استهلت الأسهم والسندات ديسمبر بالسير في اتجاهين معاكسين ما يشير إلى سيطرة مخاوف المستثمرين من تباطؤ النمو أكثر من استمرار التضخم.
اتخذ متداولو الأسهم وجهة نظر أكثر قتامة، مما أدى إلى تعميق خسائر ثنائية الرقم لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" هذا العام مع تراجع الأسهم بشكل أكبر الأسبوع الماضي وتوف سلسلة مكاسب مؤشرات الأسهم الرئيسية التي استمرت لأسبوعين. ومن ناحية أخرى، أدى الارتفاع الحاد هذا الشهر إلى محو خسائر استثمارات الدخل الثابت هذا العام في رهان على هبوط أسعار السندات بالفعل بما يكفي لتعكس كامل زيادات أسعار الفائدة المتوقعة من الاحتياطي الفيدرالي.
تشير الصفقات وراء إلى أن الركود أصبح محل التضخم، حيث يتجه أكبر قلق للمستثمرين بشأن 2023 رغم ازدهار سوق العمل كما فاقت بيانات أسعار المنتجين المتوقع الأسبوع الماضي ما يشير إلى أن الطلب الاقتصادي ظل قويًا. لكن أسعار النفط تراجعت وأسهم الشركات التي تعاني مع تباطؤ الاقتصاد تلقّت بعض أكبر الضربات هذا الشهر.
أسوأ أداء
في ديسمبر، سجلت أسهم قطاعي الطاقة والقطاع المالي أسوأ أداءً بمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" حيث انخفضت 7.1% و3.8% على التوالي، وتخلفت عن انخفاض المؤشر الأوسع 2.2%. كما انخفضت أسهم شركة إنتاج الغاز الطبيعي "إي كيو تي كورب" 13% في ديسمبر، وخسرت شركة التكرير “فاليرو إينرجي" 9.7%.
كما تراجعت أسهم بعض عمالقة البنوك مثل "ويلز فارغو" وبنوك محلية مثل "إم آند تي بنك" حيث انخفض كلاهما 11% هذا الشهر، كما تراجعت في ديسمبر أيضًا.
قد يتضرر القطاعان بشكل خاص من الركود الذي يقلل الطلب على الوقود ويهدد أرباح الشركات المالية.
كما هبطت شركات الطيران والخدمات اللوجستية، التي تستعد أيضاً للمعاناة في ظل تباطؤ متوقع للطلب على السفر والشحن، حيث انخفض "مؤشر داو جونز للنقل" 3.2% في ديسمبر، متبعاً الانخفاض الذي بلغ 1.7% لمؤشر داو جونز الصناعي.
خسرت "كرنفال كورب"، مشغل الرحلات البحرية 9.3 % في ديسمبر، وانخفضت "هوست هوتيل آند ريزورتس" 4.4%.
الملاذ الآمن
في نفس الوقت، ارتفعت السندات السيادية، حيث بلغ العائد على سندات الخزانة القياسية لأجل 10 سنوات الأسبوع الماضي إلى 3.5% منخفضة إلى أدنى مستوى في ثلاثة أشهر، وفقًا لـ"تريدويب"، من أعلى مستوى بلغته مؤخرًا 4.231% في أكتوبر. وتنخفض العائدات عندما ترتفع أسعار السندات.
قال مايكل أنتونيلي، المدير الإداري في "بيرد"، إن العديد من المستثمرين يراهن على تجنب الاقتصاد الركود الحاد، لكن تحركات السوق مجتمعة في ديسمبر تعطي مؤشر على إمكانية الانكماش، وليس مجرد توقعات بتباطؤ التضخم ما يدفع الارتفاع الأخير بسوق السندات.
أضاف أنتونيلي: "الجزء الأفضل من العام كان يتعلق كلياً بمخاوف التضخم لكن يبدو أن ذلك قد تغير اليوم".
فعندما يؤثر التباطؤ الاقتصادي الوشيك على توقعات الأسهم، يشتري المستثمرون في أغلب الأحيان سندات لضمان سلامتهم واستقرارهم. لكن كلا الأسهم والسندات عانت في أغلب أوقات العام لأن التضخم كان يتطلب من بنك الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة بوتيرة سريعة. ارتفعت الفائدة مع قليل من الضرر بالنمو الاقتصادي ما ألحق الضرر بالأسهم والسندات على حد سواء.
تفاقم المخاوف
قال مات تومز، كبير مسؤولي الاستثمار العالمي في "فويا إنفستمنت مانجمنت"، إن سندات الخزانة طويلة الأجل في الآونة الأخيرة سجلت مكاسب أكبر في الأسعار من السندات قصيرة الأجل ما يشير إلى أن المتداولين يعتقدون أن سعر الفائدة المستهدف لبنك الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يستمر في الصعود، قبل أن يجبر الركود البنك المركزي على تغيير المسار بسرعة في وقت لاحق من العام المقبل ما أدى إلى تعميق انعكاس منحنى العائد الذي يعتبره الكثيرون في وول ستريت مؤشر على التحذير من الركود القادم.
تعكس توقعات التضخم المعتمدة على السوق مزيد من المؤشرات على تفاقم مخاوف الركود حيث تقترب توقعات المتداولين لمعدل التضخم السنوي على مدى العامين والخمسة والعشرة أعوام القادمة من حوالي 2.3%، بما يتماشى تقريبًا مع هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%، كما تظهر البيانات من "تريدويب".
قال تومز إن انخفاض أسعار الأسهم رغم عدم قلق المستثمرين من ارتفاع التضخم مستقبلاً يمثل مؤشر على أن مخاوفهم بشأن النمو الاقتصادي هي التي تدفع نحو الانخفاض.
خلال نوفمبر، ظلت سوق العمل متشددة وفقاً للمعايير التاريخية بينما لا توجد مؤشرات تذكر على انخفاض الطلب الاستهلاكي بينما استمر تسارع موجة تسريح الموظفين من الشركات خاصة شركات التكنولوجيا التي توسعت بسرعة خلال الوباء.
تشاؤم وول ستريت
انخفضت توقعات وول ستريت لأرباح "ستاندرد آند بورز 500" لعام 2023 بنسبة 3.6% بين 30 سبتمبر و30 نوفمبر، حيث قام المستثمرون بتقييم أداء الشركات في الربع الثالث من هذا العام، وفقًا لبحث أجراه جون بترز المحلل الاقتصادي في "فاكتسيت".
كتب مارك هافيل، مدير الاستثمار في إدارة الاستثمارات العالمية لدى في "يو بي إس"، في مذكرة بحثية للعملاء الأسبوع الماضي، أن أسعار الأسهم لم تنخفض بعد بما يكفي هذا العام لتعكس احتمال حدوث تباطؤ اقتصادي عميق.
أشار هافيل إلى أن الارتفاع قصير الأجل في أسعار خلال أكتوبر ونوفمبر رفع الأسعار لفترة وجيزة، لكن يُرجح أن يكون التقارب بين أسعار الأسهم والسندات "مدفوعًا بالتسعير العادل للأسهم وفقاً لتوقعات الأرباح المتدهورة".
رغم ذلك، صمدت بعض الأسهم الحساسة اقتصاديًا، حيث تفوقت أسهم "ديري آند كو" على أداء المؤشرات الأوسع في ديسمبر حتى الآن وانخفضت 0.9% فقط كما زادت شركة تصنيع المعدات الأسبوع الماضي توزيعاتها على المساهمين بنسبة 6%. كذلك ارتفعت أسهم شركة الدهانات "شيروين ويليامز" 1.9% هذا الشهر رغم مخاوف تأثير الركود على سوق الإسكان.
ترقب البيانات
تعزز البيانات الاقتصادية المحورية القادمة هذا الأسبوع تقديرات المستثمرين. حيث يترقبوا الثلاثاء إصدار بيانات أسعار المستهلك لشهر نوفمبر بحثاً عن مؤشرات على استمرار تراجع حدة التضخم من ذرواته خلال هذا العام.
يتوقع خبراء الاقتصاد الذين استطلعت آراؤهم صحيفة وول ستريت جورنال ارتفاع الأسعار 7.3% على أساس سنوي، بعد أن كانت 7.7% في الشهر السابق.
ومع قرار الفيدرالي الأربعاء الماضي رفع سعر الفائدة 0.5% يركز المستثمرون أكثر على توقعات مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي حول كيفية تحرك الفائدة العام المقبل.
قالت سيندي بيوليو، المديرة الإدارية في "كونينغ" لإدارة الأصول أن أغلب أوقات 2022، ومع تجاهل التحذيرات بعد كل تقرير للتضخم، كانت الأخبار السعيدة للنمو الاقتصادي سيئة لمستثمري الأسهم والسندات، الذين يشعرون بالقلق بشأن رفع أسعار الفائدة وأضافت بيوليو إن ذلك التوجه بدأ يضعف الآن.
أضافت بيوليو: "تقترب بسوقي الأسهم والسندات فكرة مواجهة خطرًا مرتفع من الركود العام المقبل".
المصدر: وول ستريت جورنال