خاص
خاص

الاقتصاد البحريني.. تنويع الإيرادات يقود قاطرة النمو

يمر الاقتصاد البحريني بعملية تحديث وإصلاح كبيرة تهدف إلى تنويع الإيرادات وضخ دماء جديدة في شرايين التنمية، مستفيدا من زخم اقتصادي خليجي كبير على خلفية ارتفاع أسعار النفط وخطط تنويع مصادر الدخل.

وسجلت المنامة نمواً بنسبة 2% في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الربع الثاني من العام الجاري، وفقاً لوزارة المالية والاقتصاد الوطني البحرينية.

وكشفت الوزارة أن هذا النمو كان مدفوعًا بارتفاع القطاع غير النفطي بنسبة 2% أيضًا. وتصدرت أنشطة النقل والاتصالات التصنيف، حيث سجلت نمواً سنوياً بنسبة 13.3% في الربع الثاني، تليها الفنادق والمطاعم التي نمت بنسبة 9.6%.

وارتفعت الأنشطة العقارية والتجارية بنسبة 4.9%، في حين نمت الشركات المالية بنسبة 4.7% على أساس سنوي خلال الربع الثاني من العام الجاري.

كما سجل قطاع النفط زيادة سنوية بنسبة 2.2%، مدفوعاً بارتفاع بنسبة 2.9% في الإنتاج المشترك لحقل أبوسعفة وحقول النفط البرية في البحرين.

تنويع الاقتصاد

ومثل العديد من الدول المعتمدة على النفط، أدركت البحرين الحاجة إلى تنويع اقتصادها، وقد تم اتخاذ مبادرات مختلفة لدعم ذلك، بما في ذلك في قطاعات الخدمات المالية والسياحة والضيافة والعقارات.

وذكر تقرير لوزارة المالية والاقتصاد البحرينية، أن الصناعة غير النفطية ساهمت بنسبة 82.9% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبحرين بين أبريل ويونيو الماضيين.

ويشكل القطاع المالي الجزء الأكبر من الناتج الإجمالي، ويعكس حجمه المتنامي تركيز الحكومة على التكنولوجيا المالية والخدمات المصرفية الرقمية.

وكان قطاع النفط ثاني أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 17.1%، في حين جاءت الخدمات الحكومية في المركز الثالث بنسبة 14.1%.

وانخفض قطاع الصناعات التحويلية بنسبة 0.9% في الربع الثاني مقارنة بالفترة المقابلة من العام الماضي، لكنه سيطر على 13.6% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبلاد.

وتعمل البحرين على تعزيز قطاعي التصنيع والصناعة لتقليل الاعتماد على النفط، بما في ذلك رعاية شركة ألمنيوم البحرين -أحد أكبر منتجي المعدن في العالم- وتنمية صناعة البتروكيماويات.

وتتوافق جهود التنويع هذه مع رؤية البحرين الاقتصادية 2030، وهي خطة تنمية شاملة لتحويل اقتصاد البلاد، حيث يتوقع التقرير ربع السنوي لوزارة المالية والاقتصاد، نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.9% في عام 2023 و3.2% في عام 2024، مع نمو القطاع غير النفطي بنسبة 3.5% و3.8% على التوالي خلال 2023 و2024.

وتمتع اقتصاد البحرين بعام متميز في 2022، وأدى ارتفاع أسعار النفط والنشاط القوي في القطاعات الرئيسة، بما في ذلك السياحة والبناء، إلى دفع نمو الناتج المحلي إلى نحو 5%، وفقا صندوق النقد الدولي، مدفوعا بنمو قدره 6.2% في إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، بينما تراجع إجمالي الناتج المحلي النفطي بنسبة 1.4%.

وفي ظل التعافي الاقتصادي الجاري وإصلاحات المالية العامة المستمرة وارتفاع أسعار النفط، سجل عجز الميزانية العامة للدولة تراجعا ملحوظا من 6.4% في عام 2021 إلى 1.2% في عام 2022، بينما انخفض الدين الحكومي من 127.1% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2021 إلى 117.6% في عام 2022.

تحديات اقتصادية

وفي هذا الصدد، يقول الدكتور أحمد رستم، كبير الباحثين بالبنك الدولي، إن البحرين خطت خطوات كبيرة لتنويع اقتصادها على مدى العقدين الماضيين، ولا يزال أمامها العديد من التحديات الاقتصادية التي يجب العمل عليها.

وأضاف رستم، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أنه قبل عامين، كشفت الحكومة البحرينية في عام 2021 النقاب عن خطة إنعاش اقتصادي تهدف جزئيًا إلى تسريع مسيرة البحرين نحو مستقبل أقل اعتمادًا على النفط.

وحسب الباحث بالبنك الدولي، تتضمن الخطة استثمارات استراتيجية بقيمة 30 مليار دولار، وأهدافًا جديدة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وأهدافًا لزيادة توظيف المواطنين البحرينيين في القوى العاملة، من بين مبادرات أخرى.

علاوة على ذلك، تركز الحكومة على ست قطاعات ذات أولوية للمستقبل، وهي السياحة والخدمات اللوجستية، والخدمات المالية، والاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي، والتصنيع، والنفط والغاز.

وأوضح رستم أن البحرين تأمل أن تدفع هذه الخطة البلاد نحو هدف رؤية 2030 المتمثلة -على حد تعبير الحكومة- في "اقتصاد منتج وتنافسي عالميًا، تشكله الحكومة ويقوده القطاع الخاص".

وأشار إلى أن مسار الاقتصاد في عام 2023 قد يقدم للسلطات بعض الأمل المبكر، حيث استمر النمو غير النفطي بمعدل سنوي قدره 7.2% خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام، وفقًا لبيانات صندوق العمل الوطني تمكين، حتى إذا كان مدعوما جزئياً بالإنفاق الحكومي، مؤكداً أن أبرز ما حققته البحرين من تقدم هو أداء الاقتصاد غير النفطي، الذي تعافى بقوة.

تحفيز القطاع الخاص

وتهدف الخطة التوجيهية للبلاد، رؤية البحرين الاقتصادية 2030، إلى تعزيز نمو القطاع الخاص، إلى جانب تشجيع الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية، والإسكان الميسر، وتنمية الموارد البشرية، والتحول الرقمي.

وتقوم البحرين أيضًا بإدخال العديد من الإصلاحات لجذب الاستثمارات في القطاعات ذات الإمكانات العالية، بما في ذلك السياحة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والخدمات اللوجستية والتكنولوجيا المالية.

ويقول جون باين، كبير الاقتصاديين في جامعة أكسفورد إيكونوميكس في تصريحات سابقة: "إن الإنتاج الآن أعلى من مستوى ما قبل جائحة كورونا وهذا يعكس قدرة الحكومة على إعادة تدوير عائدات النفط مرة أخرى إلى الاقتصاد".

وأضاف باين: "يبدو أن خطة البحرين تهدف إلى تحفيز القطاع الخاص وجذب الشركات للاهتمام بالاقتصاد. وهذا سيساعد الحكومة على تحقيق هدف 2030 المتمثل في عدم الاعتماد على النفط والحصول على قاعدة مالية أوسع".

وأوضح أنه على المدى المتوسط، هناك أسباب تدعو إلى التفاؤل، حيث تقدم البحرين نفسها كوجهة مستقرة ومنفتحة ومؤيدة للأعمال لتنمية الفرص الاقتصادية. وعلى وجه الخصوص، تتطلع البلاد إلى تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر عبر قطاعاتها المختلفة رغم التوترات التي تشهدها المنطقة.

ووفقاً لتصريحات سابقة لـ خالد حميدان، الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية في البحرين، فإن تدفقات الاستثمار الأجنبي تبلغ قيمتها الإجمالية نحو 35 مليار دولار، لذا فإن نموها بما يقرب من 2 مليار دولار في عام واحد يعد أمرًا جيدًا للغاية.

وتتجلى تدفقات الاستثمار الأجنبي بصورة أوضح في قطاع الخدمات المالية في البحرين، والذي يمثل الجزء الأكبر غير النفطي من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ويتطلع مجلس التنمية الاقتصادية في البحرين إلى الاستفادة من هذه القوة الكامنة لجذب المزيد من الاستثمارات وتعزيز إجمالي مساهمة القطاع في الاقتصاد من حوالي 17.8% إلى أكثر من 20%.

استدامة القطاع المالي

من جانبه، أكد الدكتور علي المولاني رئيس جمعية الاقتصاديين في البحرين، أن البحرين تحافظ على مكانتها كمؤثر مالي رئيسٍ في الشرق الأوسط، مدعومة بالعديد من العوامل، بما في ذلك التشريعات الحكيمة والرقابة الممتازة من قبل مصرف البحرين المركزي، بما يضمن استقرار القطاع المالي واستدامته.

وقال المولاني، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، إنه في ظل مشهد الخدمات المالية المتطور، فإن البحرين مستعدة أيضًا لتبني تقنيات ونماذج أعمال جديدة ومبتكرة، ويشمل ذلك الأصول الرقمية، التي تعدها السلطات في المنامة فرصة اقتصادية واعدة للبلاد.

وفي يناير 2023، أطلقت بورصة العملات المشفرة العالمية Binance منصتها في البحرين، بعد حصولها على الموافقات من البنك المركزي ومجلس التنمية الاقتصادية في البحرين.

ويشير رئيس جمعية الاقتصاديين إلى أنه من الممكن أن تبدأ البحرين في جني ثمار الإصلاحات المالية الجارية والصعبة على المدى المتوسط، كما تعد التغييرات الأخرى في الاقتصاد، بما في ذلك زيادة مشاركة البحرينيين في القوى العاملة، والحفاظ على انفتاح البلاد على الاستثمارات الأجنبية، فضلاً عن الاستجابة لاحتياجات القطاع الخاص، أمراً بالغ الأهمية لتحقيق الأهداف بعيدة المدى.

ويؤكد أن السلطات تظل ملتزمة التزاماً راسخاً ببرنامج الإصلاح المالي والهيكلي المبين في خطة التوازن المالي وخطة الإنعاش الاقتصادي، مع التركيز على خفض العجز المالي والدين العام، وتعزيز جهود التنويع الاقتصادي، وتطوير البنية التحتية الرقمية للاقتصاد، ومواجهة تحديات تغير المناخ.

التصنيف الائتماني

رغم هذه المؤشرات الاقتصادية، فإن وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية، عدلت، يوم الجمعة الماضي، النظرة المستقبلية للبحرين من "إيجابية" إلى "مستقرة"، وأرجعت هذا إلى ضغوط الإنفاق التي ستفاقم العجز المالي للبلاد بصورة أكبر مما كانت تتوقعه الوكالة في السابق.

ومع ذلك، فقد أبقت الوكالة تصنيف البلاد عند "B+/B" وسط توقعات بأن الحكومة ستنفذ إجراءات لخفض عجز الميزانية وستستفيد من دعم إضافي من دول الخليج الأخرى إذا لزم الأمر.

وتتوقع ستاندرد آند بورز أن تنشط الحكومة الإصلاحات لتدعيم وضعها المالي، عبر زيادة الإيرادات غير النفطية حتى 2026، كما توقعت أن يسجل العجز المالي بين 3 و4% من الناتج المحلي الإجمالي للبحرين خلال 2023-2026 مقارنة مع 2 و3% في مراجعتها السابقة.

وفي يوليو الماضي، أبقت وكالة فيتش على تصنيف البحرين عند "‭B+‬" مع نظرة مستقبلية مستقرة، في حين عدلت موديز نظرتها المستقبلية إلى مستقرة من سلبية، وأكدت على التصنيف الائتماني عند ‭"B2"‬ في أبريل 2022.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com