والهيدروجين الأخضر هو مصدر طاقة خالٍ من الكربون، وينتج عن طريق تمرير تيار كهربائي عبر الماء (محلل كهربائي) لفصل الهيدروجين عن الأكسجين، ويكون الهيدروجين الناتج "أخضر" فقط إذا جرى توليد الكهرباء المستخدمة من مصادر متجددة.
وبدأ الاهتمام العالمي يتزايد بضرورة إنتاج مصادر طاقة نظيفة وعلى رأسها الهيدروجين الأخضر، عندما توصل المجتمع الدولي في باريس عام 2015 إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية إلى اتفاقية تاريخية لمكافحة تغير المناخ، وتسريع وتكثيف الإجراءات والاستثمارات اللازمة لتحقيق مستقبل مستدام منخفض الكربون.
واعترفت الحكومات وقطاع الصناعة على حد سواء بأن الهيدروجين ركيزة مهمة لاقتصاد صفري الانبعاثات الكربونية، ويتم حاليًا إنتاج نحو 120 مليون طن من الهيدروجين سنويًا على مستوى العالم، وتعتمد الجهات المصنعة على الغاز والفحم الأحفوري لإنتاج 95% من الكميات المتاحة عالميًا من الهيدروجين.
وتتجه دول كثيرة نحو الاستثمار في إنتاج الوقود الأخضر، خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، والمعاناة العالمية من أزمة الطاقة، وتنشط في ذلك بشكل خاص كل من فرنسا وألمانيا والدانمارك وإسبانيا وبلجيكا والهند.
ويُتوقّع ارتفاع حجم الاستثمارات العالمية في سوق الهيدروجين الأخضر إلى 600 مليار دولار بحلول عام 2050، حيث تعد استخداماته الأساسية في قطاعات مثل الصناعة والنقل والإنشاءات والطاقة، وسيكون لـ "الهيدروجين الأخضر" دورًا في إعادة رسم خريطة الطاقة والموارد العالمية بحلول 2023، وخلق سوق قيمتها 1,4 تريليون دولار سنويًا مع قدوم العام 2050".
كما يتوقع أن تبلغ استثمارات المشروعات الجاري تنفيذها لإنتاج الهيدروجين الأخضر قبل 2030 بنحو 320 مليار دولار، وفقًا لتقرير صادر عن شركة ديلويت للاستشارات.
وبحلول العام 2050 - بحسب ديلويت - من المرجح أن تكون المناطق الرئيسية المصدّرة للهيدروجين الأخضر، شمال إفريقيا بنصيب 110 مليارات دولار سنويا، وأميركا الشمالية بحصة 63 مليارا، وأستراليا بنسبة 39 مليارا، والشرق الأوسط بـ 20 مليارا، ومن المتوقع أن يغطى 24% من حاجة العالم من الطاقة.
وفي ظل التسابق العالمي على إنتاج الهيدروجين الأخضر، كان للدول العربية نصيب كبير من المشروعات الجار تنفيذها، ومنها دولة الإمارات التي ستستضيف مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف حول المناخ (كوب 28) بنهاية شهر نوفمبر المقبل؛ حيث أقرت استراتيجية للهيدروجين؛ تهدف إلى إنتاج 1.4 مليون طن متري من الهيدروجين سنوياً بحلول عام 2031؛ كما أنها تشرف على استثمارات بنحو 163 مليار دولار في الطاقة المتجددة، ما سيجعلها واحدة من أكبر الدول العشر المنتجة للهيدروجين.
كما يشهد قطاع الطاقة في السعودية استثمارات بقيمة 8.5 مليار دولار لتطوير أكبر منشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر عالمياً. وتعمل شركة «نيوم للهيدروجين الأخضر» على تطوير وتنفيذ مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر، وتعد الشركة ثمرة تعاون بين «أكوا باور» و«إير برودكتس» و«نيوم»، ومن المتوقع أن يبدأ المشروع بإنتاج الهيدروجين الأخضر المستمد بنسبة 100 من الطاقة النظيفة بحلول عام 2026.
وفي سلطنة عُمان تستثمر البلاد في اقتصاد الهيدروجين بقيمة تفوق 30 مليار دولار أميركي، وتسعى لأن تكون واحدة من أكبر المنتجين على مستوى العالم بحلول عام 2030.
وتبذل السلطنة جهودًا مضنية لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050 عبر خطة وطنية، تحقق التنمية المستدامة، وترتكز على النمو المتسارع للطاقة النظيفة ومشروعات الهيدروجين الأخضر، وفق وزير الطاقة والمعادن سالم بن ناصر العوفي.
وفي الجزائر، يأتي "الهيدروجين الأخضر" كمحور رئيسي للاستراتيجية التي تبنتها لتعظيم عوائدها من الطاقة النظيفة، فالسلطات تسعى إلى أن تلبي نسبة تصل إلى 10% من الطلب الأوروبي على "الهيدروجين الأخضر"، وذلك عبر تحديث وتطوير خطوط الأنابيب من أجل بلوغ مساحات أوسع في أوروبا.
ويتراوح حجم الاستثمارات في الهيدروجين الأخضر بالجزائر من 25 إلى 30 مليار دولار، وهذه الاستثمارات من المتوقع أن تدر على الدولة إيرادات تقدر بـ 10 مليارات دولار سنوياً بحلول العام 2040، حسب تقديرات وزارة الطاقة الجزائرية.
وأعلنت مصر مطلع الشهر الماضي عن إنشاء مجلس وطني لمشروعات الهيدروجين الأخضر في البلاد، بهدف تحفيز الاستثمارات بواحد من أهم مصادر الطاقة النظيفة.
تتوقع الحكومة المصرية أن يصل إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مشروعات الهيدروجين الأخضر إلى نحو 81.6 مليار دولار بحلول 2035، وتستهدف البلاد التوسع في تلك المشروعات، إذ وضعت لذلك استراتيجية وطنية خاصة، تهدف إلى إدماجها في استراتيجية الطاقة 2035، وذلك في إطار خطط التحول إلى الحياد الكربوني، وخفض الانبعاثات من قطاع الطاقة.
وفي هذا الشأن، يقول وزير الكهرباء المصري، محمد شاكر، إن بلاده يمكن أن تحقق خطة طموحة والوصول إلى 8% من السوق العالمي للهيدروجين الأخضر عبر قدرتها التنافسية، مشيرًا إلى أن الدولة المصرية تخطط لإنشاء محطات طاقة متجددة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقدرة 128 ألف ميغاوات.
وتستقبل مصر هذه الأيام أحدث الاستثمارات الأجنبية في قطاع الهيدروجين الأخضر، حيث أعلنت شركة ديمي البلجيكية تدشين استثمارات بقيمة 3 مليارات دولار لإقامة مشروع لإنتاج الهيدروجين في ميناء جرجوب على 3 مراحل، وسيخصص إنتاجه للتصدير إلى السوق الأوروبية.
وقبل إعلان "ديمي" تمكنت مصر من تأمين 19 استثماراً من الشركات التي تعمل على تطوير الهيدروجين الأخضر، وأغلب المشاريع الجديدة ستؤسس في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ونحو 97% من تلك الاستثمارات مرتبطة بـ17 مشروعاً للهيدروجين الأخضر بشكلٍ خاص، وفق بيانات شركة الأبحاث FDI Insight.
وتستهدف الحكومة المصرية التوسع في تلك المشروعات، حيث وضعت استراتيجية وطنية خاصة لذلك، وتهدف إلى دمجها في استراتيجية الطاقة 2035، في إطار خطط التحول إلى الحياد الكربوني، وخفض الانبعاثات من قطاع الطاقة.
كما تعتزم مجموعة "الصين الدولية للطاقة"، ضخ استثمارات تتراوح قيمتها بين 5 إلى 8 مليارات دولار لإقامة مشروع ضخم لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر، وفق ما أعلنه في وقت سابق رئيس المجموعة ليو زيشيانج.
وفي هذا الصدد، تقول الدكتورة أمنية حلمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، إن الحكومة المصرية اتخذت العديد من الخطوات الجادة نحو توطين صناعة الهيدروجين الأخضر، حيث ارتفع عدد مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر بها، مؤكدة أن المشروعات التي ستنفذها عدد من الشركات العالمية المتخصصة في الطاقة المتجددة تستهدف إنشاء مجمعات صناعية بهدف إنتاج الهيدروجين الأخضر، والأمونيا الخضراء داخل المنطقة الصناعية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بقناة السويس.
وأضافت، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أن السلطات المصرية وقعت العديد من مذكرات التفاهم في إطار جهودها الرامية إلى التوسع في مشروعات إنتاج وصناعة الهيدروجين الأخضر، بوصفه مصدرًا واعدًا للطاقة في المستقبل، في ضوء الاهتمام العالمي المتنامي بالطاقة الخضراء، ومن جهة أخرى تدعم المشروعات الجهود التي تقوم بها مصر لتصبح ممرًا لعبور الطاقة النظيفة.
وأشارت إلى أن مصر تتوقع أن تجذب استثمارات أجنبية مباشرة في مشروعات الهيدروجين الأخضر بنحو 81.6 مليارات دولار بحلول 2035، وتوفير 100 ألف فرصة عمل في هذه المشروعات، وزيادة حصتها في الناتج المحلي الإجمالي إلى 18 مليار دولار.
وأكدت الدكتورة أمنية حلمي، أن هناك أهمية كبرى للهيدروجين الأخضر من الناحية الاقتصادية، منها التوفير في استخدام الوقود الأحفوري، وخفض واردات الطاقة والاعتماد على مصادر الطاقة المحلية المتجددة، وهذا يعزز الاستقلال الاقتصادي ويحد من التأثيرات السلبية لتقلبات أسعار الوقود.
بدوره، قال الدكتور أحمد غنيم، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، إن الحكومة المصرية تولي اهتمامًا خاصة بالطاقة النظيفة، ومنها الهيدروجين الأخضر، وتجلى هذا في إطلاق الاستراتيجية الوطنية للطاقة المتكامة والمتجددة في عام 2016، والتي يتوقع أن تسهم في خفض واردات البلاد من المواد البترولية، وتقليص الانبعاثات الكربونية.
وأضاف غنيم، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أن مصر لديها القدرة على إنتاج الهيدروجين الأخضر بتكلفة منخفضة لما تتمتع به من مقومات اقتصادية وتنافسية مقارنة مع الدول الأخرى، مشيرًا إلى أنه من المتوقع أن تخفض هذه التكلفة لتصل إلى 1.7 دولار لكل كيلوغرام بحلول عام 2050 مقارنةً بـ2.7 دولار عام 2025.
وأكد أستاذ الاقتصاد أن هناك الكثير من الفوائد الاقتصادية التي تعود على الدولة المصرية من التوسع في مشروعات إنتاج الهيدروجين، وهي دعم النمو الاقتصادي، وتوفير فرص العمل، فضلا عن الاستفادة من فائض الإنتاج في تصديره إلى الخارج، وخصوصا للدول الأوروبية التي تعتزم زيادة وارداتها من الهيدروجين الأخضر من أفريقيا خلال الفترة القادمة.