رئيس الوزراء البريطاني الجديد، ريشي سوناك
رئيس الوزراء البريطاني الجديد، ريشي سوناكرويترز

ريشي سوناك يخوض مهمة صعبة وسط أزمة اقتصادية وسياسية

الوزير السابق تعهد بإصلاح سياسة سلفه المتعلقة بالتخفيضات الضريبية

أصبح لوندون ريشي سوناك، مدير صندوق التحوط ووزير المالية البريطاني السابق، رئيس وزراء بريطانيا بعد تعيينه رسميًا الثلاثاء من الملك تشارلز الثالث، وتعهده بقيادة المملكة المتحدة خلال تلك الفترة التي تعج بالمتاعب السياسية والاقتصادية المتزايدة.

حذر سوناك في أول خطاب له بعد تقله المنصب من "أزمة اقتصادية عميقة" تواجه البلد، التي تعاني من ركود تضخمي كما انغمست مؤخراً في حالة من عدم اليقين السياسي مع ثلاثة رؤساء وزراء مختلفين على مدار 7 أسابيع.

وقال سوناك إنه سيحتفظ بوزير المالية الحالي، جيريمي هانت، الذي تدخل لإلغاء خطة تراس بشأن خفض الضرائب واستعادة ثقة السوق.

تجربة مشؤومة

تعهد أول زعيم هندوسي لبريطانيا بإصلاح الضرر الناجم عن التجربة المشؤومة التي خاضتها سلفه ليز تراس في بريطانيا وتطبيقها سياسات الريغانوميكس، (سياسات رونالد ريغان المتعلقة بخفض الضرائب على نطاق واسع) والتي أجبرت على ترك منصبها بعد الذعر الذي أصاب الأسواق بسبب التخفيضات الضريبية الضخمة غير الممولة والإعانات السخية لتكاليف الطاقة المنزلية.

وقال سوناك أمام داونينغ ستريت "لم تكن هناك نية سيئة وراء بعض الأخطاء التي اُرتكبت، بالعكس تمامًا ولكنها تبقى أخطاء. لقد تم انتخابي زعيماً لحزبي ورئيساً للوزراء، لإصلاح تلك الأخطاء وسأضع الاستقرار الاقتصادي والثقة في صميم أجندة الحكومة".

استلم سوناك دفة حزب المحافظين الذي حصل على أدنى تقييم باستطلاعات الرأي منذ عقود. ويرى المحللون ضرورة تنسيق سوناك أحد أعظم عمليات إعادة صياغة الأوضاع السياسية الحالية الأبرز في التاريخ السياسي البريطاني الحديث، إذا أراد أن يقود المحافظين إلى النصر بالانتخابات المرتقبة في 2024.

بدون تصفيق

تحرك سوناك بسرعة الثلاثاء لتعزيز مكانة حزب المحافظين. وعين برلمانيون من مختلف الفصائل المتنازعة في مناصب حكومية عليا، في محاولة لإعادة الوحدة إلى الحزب الذي تمت الإطاحة برؤساء وزرائه الثلاثة السابقين خلال عدة سنوات. وشملت كافة التعيينات في المناصب العليا تقريباً أعضاء بمجلس وزراء رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، الذي دفعه تمرد حزبي إلى الاستقالة في يوليو الماضي.

وفي إشارة إلى التحديات التي تواجه سوناك، كسر رئيس الوزراء الجديد التقاليد حيث يكن هناك مؤيدين بانتظاره في داونينغ ستريت للتصفيق والترحيب به في المبنى، ما يؤكد الأوقات الاقتصادية العصيبة التي تواجهها الأمة، بينما يستعد سوناك لاتخاذ بعض القرارات الصعبة لسد عجز الميزانية، البالغ نحو 40 مليار جنيه، أي ما يعادل 45 مليار دولار.

قال سوناك: "لن أوحّد بلادنا بالكلام، بل بالعمل. وسأعمل يومًا بعد يوم لخدمتكم".

نفوذ شرير

اتصل الرئيس بايدن الثلاثاء بسوناك لتهنئته على تعيينه رئيسا للوزراء، وفقًا لبيان من الحكومة البريطانية، حيث ناقش الرئيسان التعاون الثنائي، والجهود الرامية إلى مواجهة "النفوذ الشرير" للصين، فضلاً عن الجهود الرامية إلى دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا.

يواجه سوناك (42 عامًا)، الزعيم البريطاني الأصغر سنًا منذ أكثر من 200 عام، مهامًا شاقة وملحة.  حيث يعاني البريطانيون من أزمة تكاليف المعيشة وارتفاع التضخم إلى 10.1 %، مدفوعاً بارتفاع تكاليف الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا.

يقول المحللون إنه يتعين على سوناك اكتساب ثقة السوق، في ظل حذر الأسواق المالية من استقرار الأوضاع المالية في المملكة المتحدة، وذلك من خلال مزيج من خفض أوجه الإنفاق الضارة سياسيًا والزيادات الضريبية، مما يؤدي على الأرجح إلى تفاقم الركود وإلحاق المزيد من الضرر بالدخل.

أوقات عصيبة

ومن المقرر كشف الحكومة الاثنين عن الخطوط العريضة لخفض الإنفاق، قبل أيام من توقع رفع بنك إنجلترا لأسعار الفائدة.

قالت جيل راتر، مسؤولة حكومية سابقة،وكبيرة الباحثين بمركز أبحاث "المملكة المتحدة في أوروبا المتغيرة": "أياً كان من يتولى السلطة، سوف يواجه وقتًا عصيبًا على صعيد الاقتصاد. وسوف يكون من الصعب على أية حكومة تخطى كل ذلك وأن يثني عليه الناخبون".

رحب المستثمرون باستقالة حكومة تراس والتحول نحو سياسات تركز على زيادة الحذر المالي.

جنون الأسواق

تعافى الجنيه الإسترليني بالكامل من عمليات البيع عقب الإعلان عن التخفيض الضريبي في 23 سبتمبر، بعدما شهد انخفاضاً قياسياً إلى 1.0349 دولارًا، حيث تداول الجنيه الإسترليني الثلاثاء عند 1.1480 دولارًا، أعلى 2% تقريبًا من مستوى ما قبل الميزانية.

ارتفعت سندات الخزانة البريطانية، التي كانت في قلب الاضطرابات الأخيرة في السوق البريطاني بوتيرة كبيرة استمرت حتى الثلاثاء مع تولي سوناك منصبه، حيث بلغت عوائد سندات الحكومة البريطانية لأجل 10 سنوات إلى 3.647% الثلاثاء، التي ترتفع مع هبوط الأسعار، وهو أقل بكثير من أعلى مستوياتها مطلع هذا الشهر 4.643%، وفقا لبيانات"توليت بيريدون"..

قال فريزر لوندي، رئيس أدوات الدخل الثابت المتداولة في "فيدريتد هيرميس" بلندن: "من المفيد أن يكون لدينا حل، على الأقل في الوقت الحالي، لحالة الجنون التي شهدناها الأسابيع القليلة الماضية. فاليوم وأمس كانت أول مرة يمكنك البدء في التفكير لأسابيع بدلاً من أيام، ربما نتمكن في الأسابيع القادمة البدء في التفكير لأشهر".

كما أضاف أنه عندما يبدأ يكون لدى المستثمرين  مشهد طويل الأجل، فقد لا يحبذون ما يرونه في الاقتصاد البريطاني. وقال: "أعتقد أن الناس مع مرور الأيام سيتخطون تلك الفترة المجنونة، ويوجهون أنظارهم مجددًا إلى بنك إنجلترا، والصورة الاقتصادية الأكبر، والتي لن تكون جيدة حتى نكون صادقين".

الحاجة للجرأة

جاء خطاب سوناك الأول عقب أكثر من ساعة بقليل من دفاع تراس عن رؤيتها لاقتصاد منخفض الضرائب وعالي النمو.

قالت تراس في خطابها الوداعي أمام داونينغ ستريت قبل تسليم استقالتها للملك تشارلز: "كما قال الفيلسوف الروماني سينيكا: "لا نجرؤ على فعل أشياء كثيرة لأنها صعبة، ولكنها صعبة لأننا لا نجرؤ على فعلها". لا يمكننا ببساطة أن نكون دولة بمعدل نمو منخفض تحصل الحكومة على حصة متزايدة من ثروتنا الوطنية".

أظهرت استطلاعات الرأي هذا الأسبوع أن تراس حصلت على أقل نسبة تأييد لرئيس وزراء في العصر الحديث، نسبة تأييد 6%.

قال ماثيو غودوين، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كنت: "يشهد حزب المحافظين سقوطاً حراً ولا أعرف ما إذا كان لديه مظلة أم لا".

أبقى سوناك في التشكيل الوزاري على وزير الدفاع، بن والاس في منصبه وكذلك وزير الخارجية، جيمس كليفرلي. وعين سويلا برافرمان، التي تحظى بشعبية في التيار الليبرالي للحزب وتدافع عن القيود الصارمة على الهجرة، وزيرةً للداخلية.

تغيير مستمر

ورث سوناك آلة سياسية معتادة على تغيير اتجاهاتها بسرعة. حيث يُعد حزب المحافظين، الذي تأسس في 1834، واحد من أقدم وأنجح العلامات الانتخابية في العالم. ويرجع ذلك إلى قدرته على تغيير جلده مرارًا والتعافي من جديد لتلبية احتياجات ناخبيه المتغيرة باستمرار.

وتمثل السنوات الاثنتي عشر الماضية من حكومة المحافظين مثالًا بارزاً على تلك القدرة. حيث يُكمل سوناك دورة إيديولوجية كاملة بدأت مع تولى ديفيد كاميرون منصبه في 2010 باعتباره ليبرالي اجتماعيً ومحافظ ماليًا، حاولت حكومته إصلاح الشؤون المالية للبلاد بعد الأزمة المالية عام 2008.

وبعد التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2016، حاولت تيريزا ماي دفع الحزب في اتجاه جديد محافظاً اجتماعيًا ثم أعاد خلفها، بوريس جونسون، إعادة تشكيل الحزب ليصبح أكثر شعبوية وينجح في اجتياز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وقاد الحزب في فترة تدخل الدولة والضرائب المرتفعة. بينما تولت تراس زمام الأمور وحاولت تفكيك تلك السياسة بسرعة مع تحول غير ناجح نحو الأسواق الحرة وخفض الضرائب.

حقبة كاميرون

من المتوقع الآن عودة سوناك إلى حقبة كاميرون والتركيز على أوجه العجز بتوجه من الليبرالية الاجتماعية، مع تبني قضايا مثل تغير المناخ. ولا يتضح ما إذا كان الناخبون سوف يتقبلون ذلك التغيير الألحزب المحافظين.

تذكرت راتر انضمامها للحكومة عندما نجح المحافظون في إعادة ترتيب سياساتهم الاقتصادية بعد "الأربعاء الأسود" في 1992، حيث أجبر المضارب جورج سوروس وصناديق التحوط الأخرى الجنيه الإسترليني على فك الارتباط بالعملات الأوروبية رغم بذلهم قصارى جهدهم، ولم يسامح الناخبون حزب المحافظين تمامًا، ونتج عن ذلك ابتعادهم لمدة 13 عامًا عن رئاسة الوزراء. وبعد العمل الجاد لإعادة بناء علامتهم التجارية كمختصين في الاقتصاد بعد 2010، قالت راتر إن المحافظين "كان لديهم كفاءة اقتصادية ممتازة، وقضت عليها تراس بسرعة".

فشل الساسة

عرض سوناك، وزير المالية وقتها، في خطاب ألقاه في فبراير الماضي، وجهات نظره بشأن التحديات التي تواجه المملكة المتحدة والاقتصادات الغربية الأخرى مع تباطؤ النمو الاقتصادي والإنتاجية. وحذر من فشل الساسة في خلق الظروف المواتية للنمو بوتيرة أسرع سيؤدي إلى تقويض الدعم الشعبي لاقتصادات السوق الحرة والديمقراطية في عالم تتقدم فيه الأنظمة الاستبدادية مثل الصين بقوة.

وحذر أيضًا مما وصفه بفكرتين كاذبتين حول كيفية تحفيز النمو. الأولى تتعلق بزيادة الإنفاق الحكومي، بصرف النظر عن تأثيره على الاقتراض والديون. والثانية التخفيضات الضريبية غير الممولة، وفكرة أن خفض الضرائب من شأنه إطلاق العنان للنمو، الذي يزيد من دخل الحكومة في نهاية المطاف من اقتصاد مرن لتمكنها من الإنفاق على الخدمات الاجتماعية والاستثمار. وتلك الفكرة الأخيرة تماماً تشبه بالضبط محاولة تراس تنفيذها، وفشلها بعد نحو 7 أشهر من خطاب سوناك.

فخ اقتصادي

قال سوناك: "الفخ في الفكرتين، أنه يمكننا ببساطة تعزيز الاقتصاد من خلال الإنفاق العام، أو التخفيضات الضريبية ذاتية التمويل، وكليهما تمثلان جوابًا مغريًا وسهلًا للغاية. وليستا جادتين أو موثوقتين، ولن تؤدي أي منهما بمفردها إلى النمو؛ لأنهما تتجاهلان التفضيلات بين الخيارات الأساسية في السياسة الاقتصادية، حيث كلتاهما غير مسؤولتين".

في المقابل، حدد سوناك 3 مجالات أطلق عليها، رأس المال والموارد البشرية والأفكار، بهدف دفع الشركات لزيادة الاستثمار. وقال إن رأس المال المستثمر من الشركات البريطانية يبلغ في المتوسط 10% من الناتج الاقتصادي السنوي مقابل متوسط 14% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تعد نادي للدول الغنية.

وتعهد سوناك بالمساعدة في دفع الابتكار من خلال توفير بيئة ضريبية وتنظيمية مناسبة للأعمال التجارية لتعزيز الاستثمار والإنفاق الرأسمالي على البحث والتطوير، ودعا إلى مزيد من التدريب المهني للموظفين الحاليين في القوى العاملة، وكذلك إطلاق نظام تأشيرات لجذب رواد الأعمال والعمال ذوي المهارات العالية.

لا توجد خيارات

قال سوناك: "ابني القليل وسوف يأتون إليك وعندما يأتي الكثير منهم سوف يبنون".

سوف يضطر سوناك لمواجهة المعارضة من البرلمانيين داخل حزبه لزيادة الهجرة من أي نوع.

وخلال اجتماع خاص الاثنين، حذر سوناك النواب من عدم وجود خيار آخر سوى التعاون إذا أرادوا تجنب خسارة الانتخابات القادمة، وفقًا لأشخاص حضروا الاجتماع. وأضاف أحد الحاضرين أن سوناك يأمل أن تتفوق رغبة البرلمانيون من المحافظين في البقاء على ميولهم الأيديولوجية الشخصية.

ورث سوناك أغلبية مرجحة في البرلمان عقب فوز جونسون في انتخابات 2019، لهذا ينبغي أن يكون حرًا في المضي قدمًا في التشريع طالما تمكن من احتواء التمرد.

وأكد سوناك التزامه ببيان 2019 الذي ساعد جونسون على تأمين فوزه الانتخابي. وتضمن البيان تعهداً بمساعدة الأجزاء المتجاهلة من البلد وقمع الهجرة غير المشروعة. وقال سوناك: "سأفي بهذا الوعد".

المصدر: وول ستريت جورنال

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com