وهناك تباين كبير في تحركات الأسعار، بعد أن تجاوز سعر طن الكاكاو 10 آلاف دولار، فيما أسعار الغاز الطبيعي الأميركي تميل إلى السلبية، وخسرت أسعار النيكل 60%. ويقول المختص في المواد الأولية فيليب تشالمين، أستاذ الاقتصاد في جامعة باريس دوفين، والمؤلف المشارك لتقرير "سيكلوب": "لا يوجد شيء معقول في عالم غير معقول".
ويعطي التقرير السنوي الذي صدر الثلاثاء نظرة عامة كاملة عن الأسعار العالمية، ويقول إن عام 2023 شهد أحد أكبر الانخفاضات في تاريخ المواد الأولية.
فقد تراجع مؤشر سيكلوب بنسبة 14%، في أعقاب انفجار فقاعات الغاز والقمح والنفط التي خلفتها الحرب في أوكرانيا. وفي عام 2024 من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه بانخفاض قدره 6% على مدار عام واحد (باستثناء النفط والمعادن)، مع الإشارة إلى أن الجزء الأكبر من التراجع احتسب بالفعل في الأسواق. ويشدد المؤلفون على أن المواد الخام لم يسبق لها أن كانت منبراً لسبر الأزمات في العالم كما هو الحال في الوقت الحاضر.
ويتجلى ذلك في "التوترات الشديدة" للأسعار، سواء كان في الاتجاه الهبوطي أو الصعودي، وعدم اليقين على الصعيد السياسي والاقتصادي والصحي الشديد، لدرجة أن "ممارسة التنبؤ بالتقلبات تظل صعبة للغاية في الأسواق التي تتفاعل مع جميع التوترات في العالم".
وفي الأسواق الزراعية، التي قفزت في عام 2022، انخفض سعر بذور اللفت بنسبة 36% في عام 2023، وسعر الذرة بنسبة 19%، وانخفض سعر القمح، الذي كان قد جرى تداوله بسعر مذهل بلغ 430 يورو للطن، بنسبة 28%، وذلك بسبب سياسة الأسعار الرخيصة التي تنتهجها روسيا، المصدر الرئيس للقمح في العالم.
ومن المقرر أن تستمر الانخفاضات هذا العام نظراً للمحاصيل الممتازة في كل مكان تقريباً، بينما لا يستطيع العالم الاستغناء عن القمح الروسي، الذي يزيد حصصه في السوق.
ويتوقع مؤشر "سيكلوب" خصوصاً انخفاض أسعار الذرة (-10%)، فضلاً عن السكر (-10%) والأرز (-7%)، اللذين وصلا إلى مستويات قياسية. ومن المتوقع أن يشهد القمح الأوروبي تعديلاً صعودياً طفيفاً بنسبة 3%، والقمح الأميركي 8%.
أما بالنسبة للكاكاو، الذي شهد سعراً غير معقول بارتفاعه من 2500 دولار إلى 12 ألف دولار للطن فتراجع 25% في أبريل الماضي. ويتوقع مؤشر "سيكلوب" أن يرتفع مجددا بنسبة 23%. ويؤدي الحصاد الهزيل للغاية في البلدين المصدرين الرئيسَيْن للكاكاو، وهما ساحل العاج وغانا، إلى كل أنواع المضاربة.
وعلى صعيد النفط والغاز، وعلى الرغم من مخاطر التصعيد في الشرق الأوسط، فمن غير المتوقع حدوث صدمة كبيرة هذا العام. ولا تزال الدول المنتجة تعتمد بنحو كبير على الذهب الأسود "لجعله سلاحاً جيوسياسياً"، وفقاً لتقديرات شركة "سيكلوب" التي تعتمد على انخفاض بنسبة 9% لخام برنت، الذي يمثّل المعيار الدولي للنفط.
وبالنسبة للغاز الطبيعي "يبدو أن الوضع يعود إلى مساره الطبيعي، والذي ينطوي على انخفاض الأسعار، ربما باستثناء الولايات المتحدة، وهي سوق محلية تدعمها الزيادة المستمرة في قدرتها على التسييل، وبالتالي قدرتها على التصدير". وسواء كان الأمر يتعلق بصندوق الاستثمار الأوروبي أو الغاز الطبيعي المسال في آسيا، فمن المتوقع أن تظل الأسعار قريبة من أدنى مستوياتها الحالية، أي ضعف ما كانت عليه قبل الحرب في أوكرانيا.
وعلى جبهة الطاقة، من المتوقع أن تستمر أسعار الفحم في الانخفاض مع انحسار المشتريات الأوروبية، وربما الصينية أيضاً. وفي ما يتعلق بالطاقة النووية، فإن آفاق إمدادات اليورانيوم تتعرض لضغوط، بسبب الطلب القوي المرتبط بالحماس المتجدد لهذه الطاقة الخالية من الكربون، وكذلك التوترات الجيوسياسية. وتؤثر حالة عدم اليقين على روسيا والنيجر وكازاخستان، وهي الدول الرئيسة المنتجة لليورانيوم.
وفي مجال المعادن، تتباين التوقعات مع مجهول رئيسٍ، وهو شهية الصين، أكبر مستهلك في العالم للعديد من المواد الخام كالنفط وخام الحديد والنحاس وفول الصويا. كما أن ذروة استهلاك النفط والغاز والفحم لم تتحقق بعد، ولا يزال صعود المعادن الاستراتيجية لتحول الطاقة ينتظرنا، لكن الطلب كان أقل من المتوقع في مواجهة وفرة العرض، وهذا هو الحال بنحو خاص بالنسبة للنيكل، وإذا كانت الأسعار التي بلغت أدنى مستوياتها حتى يناير مع وجود سوق فائض لعدة سنوات مدفوعاً بإندونيسيا، قد شهدت انتعاشاً مؤخراً، فسيكلوب تتوقع انخفاضاً بنسبة 21% في عام 2024، وبالنسبة للمعادن الأخرى سيكون هذا العام هو عام "الانتقال من الفوائض" إلى العجز المحتمل.