منحت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الواردات الصينية قطاع البتروكيماويات في السعودية دفعة غير متوقعة، بعد فترة من الضغوط الناتجة عن تقلص الهوامش وزيادة المعروض العالمي.
فقد استفادت الشركات السعودية التي تعتمد بشكل كبير على غاز البروبان كمادة خام من التحولات المفاجئة في تدفقات التجارة العالمية، والتي بدأت مع فرض إدارة ترامب أولى رسومها الكبيرة على الصين في فبراير.
كانت الصين، أكبر مستورد للبروبان في العالم، تعتمد على الولايات المتحدة في تأمين نحو 60% من احتياجاتها من الغاز. لكن بعد أن فرضت واشنطن رسوماً جمركية على الواردات الصينية، ردّت بكين بإقرار تعرفة انتقامية بنسبة 15% على واردات الوقود الأحفوري من الولايات المتحدة، ما أدى فعلياً إلى توقف تدفق الشحنات الأميركية إلى السوق الصينية.
هذا التحول دفع المصدرين الأميركيين إلى إعادة توجيه شحناتهم نحو اليابان، مما أدى إلى تخمة في المعروض هناك وانخفاض الأسعار، التي تُعد مرجعاً تسعيرياً تعتمد عليه شركات البتروكيماويات السعودية في شراء البروبان.
وذكر تقرير نشره موقع (AGBI)، نقلاً عن يوسف حسيني، مدير أبحاث الأسهم المتخصصة في قطاع الكيماويات لدى بنك الاستثمار «إي إف جي هيرمس» (EFG Hermes)، أن تراجع أسعار البروبان في السوق اليابانية أسهم في تحسين هوامش الربحية لعدد من المنتجات البتروكيماوية المعتمدة على البروبان، مثل البروبيلين والبولي بروبيلين.
وأشار حسيني إلى أن «معظم المنتجين في السعودية يستخدمون البروبان بدرجات متفاوتة، وقد ارتفعت الهوامش من مستوياتها المتدنية إلى مستويات تُعد متوسطة ضمن الدورة الاقتصادية».
تعد شركة «المتقدمة للبتروكيماويات» من أبرز المستفيدين، نظراً لاعتمادها الكامل على البروبان كمادة خام. وقد سجلت الشركة صافي ربح بلغ 19 مليون دولار في الربع الأول من العام، مقابل خسارة تجاوزت 16 مليون دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، لتصبح واحدة من بين عدد محدود من الشركات في القطاع التي حققت نمواً سنوياً في الأرباح.
في المقابل، جاءت نتائج بقية المنتجين أكثر ضعفاً؛ إذ تكبّدت «الشركة السعودية للصناعات الأساسية» (سابك)، أكبر شركة بتروكيماويات في المملكة، خسارة صافية بنحو 333 مليون دولار خلال الربع الأول، مقارنة بأرباح كانت قد سجلتها في الفترة ذاتها من العام الماضي.
ورغم أن انخفاض أسعار البروبان لا يزال يسهم في تعزيز أرباح بعض الشركات، يرى حسيني أن هذا الدعم قد يكون مؤقتاً، إذ يعتمد بشكل أساسي على استمرار اضطراب تدفقات التجارة العالمية للبروبان، وهو عامل غير مضمون، خاصة في ضوء الاتفاق الأخير بين واشنطن وبكين على خفض الرسوم إلى 10%. وقال: «إنها دفعة تكتيكية قصيرة الأجل للقطاع».
كما انعكست الرسوم الجمركية على إنتاج الصين من البروبيلين والبولي بروبيلين، رغم إمكانية تصنيع هذه المواد من الفحم أو النفط. ويقدّر حسيني أن البروبان يُستخدم في نحو 20% من إنتاج البولي بروبيلين في الصين. وفي حين لم يتأثر الإنتاج المعتمد على الفحم والنفط، أدى نقص البروبان إلى تراجع معدلات التشغيل في بعض المصانع، وتسريع تنفيذ خطط التوقف لأعمال الصيانة في أخرى.
وأشار حسيني إلى أن مدى تأثير نقص البروبان في الصين لا يزال غير واضح بسبب تأخر صدور البيانات الرسمية، إلا أن المعطيات الميدانية تشير إلى توجه بعض الشركات نحو خفض معدلات التشغيل أو تسريع توقيت الإغلاقات المقررة لأعمال الصيانة.
ورغم هذا الاضطراب في الإمدادات، لم تشهد أسعار البولي بروبيلين ارتفاعاً ملحوظاً، بل بقيت أكثر استقراراً مقارنة بمنتجات بتروكيماوية أخرى. وقال حسيني: «لا نلاحظ ارتفاعاً كبيراً في أسعار البولي بروبيلين، وإنما تراجعت بوتيرة أبطأ من باقي المنتجات».
كما طالت تداعيات سياسات ترامب التجارية سوق الكبريت العالمية، الذي يُعد مكوناً أساسياً في صناعة فوسفات الأمونيوم الثنائي (DAP)، أحد أكثر الأسمدة الفوسفاتية استخداماً في الزراعة، إلى جانب استخداماته في عدد من الصناعات الكيميائية الأخرى.
وكانت الولايات المتحدة تعتمد إلى حد كبير على كندا كمصدر رئيس للكبريت المنصهر، غير أنها بدأت مؤخراً في تنويع وارداتها لتشمل آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، مستفيدة من الرسوم الجمركية المنخفضة في تلك الأسواق. هذا التحول في سلاسل التوريد قلّص الطلب على الكبريت الكندي، الذي تتطلب عملية شحنه تكاليف لوجستية أعلى، ما أسهم في رفع أسعار المنتجات التي يدخل فيها الكبريت.
وبلغ سعر سماد فوسفات الأمونيوم الثنائي مستوى مرتفعاً لم يشهده منذ ثلاث سنوات، مسجلاً 653 دولاراً للطن، بزيادة قدرها 12% منذ أواخر مارس.
وتعد «شركة التعدين العربية السعودية - معادن»، وهي أكبر شركة تعدين في المملكة، من أبرز المستفيدين. ووفقاً لحسيني، فقد عزز ارتفاع الأسعار أداء الشركة، التي تملك الحكومة حصة الأغلبية فيها، إذ بلغت مبيعاتها من الفوسفات في الربع الأول 4.5 مليار ريال، أي نحو 1.2 مليار دولار، ما يمثل أكثر من نصف إجمالي إيراداتها البالغة 8.5 مليار ريال خلال الفترة نفسها.