مع انتهاء سباق الانتخابات الرئاسية في الجزائر، وفوز الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، يبرز الاقتصاد بوصفه أحد القضايا الرئيسة التي تشغل بال المواطنين، خاصة مع الوعود الواسعة التي قطعها تبون الذي وعد ببناء «جزائر جديدة» خلال السنوات الخمس المقبلة.
والأحد، أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في الجزائر فوز الرئيس عبد المجيد تبون بولاية رئاسية ثانية، بعد حصوله على 94.65% من أصوات الناخبين.
وشهدت مدة تبون الرئاسية الأولى عقب انتخابه في 2019 عدة تحديات اقتصادية في مقدمتها ارتفاع تكاليف المعيشة، ومعدلات التضخم لأعلى مستوى منذ عقود، غير أنه أكد خلال حملته الانتخابية أن الأوضاع الاقتصادية تحسنت على مدار دورته الأولى في البلد الذي يعتمد اعتماداً كبيراً على قطاع الطاقة، خاصة النفط والغاز، بوصفهما مصدراً رئيساً للإيرادات.
وردّ تبون على معارضيه الذين ينتقدون بطء هذا التقدّم، بأن ولايته الأولى «بُترت من عامين من أصل خمس سنوات، بسبب الحرب ضد (كوفيد - 19)، والفساد»، على حين أكد خلال خطاب ترشحه: «أعتقد أنّ كل ما قمنا به كان أساساً ولبنةً أولى لجعل اقتصادنا اقتصاد دولة ناشئة بأتمّ المعنى»، مؤكداً أنه يسعى لبناء «جزائر جديدة» خلال السنوات الخمس المقبلة.
ومنذ عام 2022 يوجد اتجاه نحو التحسن، ففي نهاية يوليو، توقّع تبّون نمواً بنسبة 4.2% لهذا العام (بعد ما يزيد على 4% في العام السابق)، وناتجاً محلياً إجمالياً قدره 260 مليار دولار، واحتياطياً بالعملات الأجنبية يقدّر بـ70 مليار دولار، ولكن الاقتصاد لا يزال غير متنوع، ويعتمد اعتماداً كبيراً على صادرات الطاقة من النفط والغاز، التي 95% من موارد العملة الأجنبية.
وبعد فوزه في الانتخابات الرئاسية لعهدة ثانية، سيواجه تبون ملفات اقتصادية ذات أولوية على رأسها التزامه برفع الناتج المحلي الإجمالي إلى 400 مليار دولار، بعد أن بلغ 267.78 مليار دولار في عام 2024، ما عزز مكانة الجزائر بوصفه ثالث أقوى اقتصاد إفريقي.
وفي إطار توسيع صادرات الجزائر خارج قطاع المحروقات، يتطلع تبون إلى تحقيق 15 مليار دولار من الصادرات نهاية عام 2025، وزيادة هذا الرقم إلى 30 مليار دولار قبل نهاية 2030، على حين يسعى أيضاً إلى مواصلة تعزيز احتياطي النقد الأجنبي الذي بلغ 70 مليار دولار وفق آخر تقرير لبنك الجزائر، وهذا لضمان استقرار مالي مستدام، مع مواصلة كسر مقاومة التغيير في مختلف مؤسسات الدولة و«خنقها».
وفي المجال الصناعي، يسعى تبون لاعتماد إستراتيجية جديدة لرفع نسب الإدماج للمتعاملين الجزائريين في القطاع الصناعي في التخصصات كلها، مع المؤسسات الأجنبية المرتبطة بعقود شراكة مع الجزائر، إضافة إلى التشجيع والدفع قدماً بالتصنيع الوطني لآلات الإنتاج والعتاد وقطع الغيار، وذلك في الصناعات الغذائية والعسكرية والإلكترونية والصيدلانية والنسيجية والميكانيكية وتركيب السيارات والحديد والصلب والمكننة الفلاحية والصناعات الكهربائية.
ويرتقب أن يُستحدث ويُعاد تنظيم خارطة المناطق الصناعية برؤية جديدة تسهم في خلق التوازن الصناعي ما بين الولايات وتهيئة المناطق الصناعية بكل الوسائل العصرية ومواكبة تطور الاقتصاد الوطني والعمل المستمر على دعم الشباب عبر المؤسسات الناشئة لتقوية نشاطها في المناطق الاقتصادية.
ومن أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي، يستهدف تبون مضاعفة إنتاج القمح الصلب والشعير والذرة والحبوب الزيتية والسكر، عبر توجيه الجزائر نحو تقوية إنتاج المحاصيل الإستراتيجية، عبر خريطة زراعية مدروسة وفق المعايير العلمية، لتقليص الاستيراد إلى أدنى مستوياته وتطوير شعبة زراعة الذرة واستغلالها بكل مشتقاتها لتقليص استيراد الأعلاف، وتوفير اللحوم الحمراء والبيضاء.
وفي مجال النقل، توجد خطط لمواصلة مد خطوط السكك الحديدية بين الشمال والجنوب كخط العاصمة تمنراست، من أجل بث الحياة في المناطق غير الآهلة ومساهمتها في تطوير الاقتصاد الوطني، وإطلاق مزيد من الخطوط الجوية نحو عواصم إفريقية وعالمية، ومباشرة مخطط لتوسعة الموانئ عبر السواحل الجزائرية.
وفي مجال الطاقة، سيُوَاصَل إنجاز المشاريع العملاقة، لإنتاج الحديد الخام والفوسفات والزنك، في كل من غار جبيلات وبجاية وبلاد الهدبة بولاية تبسة، بهدف استغلال المعادن والأتربة النادرة، بعدِّها مورداً كبيراً تتوفر عليه الجزائر، وإنجاز مشروع الربط الكهربائي مع أوروبا، لأول مرة في تاريخ القارة الإفريقية، واستكمال ربط الشبكة الوطنية للكهرباء.
وستتجه الجزائر إلى إنتاج طاقات جديدة خارج الطاقات الأحفورية التقليدية، ومنها الهيدروجين الأخضر، الذي يعدُّ مستقبل الطاقات المتجددة، مع استغلال الجيوب الشمسية الضخمة، في الصحراء الجزائرية بعدِّها أكبر احتياطي في العالم، وتوجيه جزء من الإنتاج نحو التصدير ومواصلة تشجيع الدولة لاستعمال الطاقات النظيفة وتشجيع صناعة السيارات ذات المحرك الكهربائي وتحفيزها.