مرت سنة على إعلان إنشاء مبادرة ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا الاقتصادي (IMEC)، وأظهرت المبادرة تقدماً كبيراً في أجزاء منها تتعلق بالهند والشرق الأوسط، بينما لا تزال أوروبا، وبخاصة إيطاليا، بحاجة إلى تكثيف الجهود لتحقيق الأهداف المرجوة.
وفقاً لتقرير نشرته مجلة (National Interest)، أُطلقت المبادرة الجيواقتصادية في 10 سبتمبر 2023 خلال قمة مجموعة العشرين في دلهي، وتهدف إلى تنشيط التجارة عبر منطقة الممر الهندي-المتوسطي، ويربط هذا الممر بين اقتصادات المحيط الهادئ والهندي والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، مما يجعله جسراً حيوياً للتجارة العالمية.
ومع حلول الذكرى السنوية الأولى، أشار التقرير إلى أن الهند ودول الشرق الأوسط، وخاصة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، أحرزت تقدماً ملموساً، على الرغم من أن النزاعات في أوكرانيا وغزة قد حولت الانتباه عن أوروبا والولايات المتحدة.
يهدف ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا إلى تعزيز التجارة العالمية والربط بين جنوب آسيا والشرق الأوسط وأوروبا. من خلال إنشاء طرق نقل أكثر كفاءة للسلع والطاقة والخدمات، يعزز الممر الروابط السياسية والاقتصادية بين هذه المناطق، مما يزيد المرونة والاستقرار الإقليميين.
وعلى الرغم من أن هذا الممر قد يبدو وكأنه مسعى جديد، إلا أنه تم بناؤه، بحسب التقرير، على أساس موثوق به، ألا وهو بعض أقدم وأهم طرق التجارة بين الهند وأوروبا، والتي تعود إلى آلاف السنين.
تاريخياً، لعبت الهند دوراً تجارياً محورياً، إذ كانت تمثل 20% إلى 30% من الاقتصاد العالمي، وتعدّ قوة محركة للتجارة العالمية لآلاف السنين، ومركزاً للتجارة العالمية. ويبرز هذا السياق الدور الحالي للهند كأسرع اقتصاد نمواً في العالم، فهي الآن على وشك أن تصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم بحلول نهاية العقد.
هذه النهضة عززت موقع الهند كلاعب رئيسي في التكامل الاقتصادي الهندي-المتوسطي، ما دفع إلى زيادة الاهتمام بمشاريع مثل ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا.
اليوم، تعتمد التجارة بين الهند والمتوسط بشكل كبير على قناة السويس، وهي شريان حيوي سيبقى مهماً لعقود قادمة. ومع ذلك، أكد التقرير أن التنويع مهم، لذا ستنشأ ممرات نقل جديدة في المستقبل تربط دول الخليج بالبحر الأبيض المتوسط، كما تخطط تركيا والعراق لإنشاء طرق برية إلى أوروبا. ومع توسع التجارة الهندية-المتوسطية، ستكون هذه الممرات حاسمة في إدارة حجم التجارة المتزايد بين المناطق. بالإضافة إلى ذلك، ستوفر هذه الطرق إمكانات هائلة للنمو الاقتصادي، مما يفيد البلدان في آسيا الوسطى وإفريقيا.
يعدّ الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا مبادرة متعددة الأطراف تشمل ثمانية اقتصادات من مجموعة العشرين، وهم الهند، الإمارات، السعودية، إيطاليا، ألمانيا، فرنسا، الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة. وتلتزم هذه الدول بتمويل البنية التحتية داخل حدودها لدعم الشراكة الاقتصادية المتنامية.
ويعمل الدعم الدبلوماسي والاقتصادي والأمني القوي من الولايات المتحدة للممر على تعزيز الروابط بين المناطق الحرة والمفتوحة عبر منطقة المحيطين الهندي والهادئ والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، ما يعزز المصالح الأميركية مع الحد من المرونة الاستراتيجية لخصومها.
أما المحركات الحقيقية لهذا الممر فهي المدن الرئيسية مثل مومباي في الهند، ودبي في الإمارات، وترييستي في إيطاليا، إذ تعمل هذه الموانئ كمراكز مالية وللنقل أيضاً، ما يدفع بالنمو الاقتصادي. وفي الوقت نفسه، يلعب ميناء «ترييستي» دوراً رئيسياً في ربط البحر الأبيض المتوسط بالقلب الصناعي لأوروبا.
وإلى جانب هذه الموانئ، تعاونت أهم الشركات في الدول المشاركة في هذه المبادرة، حيث شكلت الشركات الهندية مثل «تاتا» و«ريلاينس» شراكات مع عمالقة الشرق الأوسط في الإمارات «دي بي ورلد» و«اتصالات» إضافة لبنوك إماراتية. ومن المتوقع أن تسهم الشركات الأوروبية مثل «جينيرالي» للتأمين و«فينكانتييري» لصناعة السفن واليخوت في نمو الممر.
أحد المشاريع البارزة هو كابل الاتصالات البحرية «بلو رامان»، الذي يربط بين إيطاليا والهند، ويشمل شركات مثل «ريلاينس جيو» و«عمانتل» و«سباركلي» و«غوغل». ويعزز هذا التعاون الاتصال بين إيطاليا والهند. علاوة على ذلك، اجتذب ميناء «ترييستي» استثمارات من شركات لوجستية أوروبية كبرى مثل «شركة البحر الأبيض المتوسط للملاحة» و «شركة الخدمات اللوجستية لميناء هامبورغ» وغيرها، مما يعزز نشاطه الاقتصادي.
أوضح التقرير أن العام الأول من إطلاق المبادرة شهد تطورات إيجابية وسلبية. فمن الناحية الإيجابية، عززت الهند والإمارات والسعودية علاقاتها الاقتصادية. كما وقعت الهند اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع الإمارات في عام 2022، بهدف زيادة التجارة الثنائية إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2027.
ومنذ مايو 2022، نمت التجارة بين البلدين بنسبة 16.4%، لتصل إلى 83.64 مليار دولار في عام 2024. وأصبحت الإمارات العربية المتحدة الآن ثالث أكبر شريك تجاري للهند بعد الصين والولايات المتحدة. كما يحرز كلا البلدين تقدماً مطرداً في ممر ثنائي للأمن الغذائي والمعالجة، حيث تستكشف شركة التبغ الهندية (ITC) إمكانية توسيع هذا الممر عبر طريق ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا بالكامل. وبالمثل، تشارك «فيديكس» في التخطيط والإعداد للتوسعات المستقبلية لممرات النقل الخاصة بالممر.
كما أن تجارة الهند مع السعودية آخذة في الارتفاع، حيث تجاوزت 50 مليار دولار سنوياً، مما يجعل السعودية رابع أكبر شريك تجاري للهند. وقد التزمت المملكة بتخصيص 20 مليار دولار لتطوير شبكات الطرق والسكك الحديدية داخل حدودها لدعم الممر التجاري، وتعزيز دورها الحاسم في نجاح الممر.
ومع ذلك، أشار التقرير إلى التحديات التي لا تزال قائمة، كالحرب في غزة، التوترات بين إسرائيل و«حزب الله»، والهجمات الحوثية على قناة السويس، مؤكداً أن الاستقرار طويل الأجل يرتبط بالاعتماد الاقتصادي المتزايد على طرق ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا.
ويدرك الفاعلون الإقليميون أهمية هذا الممر لتحقيق السلام، لذا فإن الاتفاق النووي المدني بين الولايات المتحدة والسعودية قد يعزز مستقبل الممر بشكل كبير.
في المقابل، تأخر التقدم في الجزء الأوروبي-الشرق الأوسط وأوروبا-الهند من ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا، وهناك حاجة إلى جهود أكبر لمواكبة التطور في الجزء الهندي-الشرق أوسطي.
باعتبارها أقرب دولة أوروبية موقعاً على الممر، فإن إيطاليا في وضع فريد لتولي دور قيادي في مواجهة هذه التحديات. وتتوافق مصالح إيطاليا الاستراتيجية مع تعزيز علاقاتها التجارية مع آسيا وتطوير خطة ماتي لأفريقيا، كما يمكن أن يصبح ميناء «ترييستي» المحور الأوروبي الرئيسي للممر، موفراً اتصالاً فعالاً بين البحر الأبيض المتوسط وأوروبا.
سياسياً، تتمتع إيطاليا بمكانة جيدة لقيادة توسع الممر في أوروبا. ومع الانتخابات المقبلة في أوروبا والولايات المتحدة، توفر إيطاليا الاستمرارية المؤسسية اللازمة لضمان أن يبقى الممر أولوية.
ولتحقيق ذلك، أكد التقرير أن على إيطاليا الدفع لجعل الممر جزءاً رئيسياً من مبادرة البوابة العالمية لأوروبا، وجدول الأعمال التنافسي، والشراكة العالمية لمجموعة السبع للاستثمار في البنية التحتية.
إضافة إلى ذلك، على إيطاليا أن تقدم قيادة ذات رؤية والتزام مستمر لضمان أن يتناسب الجزء الأوروبي من الممر مع الحماس الذي أبدته الهند ودول الشرق الأوسط.