشاط الاقتصادي بشكل أكبر، مما يفرض ضغوطا على الدخل، وهو ما قد يؤدي بعد ذلك إلى انخفاض الإنفاق، والمزيد من تخفيضات الأسعار في دوامة هبوطية.
كما يؤدي الانكماش إلى رفع مستوى أسعار الفائدة "الحقيقية" أو المعدلة حسب التضخم في الاقتصاد، ويصعب ارتفاع تكاليف خدمة الديون على الشركات الاستثمار، وبالتالي تقليص الطلب، مما يؤدي إلى المزيد من الانكماش.
ويعتقد بعض الاقتصاديين أيضا أن "انكماش الديون"، يمكن أن يؤدي إلى الركود أو الكساد، عندما يتخلف الناس عن سداد قروضهم وتقوض البنوك.
بدورها، استجابت بكين لموجات الانكماش السابقة، من خلال التيسير النقدي القوي وإجراءات التحفيز المالي الكبيرة، ومن المتوقع أن تعزز الصين الحوافز المالية مرة أخرى هذا العام، لكن خططها لن تكون واضحة، حتى يتم إصدار الميزانية الوطنية في مارس، بحسب "بلومبرغ".
ويرى الاقتصاديون أن هناك حاجة إلى تعزيز الطلب على السلع والخدمات، حيث تقوم الحكومة إما بتوجيه المزيد من الأموال بشكل مباشر إلى الاقتصاد، أو تشجيع البنوك على إقراض المزيد للشركات والأسر.
وتتزايد الدعوات الموجهة إلى السلطات لتبني سياسات "أكثر عدوانية"، من تخفيض أسعار الفائدة وتقليص حجم الأموال، التي يجب على البنوك الاحتفاظ بها في الاحتياطي لدى البنك المركزي، وهي خطوات تم اتخاذها بالفعل في عام 2023، ولكن بتأثير متواضع.
ومن أجل تعزيز ثقة المستهلك بشكل دائم ودفع الناس إلى الإنفاق، ستحتاج الحكومة إلى إنهاء الركود في سوق العقارات.
وفي غضون ذلك، يتوقع الاقتصاديون، الذين استطلعت وكالة بلومبرغ آراءهم، استمرار الضغوط الانكماشية خلال النصف الأول من عام 2024 على الأقل.
ومن جهة أخرى، مع قيام المصنعين الصينيين بخفض الأسعار، للتخلص من فائض العرض، فقد يمتد ذلك إلى أماكن مثل الولايات المتحدة وأوروبا، مما يوفر بعض المساعدة للبنوك المركزية هناك، في سعيها لترويض التضخم.
وعلى الرغم من أن المستهلكين في جميع أنحاء العالم، قد يستفيدون من السلع الصينية الأرخص، إلا أن ذلك قد يؤدي إلى زيادة التوترات التجارية، إذا تم تقويض الشركات المصنعة المحلية.
ويتمثل التأثير الأكثر وضوحا على المستثمرين الأجانب، في الضربة الموجهة لأرباح الشركات الصينية.
لكن في هذه الحالات، عادة ما تدفع المخاوف بشأن النمو وتقييد الاستثمار، الحكومات إلى نشر سياسة نقدية أكثر مرونة، مما يجعل سندات الدولة أكثر جاذبية، وفقا لبلومبرغ.